توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

محمد فايق.. ألغاز السياسة والتاريخ

  مصر اليوم -

محمد فايق ألغاز السياسة والتاريخ

بقلم - حلمي النمنم

فى مايو سنة ٢٠٢١، كتبت هنا- المصرى اليوم- سلسلة مقالات عن أحداث مايو سنة ٧١، التى أطلق عليها الرئيس الراحل أنور السادات «ثورة التصحيح». كان مرور نصف القرن على وقوعها مغريًا لإعادة قراءة وتأمل الوقائع، خاصةً أن الحديث عن تفاصيلها كان كثيرًا فى عدد من الكتابات الأجنبية والمعلومات حولها غزيرة، بينما هى شحيحة عندنا، وكل ما بقى عنها مجموعة «إفيهات ونكات» بين قدامى الصحفيين، حتى الكُتاب، الذين كانوا «ساداتيين» تجاهلوها، بل تجاهلوا السادات نفسه مع مرور الأيام. ليس لدينا عنها سوى كتاب موسى صبرى «وثائق ١٥ مايو» وفصل مركز فى كتاب هيكل «الطريق إلى رمضان»، وهما- موسى وهيكل- يتبنيان وجهة نظر السادات، مع فارق التناول وموقع كل منهما. كان هيكل يبرئ نفسه من أن يُحسب على هذه المجموعة، وكان موسى مندفعًا بشدة إلى تبنى كل ما يراه السادات، وهناك كتاب مضاد أصدره الأستاذ عبدالله إمام يتبنى وجهة النظر الأخرى، وفى زحام الحياة وتدافع الأحداث والوقائع الجديدة، توقفت طباعة هذه الكتب، عدا كتاب هيكل، الذى صدرت منه طبعة مزورة سنة ٢٠١١.

واقتضى الأمر أن أستفسر وأسأل عن بعض التفاصيل من أولئك الذين عايشوا تلك الأيام، فضلًا عن أن يكونوا طرفًا فيها. كان أبرز هؤلاء الأستاذ محمد فائق، الذى لم يبخل عن أى استفسار، وفى كل ما سمعته منه كان يقول: «هذا ما رأيته بنفسى.. هذا ما لدىَّ من معلومات.. أو هذا ما أعرفه»، ثم يضيف: «ربما تكون هناك جوانب أخرى، لا علم لى بها»، وذات مرة سألته: ألم يَحِن الحين لكتابة مذكراتك؟، فضحك بطريقته الودودة والهادئة: أقوم بكتابتها الآن.

الأسبوع الماضى، وجدت السيرة مطروحة فى مكتبة تنمية بجوار مقر وكالة أنباء الشرق الأوسط، بعنوان «مسيرة تحرر»، وتقع فى ٣٥٢ صفحة، وصدرت المسيرة عن مركز دراسات الوحدة العربية.

«مسيرة تحرر» يمكن قراءتها من عدة زوايا، مثلًا ما يرد فيها من وقائع ومواقف سياسية وتاريخية، وهى فى ذلك غنية جدًّا، وتقدم الجديد، هذا رجل عرف وتعامل مع كل من جمال عبدالناصر وأنور السادات وحسنى مبارك، واقترب منهم جدًّا جدًّا.

كان عبدالناصر مَن نصحه أن يتواصل مع السادات ويضعه فى الصورة، كان ذلك مساء ٩ يونيو ٦٧، كان «فايق» وزيرًا للإرشاد، وكان السادات رئيسًا لمجلس الأمة، هو أيضًا تزامل فى الكلية الحربية- السنة الأولى- مع حسنى مبارك، ثم عملا معًا فى قاعدة حلوان الجوية، قبل يوليو ٥٢، أما عبدالناصر فقد كان أستاذه سنة ٥١ فى مدرسة الإدارة الحربية.

يفاجئنا محمد فائق بأن السيدة جيهان السادات كانت ضد رغبة زوجها فى محاكمة وسجن «مجموعة ١٥ مايو»، وقالت له بالحرف الواحد فى جلسة بالمنزل، طبقًا لما نقله أشرف مروان، حيث كان حاضرًا: «لا يصح يا أنور تفعل ذلك مع هؤلاء، فهم كبراء البلد»، لكنه أهمل نصحها، وتثبت الأيام أنها كانت أبعد نظرًا، ذلك أن محاكمات ١٥ مايو أدت إلى اهتزاز هيبة جهاز الدولة ورجالها، وكان السادات أول مَن تحمل فاتورة ذلك طوال فترة حكمه. أنهت تلك المحاكمات وما صاحبها من تجريس كبار رجال الدولة وفضحهم عهد المسؤول «رجل الدولة» إلى عهد «الموظف الكبير»، وخلقت تصورًا لدى صغار القوم بأن المسؤول لا يصح أن يغادر موقعه دون تشهير وتجريس. عادة مملوكية وعثمانلية بذيئة، لا يليق أن تكون فى دولة حديثة. الطبيعى أن يغادر بمنطق التداول أى مسؤول موقعه يومًا، وبمنطق أن من حق الرئيس أن يختار بنفسه معاونيه الذين يراهم أقدر على تحقيق سياساته.

ولما أجرت النيابة العامة التحقيق معهم انتهت إلى أنه «لا يوجد اتفاق جنائى، ولا توجد شبهة السعى أو محاولة (قلب النظام)»، واتجه النائب العام إلى حفظ التحقيق، والإفراج عنهم، لكن ظهرت بدائل أخرى. محكمة استثنائية، كان أحد أعضائها السيد حسن التهامى، وكان الرئيس مُصِرًّا على صدور حكم الإعدام فى حق أربعة، وطمأن أعضاء المحكمة إلى أنه سيخفف الحكم بنفسه، كان أحد الأربعة الفريق محمد فوزى.

وبعيدًا عن دور الفريق فوزى فى إعادة بناء القوات المسلحة بعد هزيمة يونيو ٦٧، وأنه قائد حرب الاستنزاف العظيمة، والتى انتهت بإقامة حائط الصواريخ، فإنه كان شديد الإخلاص للسادات وأشد مَن سانده.

ليلة وفاة عبدالناصر، شاع فى الدائرة الضيقة أن المخابرات الحربية رصدت أن عددًا من قادة القوات المسلحة لا يفضلون أن يكون السادات رئيسًا، ويحبذون اختيار زكريا محيى الدين، وهذا ما جعل هيكل يركز على صورة زكريا فى جنازة عبدالناصر، وذكر سامى شرف، فى حوار مع زميلنا الأستاذ إبراهيم عبدالعزيز، أن اتصالًا وصله من رئيس أركان حرب سلاح المدرعات، العقيد محمد عبدالحليم أبوغزالة، (المشير فيما بعد)، يرفض تولى السادات الرئاسة، وأنه حفظ سر «أبوغزالة». رجال الدولة احترموا الدستور الذى ينص على أن يصبح النائب رئيسًا إلى حين إجراء استفتاء، هنا تدخل الفريق فوزى ليُذيب الجليد بين القادة والرئيس الجديد، فدعاه إلى زيارة عدد من المواقع ليقدمه إلى القادة، ونجح فى ذلك. كان السادات يقول للقادة فى زياراته: إن شاء الله ارجّع لكم سيناء دون حرب. وكان ذلك يثير التساؤلات لديهم، لكن القائد العام يهدئهم، ويصر على تواصل التدريب والاستعداد لحرب تحرير الأرض، ثم ها هو يتهمه، ويطالب بإعدامه، (للتاريخ صحح السادات هذا الموقف بعد حرب أكتوبر، وأشاد بالفريق فوزى، أكثر من مرة، فى خطاب عام).

هنا اعترض القضاء العسكرى، ليس فقط دفاعًا عن الفريق فوزى، بل عن أبجديات المنطق والقانون، إذ لا يستقيم أن يحاكم قائد عام بتهمة التخطيط للسيطرة على الحكم بالقوة، ويكون هو المتهم الوحيد. تنفيذ مثل هذه العملية يقتضى وجود شركاء وأدوات للتنفيذ معه من القادة والضباط، مجموعات بأكملها، وحيث إنه لا شركاء له، فلا تصدق التهمة.

فى المسيرة أيضًا أن وزير الداخلية، شعراوى جمعة، وسامى شرف، مدير مكتب الرئيس، كانا الأشد إخلاصًا للسادات، حتى إقالة الأول ثم استقالة الثانى، وأن شعراوى حين أُبلغ بقرار إقالته اتصل بالوزير الجديد ممدوح سالم وهنأه.

وقد اتصل فوزى عبدالحافظ برئيس تحرير وكالة أنباء الشرق الأوسط، محمد عبدالجواد، وطلب بث خبر إقالة وزير الداخلية. رئيس التحرير أحاط وزير الإعلام علمًا بالخبر قبل البث، هنا شعر أن هناك تجاوزًا لاختصاصه وزيرًا، فتقدم باستقالته. عثر المحققون على مسودة الاستقالة فى البيت أثناء التفتيش، كانت تلك دليل براءته من تهمة التدبير والتآمر مع آخرين، رغم ذلك قضى عشر سنوات كاملة فى السجن. فى منتصف المدة وصلته رسالة من الرئيس بالعفو مع نصف المدة، شكر الرئيس على ذلك، لكن العفو كان مشروطًا بأن يكتب رسالة اعتذار للرئيس عما فعل، وعن أنه استجاب لآخرين ورّطوه معهم. رفض العرض تمامًا، قيل له: لقد كتب صلاح نصر اعتذاره للرئيس، وها هو ينعم بالحرية ورغد العيش، كان رده أن صلاح نصر قال كلامًا عنيفًا وشتائم فى حق الرئيس وأسرته، لكنه هو لم يفعل ذلك، لذا فلا اعتذار، وغضب الرئيس جدًّا. لحظة التماسك النفسى تجعل السجين أكثر قوة وتماسكًا.

بعد الخروج من السجن، استعان به زميله، صديقه القديم، الذى صار رئيس الجمهورية، (الرئيس مبارك)، فى عدد من المهام الدبلوماسية لتلطيف الأجواء مع العالم العربى، كانت البداية فى سوريا والرئيس حافظ الأسد. كان الرئيس مبارك يريد إعادة العلاقات، وكان الأسد راغبًا فى ذلك، لكن شريطة أن تتخلى مصر عن كامب ديفيد. الأسد قال إنه مستعد إذا فعل مبارك ذلك أن يسلمه شخصيًّا قيادة الجيش السورى أو يختار مبارك قائدًا من عنده للجيش السورى، وهناك عرف أن اتصالات السادات لم تنقطع يومًا مع حافظ الأسد، وأنهم طرحوا عليه نفس الطلب، وأن الاتحاد السوفيتى على استعداد لتقديم أحدث الأسلحة لمصر، حتى دون طلب، وأنه أى حافظ الأسد قادر على أن يوفر للسادات من الدول العربية الغنية مليارات الدولارات للمساعدة فى حل أزماته الاقتصادية، وكان رد السادات، كما سمعه «فائق» من حافظ الأسد: «أمهلونى حتى يوم ٢٥ إبريل ١٩٨٢، بعدها سوف (أقلب الطاولة عليهم كلهم)»، فهل تم تسريب هذا الرد فى حينه إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، ليس تآمرًا بالضرورة، ولكن بالحكى والثرثرة فى دوائر البعث السورى، لذا وجدنا تقريرًا أمريكيًّا، رفيع المستوى، يحذر وقتها من أن السادات متقلب، ولا أمان له، وأنه يقول لوسائل الإعلام شيئًا، ثم يفعل العكس، وأنه يمكن أن يتراجع عن معاهدة السلام، ويقوم بإلغائها فور تحرير سيناء كاملة، وهل كان ذلك سبب افتعال مشكلة طابا فيما بعد؟!، هل كان ذلك سببًا فى أن الصحافة البريطانية والأمريكية «قلبت الطاولة» على السادات منذ نهايات سنة ١٩٨٠، إلى حد أن صحيفة بريطانية شهيرة قالت وقتها: «يكفى السادات عشر سنوات من الحكم»؟!.

نكمل الأسبوع القادم

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد فايق ألغاز السياسة والتاريخ محمد فايق ألغاز السياسة والتاريخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon