توقيت القاهرة المحلي 10:21:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«هيكل».. يوم 23 يوليو 52

  مصر اليوم -

«هيكل» يوم 23 يوليو 52

بقلم - حلمي النمنم

لا يمكن وضع الأستاذ محمد حسنين هيكل في قائمة الصحفيين الأكثر حضورًا وتأثيرا وقت قيام ثورة يوليو، لم يكن هيكل أتم بعد التاسعة والعشرين من عمره؛ وبمعنى آخر كانت تفصله مسافة عن كتّاب «الصف الأول»، لم يكن في مستوى فكرى أباظة أو محمد التابعى ولا مصطفى أمين أو حتى إحسان عبدالقدوس، صحيح أنه كان رئيسًا لتحرير مجلة «آخر ساعة»، لكن منصب رئيس تحرير مجلة أسبوعية في ذلك الزمان، لم يكن بنفس الأهمية والخطورة التي صار عليها بعد «تنظيم الصحافة» سنة ١٩٦٠، كان القرار برمته في يد صاحب «مالك» الجريدة، وأى اعتبارات في الاختيار متروكة للمالك، هو من يحدد المعيار ويرسم الخطوط الحمراء، في العهد الملكى تولى الأستاذ سيد قطب الموظف بوزارة المعارف العمومية رئاسة تحرير مجلة شهرية، إلى جوار عمله بالوزارة، دون أن يكون بحاجة إلى الحصول على موافقة الوزارة أو إجازة بدون مرتب منها (لم يكن قد أصبح إخوانيا بعد)، كان الأمر بسيطًا للغاية، ليس هو فقط بل غيره كثيرون، حدثنى د.حسين مؤنس المؤرخ المعروف أنه عقب التخرج من قسم التاريخ في كلية الآداب، سنة ١٩٣٨، كانت أمامه عدة شهور حتى يستكمل أوراق بعثته للدراسات العليا، إلى مدريد، فذهب إلى دار الهلال يعمل مترجما بالقطعة في مجلة «الاثنين والدنيا»، كان هدفه تمضية الوقت، أخذ يترجم ويكتب بعض المقالات ويحرر أيضا عددا من المواد الصحفية، بعد شهر مباشرة عرض عليه صاحبا المؤسسة، شكرى وإميل زيدان، نجلا جورجى زيدان، أن يتولى رئاسة التحرير، بمرتب شهرى قدره ستون جنيهًا، كان المرتب أقل من المكافأة التي يتلقاها عن كل ما كان يقوم به، وتولى بالفعل عدة شهور ثم ترك رئاسة التحرير والصحافة كلها وانطلق إلى إسبانيا، ليعود حاملًا الدكتوراه.
لم تكن التقاليد المهنية التي أرستها نقابة الصحفيين والأوضاع الإدارية التي تفصل بين الوظيفة الحكومية ومنصب رئيس التحرير وتحدد شروطًا معينة لشغل المنصب قد استقرت وقتها، فضلًا عن العوامل السياسية التي جدت في الستينيات، وأضفت هالة من الأهمية والخطورة على هذا الموقع، جعلت المئات يتنافسون ويتطاحنون عليه.

صحيح أن هيكل كان صحفيًا محترفا وكان ناجحا وموهوبا، تميز بين أقرانه ومجايليه، لكن جل اهتمامه كان بما يمكن أن نسميه «التحقيقات الخارجية»، مثل أزمة مصدق في إيران، بتغطية ميدانية لها؛ أصدر عنها أول كتبه «إيران فوق بركان»، كان هناك قلق بريطانى وأمريكى، فضلا عن قلق عدد من الدوائر المصرية، من أن يتكرر نموذج الزعيم محمد مصدق، هنا في مصر أو في أي من بلاد المنطقة، نجح مصدق في تأميم النفط الإيرانى وكاد أن يطيح بالشاه محمد رضا بهلوى الذي كان مرضيا عنه في واشنطن ولندن (وقتها)؛ ثم تدخلت الولايات المتحدة لإفشال مشروع مصدق، استعانت عليه ببعض التجار وبعض رجال الدين، فضلًا عن مثيرى الشغب والفوضويين؛ هناك كذلك تغطية هيكل لحرب كوريا وهكذا، هذه كلها تحقيقات مهمة للمتخصصين وتجذب قارئا بعينه، ولا أظنها موضوعات جماهيرية مطلع الخمسينيات، لكن ما يدفع الصحفى إلى الأمام هو الاشتباك المباشر مع الواقع السياسى والاجتماعى المصرى، وأن يتخذ موقفا واضحا ومميزا، نجومية العقاد بدأت بارتباطه مع زعيم الأمة سعد زغلول، أيده بوضوح تام منذ أن كان وزيرا للمعارف وكان سعد في بؤرة الانتقاد والهجوم من معظم الصحف، ثم جاء انتقاده الحاد للملك فؤاد سنة ١٩٢٩ودخوله السجن في العام التالى.

فكرى أباظة كان من نجوم ثورة ١٩، وارتباطه الأبدى بالحزب الوطنى، باختصار لديه تاريخ طويل وناصع، تميز بالوطنية والنزاهة؛ بالإضافة إلى أنه ابن العائلة الأباظية، إحدى أكبر وأهم العائلات في مصر وقتها.

مصطفى أمين تربى في بيت الأمة على يد (أم المصريين) شخصيًا وتلقى تعليما جامعيًا رفيعًا في جامعة «جورج تاون» بالولايات المتحدة، يضاف إلى ذلك موهبته الشديدة، كل ذلك فتح له الأبواب جميعا، بما فيها باب مكتب الملك فاروق شخصيًا، ولا يهاجم من صحف الوفد ويسلم من ترصدها.

إحسان عبدالقدوس هو نجل السيدة روز اليوسف، مالكة مجلة روزا، والشخصية الفذة، هو كذلك صاحب حملة «الأسلحة الفاسدة» التي ناوش فيها بعض أفراد الحاشية الملكية.. صحيح أن التحقيقات أثبتت عدم دقة كثير مما جاء في تلك الحملة، لكنها أحدثت ضجة وأثارت الكثير من الاهتمام في الشارع المصرى والعربى.

هيكل لم يكن يتمتع بميزة أسرية أو عائلية، لا من ناحية الأم ولا الأب، كما أنه لم يتخرج في جامعة كبرى ولا حتى عادية، كما أنه لم يتكئ على حزب كبير يدفعه إلى أعلى، ويقدم له الحماية والسند، هو شخص عصامى، بالمعنى الكامل، ليس لديه سوى دأبه والمجهود والموهبة، لم يكن حزبيًا ولا يعتنق أيديولوجية من تلك التي كانت سائدة وقتها، سواء كانت وطنية أو اجتماعية أو متأسلمة، هو ذكر أن حسن البنا عرض عليه أن يتولى رئاسة تحرير جريدة الجماعة، لكنه بعد تفكير اعتذر، باختصار تجنب الأيديولوجيات، بهذا المنطق لا تتوقع منه ولا تطالبه بأن يصطدم بالحاشية ولا بالقصر، لذا لم يكن غريبًا أن نقرأ له بعض مقالات في امتداح الملك فاروق، يوم عيد ميلاده، خاصة أن ذلك كان توجه المؤسسة الصحفية التي كان يعمل بها وقتها (أخبار اليوم)، وقد أعاد بعض الزملاء نشر إحداها والاستشهاد بها باعتبارها مأخذًا على هيكل ومسيرته الصحفية، ومن يراجعها الآن يسهل عليه تبين أنها كتبت من منطلق «الواجب المهنى» للمطبوعة، أو مقال المناسبة للمطبوعة ذاتها والكاتب أيضًا، لكنها لا تجعلنا نضع صاحبها في خانة الملكيين والمصفقين دائما للملك فاروق، وكان هناك من يفعل ذلك.

الحق أن معظم الكتّاب والصحف وقتها كانوا يبدون تقديرًا وإشادات بجلالة الملك، خاصة في عيد ميلاده أو ذكرى جلوسه على العرش، كان ممكنا انتقاد وزير بعينه وتحويله إلى «شاخص» لإطلاق الرصاص الصحفى عليه؛ أو حتى رئيس الوزراء، وربما انتقاد أحد المقربين من الملك أو أحد أفراد الحاشية، أما الملك نفسه وبشكل مباشر فقد كان نادرًا جدًا جدًا وإذا حدث يكون تلميحًا، دعك مما قيل بعد خروج الملك من مصر وإعلان قيام الجمهورية، أحد الكبار سود مئات الصفحات، سنوات عبدالناصر والسادات ومبارك، في تاريخه الوطنى والنضال (المزعوم) ضد الفساد الملكى و..و..و..، بينما تحتفظ المكتبة العربية بكتاب له، صدر سنة ١٩٤٧، عن جهود الملك فاروق العظيمة وغير المسبوقة في الإصلاح الاجتماعى والسياسى، طبعًا أسقط هو هذا الكتاب من قائمة مؤلفاته ونسيه تمامًا. خالص الشكر لسور الأزبكية الذي يحتفظ بالكتب التي يسقطها أصحابها من الذاكرة ومن الطباعة.

كريم ثابت الذي بدأت شهرته بكتاب عن الملك فاروق (سلسلة اقرأ/ العدد٢٠) وانضم به إلى حاشية الملك وصار مستشارًا له ثم وزيرًا، بعد خروج الملك أدخل السجن ثم أفرج عنه وكتب فصولا عن علاقته بالملك، نشرت في جريدة الجمهورية، يقول في أحدها «قلت له يا فاروق...»، رغم أنه لم يذكر اسم الملك في كتابه، كان يكتفى بالقول «جلالته».

لنتذكر أن نقابة الصحفيين قررت جائزة سنوية تمنح لأحد الشبان، كان اسمها «جائزة فاروق الأول»، حصل عليها هيكل أكثر من مرة، وظل يعتز بحصوله عليها طوال حياته.

لا يؤخذ عليهم التأييد ولكن يؤخذ عليهم شتم الملك لمجرد الشتم فيما بعد، وتلك قضية أخرى مليئة بالتفاصيل المعقدة.

وليس هناك ما يؤكد أن ثمة تعارفا مباشرا تم بين محمد حسنين هيكل والبكباشى جمال عبدالناصر، قبل خروج الملك من مصر، هناك كتابات وأقوال كثيرة في هذا الأمر، لكن بتدقيق الوقائع والأحداث لم يثبت حدوث تعارف، ناهيك عن أن تقوم صداقة، طبعًا كان عبدالناصر على علاقة بعدد من الصحفيين، مثل حسين فهمى الصحفى والكاتب بالأخبار ونقيب الصحفيين في وقت ما، وكان صديقا ودودًا مع مدير تحرير المصور حلمى سلام، كان حلمى موظفًا مدنيا في وزارة الحربية، كان مسؤول إدارة شؤون الضباط، قبل أن يستقيل ويتفرغ للمصور، من خلال تلك الوظيفة عرف بشكل مباشر عددا كبيرا من ضباط الجيش، كان صديقا لعبدالناصر وعبدالحكيم وزكريا محيى الدين والأخوين سالم وغيرهما، توثقت هذه الصداقة لأنه كان يكتب لمجلة المصور بانتظام، وهكذا كانوا يخصونه بالكثير من الأخبار والوقائع التي يريدون نشرها، سواء قبل يوليو أو أثناءها، في مذكرات عبداللطيف بغدادى ما يقطع بأنه لم يكن هناك معرفة شخصية بين هيكل وعبدالناصر وبقية المجموعة. وهكذا فإن القول إن لقاءات جمعتهما أثناء حرب فلسطين أو بعدها مباشرة، يدخل في باب التخيل أو الحماس غير المدقق في الحكى.

والمؤكد أن عبدالناصر سعى نحو بعض الصحفيين في البداية، بعد ٢٣يوليو مباشرةً، يستمع منهم ويتحاور معهم، ولم يكن هيكل واحدا منهم، كل هذا لا ينتقص من هيكل ولا يغض من قدره.

الحديث ممتد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«هيكل» يوم 23 يوليو 52 «هيكل» يوم 23 يوليو 52



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 04:54 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة
  مصر اليوم - الجيش السوري يعلن وصول تعزيزات كبيرة لمدينة حماة

GMT 22:57 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

رانيا يوسف تشارك عصام عمر مسلسل نص الشعب اسمه محمد رمضان 2025
  مصر اليوم - رانيا يوسف تشارك عصام عمر مسلسل نص الشعب اسمه محمد رمضان 2025

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 23:04 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

رونالدو يحرز الهدف الأول لليوفي في الدقيقة 13 ضد برشلونة

GMT 06:59 2020 الأربعاء ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

تونس تتأهل إلى نهائيات "أمم أفريقيا" رغم التعادل مع تنزانيا

GMT 05:53 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

موضة ألوان ديكورات المنازل لخريف وشتاء 2021

GMT 09:41 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

حسام حسن يعلن قائمة الاتحاد السكندري لمواجهة أسوان

GMT 03:51 2020 الأحد ,18 تشرين الأول / أكتوبر

وزير الدفاع يشهد المرحلة الرئيسية للمناورة ”ردع - 2020”

GMT 04:56 2020 السبت ,24 تشرين الأول / أكتوبر

فنادق تعكس جمال سيدني الأسترالية اكتشفها بنفسك

GMT 23:44 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تغلق التعاملات على تباين

GMT 11:46 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

جوارديولا يهنئ ليفربول بـ كأس الدوري الإنجليزي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon