توقيت القاهرة المحلي 22:22:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التناسِي البغيض

  مصر اليوم -

التناسِي البغيض

بقلم - حلمي النمنم

دخلنا الربع الأخير من عام (٢٠٢٣)، وهو عام غنى بأحداثه ومناسباته المهمة، احتفينا بمرور مائة عام على صدور دستور ١٩٢٣، دعنا الآن من التساؤل حول ما إذا كان الاحتفاء على المستوى المتوقع أم لا، المهم أننا تذكرنا وتوقفنا أمام الحدث.

احتفينا كذلك بمرور نصف القرن على أعظم انتصار عسكرى حققه جيشنا منذ انتصارات إبراهيم باشا فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، أقصد انتصار أكتوبر أو معركة العبور الكبرى، بتحطيم خط بارليف وإسقاط كل تحصيناته فى ساعات، رغم ما قيل لنا قبلها من الخبراء العسكريين من أن تدمير الخط يحتاج قنبلة نووية تفوق فى قوتها التدميرية قنبلة هيروشيما.

الاحتفاء بهذه المناسبات والأحداث الوطنية العظيمة مهم للحفاظ على تماسك وحيوية الذاكرة الوطنية، وهو رسالة مباشرة لنا بأن نكون فى مستوى هؤلاء العظام الذين صنعوا النصر فى أكتوبر ١٩٧٣ وأولئك الذين كافحوا أثناء ثورة سنة ١٩١٩ من أجل نَيْل الاستقلال والدستور معًا.

غير أن هناك مناسبات أخرى مرت بنا، هذا العام، دون أن يتوقف عندها أهل الاختصاص والمعنيون بالشأن العام والشأن الفكرى والثقافى والتعليمى تحديدًا.

شهدت سنة ٢٠٢٣ مرور قرن ونصف القرن على رحيل المعلم والمفكر الرائد رفاعة رافع الطهطاوى، (تُوفى فى مايو ١٨٧٣)، وبلا مبالغة خرجت التيارات الفكرية المؤثرة فى ثقافتنا من عباءة الطهطاوى.

يكفى أنه صاحب أهم ما كُتب عن الوطنية المصرية وبناء الدولة المدنية الحديثة فى كتابه «مناهج الألباب المصرية فى مباهج الآداب العصرية»، هو كذلك دعم حق المرأة فى التعليم، بل فى الحصول على كافة الحقوق السياسية بما فيها تولى مسؤولية الحكم مثل حتشبسوت وغيرها من ملكات مصر والعالم.

كتابه «المرشد الأمين للبنات والبنين» كان سابقًا على كل من الكاتبة زينب فواز والمصلح قاسم أمين بأكثر من ربع القرن، مع فارق مهم أن مطلب قاسم أمين كان شديد التواضع إلى جوار مطالب الشيخ رفاعة، اكتفى قاسم بحق التعليم فى مراحله الأولية فقط، ولا شىء أكثر من ذلك.

الطهطاوى هو كذلك مَن قدم لنا مبكرًا صورة الغرب الحديث وما فيه من مستجدات نفتقدها فى كتابه «تخليص الإبريز فى تلخيص باريز»، الكتاب عن بعثته إلى فرنسا بتكليف من الوالى محمد على باشا.

وقد لا نعرف أن مقولة «الدين لله والوطن للجميع»، التى صارت من شعارات وقواعد ثورة ١٩، وردت فى صياغتها الأولى فى أحد مقالات رفاعة. أما دوره التعليمى فلا ينكره إلا جاحد، يكفى أنه مؤسِّس مدرسة الألسن، وكانت نواة لتأسيس جامعة حديثة/ مدنية، وطبقًا للراحل د. جمال الدين الشيال، فقد تأسست الجامعة بالفعل فى الأزبكية بأربع كليات، ثم تفكك المشروع كله بعد سنة ١٨٤٠ حين ضربت بريطانيا وفرنسا والدولة العثمانية المشروع المصرى، الذى بدأه محمد على.

المهم أنه مرت المناسبة فى صمت مطبق وتجاهل تام، كان يكفى عقد حلقة دراسية وفكرية عنه أو أكثر، مع إصدار طبعة جديدة من أعماله.

فى هذا العام (شهر مارس)، مضت بنا ستون عامًا على رحيل أحمد لطفى السيد، وقل فيه ما شئت، فهو أبوالليبرالية المصرية، ناضل مبكرًا جدًّا من أجل استقلال مصر لتصبح مصرية، لا عثمانية ولا إنجليزية، وحين كانت الديمقراطية فى نظر الرجعيين (عيبًا)، وتعنى عندهم السماح بزنى المحارم، زواج الأخ بأخته.

وكذلك السماح بتعدد الأزواج للمرأة، لم يتردد هو فى أن يعلن أنه ديمقراطى، وخسر انتخابات المجلس التشريعى بسبب تصريحه ذلك، ودارت الأيام دورتها، وإذا الجميع يتصايحون الآن من أجل الديمقراطية، وكان هو ضمن أعضاء الوفد المصرى الذين تحمسوا وشرعوا فور انتهاء الحرب العالمية الأولى فى المطالبة بالاستقلال، مما فتح الباب واسعًا لقيام ثورة سنة ١٩.

لطفى السيد صاحب الفضل فى ترجمة الأعمال الكبرى لفيلسوف اليونان أرسطو إلى اللغة العربية، مما يسر على دارسى الفلسفة والأدب كذلك الاطلاع على أعمال «المعلم الأول».

مرت المناسبة دون ذكر من الحزبيين والسياسيين الليبراليين ولا من أقسام الفلسفة ودارسيها، ناهيك عن المشغولين عمومًا بتاريخ الصحافة، التى له فيها باع كبير.

كان لطفى السيد وزيرًا فى أكثر من وزارة، وكان مديرًا للجامعة الأم (القاهرة)، ثم كان رئيسًا لمجمع اللغة العربية حتى رحيله.

وخلال هذا الشهر- يوم ٢٨- تمر مناسبة مرور نصف القرن على رحيل عميد الأدب العربى د. طه حسين، وفى حدود معلوماتى أنه لا أحد يريد أن يتوقف عند هذه المناسبة، ولا أجد مبررًا مقبولًا يبرر ذلك التجاهل أو التناسِى لذلك، اللهم، للتذكرة فقط، استبق معرض أبوظبى الدولى للكتاب المناسبة، وجعل من طه حسين شخصية دورة سنة ٢٠٢٢، وعرفت من المفكر اللبنانى الصديق د. رضوان السيد أن إدارة المعرض أصدرت طبعة خاصة من كل أعمال د. طه حسين.

هنا فى القاهرة قامت دار المعارف بإصدار طبعة من كل أعمال العميد، كما قامت هيئة قصور الثقافة بإصدار حوالى ١٧ عملًا له، قام عليها زميلنا الناقد جرجس شكرى حين كان مسؤول النشر بالهيئة؛ كما خصص طارق الطاهر، رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة، فى عددها الأخير، ملفًّا عن طه حسين، وهناك عدد كامل من مجلة الهلال عنه قيد الإصدار، من المتوقع كما قال لى الزميل خالد ناجح، رئيس تحرير الهلال، أن يضم عددًا من المقالات النادرة للعميد. ورغم أننا كنا نطمح إلى اهتمام أكبر بذلك الحدث، من أطراف وجهات أخرى، لكن هذا ما تيسّر بفضل جهود عدد من الأفراد فى مواقعهم، كل منهم حاول جاهدًا أن يكون وفيًّا لدوره، قائمًا بواجبه تجاه الثقافة والفكر المصرى والعربى، حفظوا ماء وجهنا.

فى العموم حظ د. طه، هذا العام، كان أوفر كثيرًا من حظ الطهطاوى وأستاذ الجيل أحمد لطفى السيد.

وهل لى أن أنبه من الآن إلى أن مارس القادم يشهد ذكرى مرور ستة عقود على رحيل الأستاذ.. الناقد والشاعر والمفكر عباس محمود العقاد، لنستعد لها من الآن؟.

قد يذهب البعض إلى أننا نريد أن نعيش فى الماضى ونقبع فى خندق الأمس وأحاديث الذكريات، الواقع أن نسيان أو تناسى هذه القامات، خاصة فى الوعى العام، يمكن أن يصيبنا بفقدان الذاكرة، ومن ثَمَّ نعيش فى تيه وانفصال حقيقى عن الواقع، ونصبح خارجه فعليًّا.

إن القضايا الكبرى التى تبناها هؤلاء المفكرون والكُتاب مازلنا نناضل من أجلها إلى اليوم، مستمرة معنا وستبقى أمام الأجيال القادمة.

هم جميعًا حلموا بوطن مستقل، ناهض وقوى، أرادوا مجتمعًا متحررًا ومتجددًا، ينفض عن نفسه جمود وتكلس قرون عديدة، الانتصار للعقل النقدى. سعوا جميعًا إلى بناء دولة مدنية/ حديثة، كل بطريقته، والمعنى أننا لا نبدأ من الصفر كما يحاول البعض أن يُقنعنا بذلك.

بل سبقتنا أجيال ورموز كبيرة، الاستقلال وسيادة الوطن ليست قضية جيل بعينه وكذلك قضايا العدل والحرية والتنمية، هذه القضايا مستمرة طوال الوقت وعبر مراحل التاريخ، المهم ألّا ينقطع خيط التواصل، هذا بلد غنى برموزه وأجياله التى لم تكل وحاولوا أن يضيفوا إلى هذا الوطن، رغم المكائد والعقبات التى تعرض لها كل منهم.

الطهطاوى نُفى من مصر زمن الوالى عباس بوشاية صغيرة أنه يتحدث عن الدستور (المشروطية) فى كتابه تخليص الإبريز وأنه بذلك «يُلَسِّن» على أفندينا!!.

لطفى السيد تعرض للازدراء والتهكم فى بلدته بالسنبلاوين لأنه نطق كلمة الديمقراطية، وهكذا.

باختصار كل خطوة تحديث اجتماعى أو سياسى اقتضت كفاحًا ونضالًا، حتى لو كانت فى مستوى طباعة المصحف والقرآن الكريم فى مطبعة بولاق أو إدخال صنابير المياه للوضوء فى المسجد.

تذكُّرنا لهؤلاء بالدرس والتأمل يؤكد أن رهاناتهم كانت صحيحة، وأن مطالبهم تتحقق، حتى لو تم ذلك بعد حياتهم، ماذا لو عاش لطفى السيد ليجد أنه من المعيب أن يترفع عاقل- راشد- بأنه ضد الديمقراطية أو ضد الاستقلال عن الدولة العلية، التى زالت من التاريخ سنة ١٩٢٣.

وماذا لو عاش الطهطاوى ليرى المرأة وزيرة، حيث تمنى أن تصبح وزيرة، وهناك سيدة تسعى لخوض الانتخابات الرئاسية؟.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التناسِي البغيض التناسِي البغيض



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon