توقيت القاهرة المحلي 22:09:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مئوية رجل الكلمة ورجل الدولة

  مصر اليوم -

مئوية رجل الكلمة ورجل الدولة

بقلم - حلمي النمنم

مرت، أمس السبت، مئوية ميلاد محمد حسنين هيكل (الأستاذ). هذا العام وكذلك العام القادم غنى بمئوياته، سواء على مستوى أسماء الرموز في مختلف المجالات أو الأحداث الوطنية الكبرى. هذا العام مئوية صدور دستور سنة ٢٣، وكذلك وفاة سيد درويش، وميلاد هيكل، ومجىء أم كلثوم إلى القاهرة لتشق طريقها، ونصف قرن على انتصار أكتوبر العظيم، وكذلك وفاة عميد الأدب العربى د. طه حسين، التي لم يتم الاحتفاء بها.

العام القادم مثلًا مئوية انتخابات أول مجلس نيابى بالمعنى الحديث بعد ثورة ١٩، وكذا تشكيل حكومة الشعب، هو كذلك عام الاغتيالات الكبرى والمدمرة للحركة الوطنية، محاولة اغتيال سعد زغلول في محطة السكك الحديدية في رمسيس، واغتيال السير لى ستاك، الذي دفعت مصر ثمنه فادحًا؛ هو أيضًا العام الذي صدرت فيه ترجمة لطفى السيد كتاب أرسطو «الأخلاق» إلى العربية، وأيضًا نصف قرن على رحيل الفنان العظيم فريد الأطرش.

هيكل هو الاسم الأبرز في الصحافة المصرية والعربية طوال النصف الثانى من القرن العشرين ومطلع هذا القرن، سياسيًّا وفكريًّا يمكن أن تختلف وتتفق معه، مواقفه فيها الكثير مما يُحسب له، وفيها كذلك ما يجب التوقف والتساؤل حوله، احتفلت الأسرة ومؤسسة هيكل بالمئوية، وهذا، في النهاية، احتفال واحتفاء خاص، وقفت خلفه السيدة الفاضلة شريكة عمره وتجربته، في نموذج للحب والوفاء الذي لا ينتهى ولا يتوقف، بل يزداد مع الأيام والسنوات.

وأتصور أن من واجب النقابة الاحتفال برموز المهنة، كل في مناسبته، وأتوقع من نقيبنا ومجلس النقابة الموقر أن يشرع على الفور في ذلك البرنامج، ولتكن البداية مئوية هيكل.

ولدينا الآن عشرات- نعم عشرات- الكليات والمعاهد وأقسام الإعلام والصحافة، التي جانب من مهامها الاهتمام والاحتفاء العلمى والأكاديمى بأسماء مَن عبروا بهذه المهنة وأضافوا إليها. هيكل لم يكن عابرًا، لكنه بمعنى ما مؤسِّس وصاحب تجربة مؤثرة وعميقة في تاريخ الصحافة المصرية والعربية.

كان هيكل صحفيًّا وكاتبًا في المقام الأول، وبحكم الظروف السياسية والتاريخية التي مرت بها مصر مع الانتقال من الملكية إلى الجمهورية، عبر ثورة ٥٢، فإنه كان رجل دولة بالمعنى الحرفى، قام بالعديد من الأدوار السياسية إلى جوار الرئيس جمال عبدالناصر ثم الرئيس أنور السادات، هو مَن صاغ بيان التنحى الذي أعلنه عبدالناصر مساء التاسع من يونيو ٦٧، وهو مَن كتب خطاب عبدالناصر في ذكرى ثورة يوليو سنة ٦٧، أول خطاب عام بعد الهزيمة، وهو وثيقة سياسية وتاريخية، إذ يحمل اعترافًا صريحًا بالهزيمة، دون مواربة، ويقدم ما يراه أسبابًا لها؛ كما أنه هو مَن كتب خطاب النصر الذي ألقاه السادات في مجلس الشعب يوم ١٦ أكتوبر ٧٣، وهو مَن صاغ التكليف الاستراتيجى من القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى القائد العام بالبدء في حرب أكتوبر، وغير ذلك كثير، أي أننا إزاء صحفى فرضت عليه الظروف أن يكون ضلعًا من أضلاع النظام السياسى، وأحد رجالات الدولة المؤثرين والفاعلين.

ما بين رجل الدولة والصحفى المحترف مسافة قد تقترب أو تتباعد، هو عاش التجربتين في نفس اللحظة، وهذا ما جعله موضع انتقاد البعض وغيرة وحسد البعض الآخر وكذا العداء المطلق من البعض، هناك وهنا، أي بين زملاء المهنة وكبار موظفى الدولة.

مَن رآه بعين المسؤول ورجل الدولة فقط أخذ عليه الكثير مما كتب أو تحدث به، وهكذا كان موقف البعض منه سواء في دائرة المحيطين بالرئيس عبدالناصر ثم الرئيس السادات وكذلك الرئيس مبارك.

ومَن رآه بعين الصحفى المحترف فقط أخذ عليه بعض المواقف السياسية سواء كانت دعمًا للنظام أو انتقادًا له.

لكن في تجربة وحياة هيكل الصحفية الكثير مما يجب أن تعنى به الأجيال الجديدة من الصحفيين تحديدًا، خاصة في هذه المرحلة التي تواجه فيها مهنة الصحافة تحديات توشك أن تأتى عليها بالكامل وليس فقط على شكل من أشكالها.

تولى هيكل وزارة الإعلام، وكذا وزارة الخارجية (بالإنابة) فترة، لكنه في كل ذلك قاتل كى لا يترك مهنته، ولا قطع علاقته بقارئه، لقد فوجئ سنة ٧٠ باختياره وزيرًا للإرشاد القومى (الإعلام) وصدور القرار الجمهورى، دون استشارته، وقتها وحتى نهاية السبعينيات كان هناك وزراء يتم اختيارهم دون مفاتحتهم مسبقًا أو العرض عليهم، كان ذلك يأتى تكليفًا مباشرًا من رئيس الدولة، لكنه حاول أن يبتعد، ولم يتمكن، وكانت المعركة الحقيقية ألّا يترك قلمه، وتحقق له ذلك، خطاب توفيق الحكيم الشهير إلى الرئيس عبدالناصر وقتها (إبريل ٧٠) كان حول هذا الموضوع، وقد جرى تحقيق بخصوص ذلك الخطاب مع لطفى الخولى وسكرتيرة هيكل، نوال المحلاوى، وزوجها.

وفى منتصف السبعينيات عُرضت عليه عدة مناصب في وزارة ممدوح سالم وكذا في رئاسة الجمهورية، وصلت إلى أن يكون نائبًا لرئيس الوزراء، فاعتذر عن عدم قبولها جميعًا، الرئيس السادات قال ذلك في كلمة له، بحضور حشد من رؤساء التحرير وكبار الصحفيين، كان هدف هذه العروض سحب صفة «الصحفى» أو الجورنالجى بتعبيره، ولذا لم يقبل.

اختار مهنته، لم يكرر خطأ الشيخ على يوسف، الذي غادر جريدته التي أسسها، في نهاية القرن التاسع عشر «المؤيد» كى يتولى مشيخة الساداتية، خلفًا لصهره الشيخ عبدالخالق السادات، والد السيدة صفية.

يتصور بعضنا كصحفيين أن تجربة الصحفى مهنيًّا لن تكتمل دون أن يكون رئيسًا للتحرير أو رئيسًا لمجلس إدارة الصحيفة، وأنه بقدر الإمكان ينبغى أن يشغل هذا الموقع أطول فترة ممكنة، لكن هيكل غادر ذلك الموقع، تحديدًا أُقصى منه، وهو في الخمسين من عمره، بقرار جمهورى، وظل أكثر من أربعين عامًا يمارس حياته المهنية «بالقطعة»، فازداد توهجًا وتألقًا، حيث تفرغ للتأريخ، فوضع لنا سلسلة كتبه عن حرب الثلاثين عامًا، وبينها كتابه عن العدوان الثلاثى «ملفات السويس»، الذي هو إلى يومنا هذا من أفضل ما كُتب عنها باللغة العربية، وكتاباه «سنوات الغليان» و«سنوات الانفجار» عن حرب ٦٧، وختمها بكتابه المرجعى عن انتصار السادس من أكتوبر.

عندما غادر المنصب انتقل إلى مجالات جديدة من الكتابة الموثقة، وانتقل كذلك من الهم والشأن المحلى إلى الفضاء العالمى باتساعه ورحابته.

المعنى هنا أن المنصب، أيًّا كان اسمه، لا يصنع اسمًا ولا يخلق موهبة، وهكذا إن جاءتك رئاسة التحرير، فأهلًا بها، وإن لم تأتِ فلن تخسر كثيرًا، بل تحتفظ بمجهودك لقلمك وإبداعك المهنى الخاص، وفى تاريخ هذه المهنة عشرات النجوم والأسماء اللامعة، عبر أجيال مختلفة، لم يقدر لأصحابها شغل رئاسة التحرير أو مجلس الإدارة، من هؤلاء، وعلى صفحات «المصرى اليوم»، زميلنا الناقد المتميز طارق الشناوى، وهو مخلص فيما يؤديه، سعيد وراضٍ بموقعه، ناقد مسموع الرأى، وكلمته مُقدَّرة في الوسط الفنى، وبين عموم القراء، فلا تبتئس لموقع لم يتوفر، ولا تهِنْ نفسك سعيًا إلى الفوز به.

لا أميل إلى مقولة «الصحافة.. مهنة البحث عن المتاعب»، وصف رومانسى فضفاض، هي مهنة خطرة، ومَن يعمل بها هو دائمًا- شاء أو لم يشأ- مُحاط بالمخاطر، وربما المهالك، تأمل الزملاء الذين يتابعون حرب روسيا وأوكرانيا، محاولة اغتيال رئيسة تحرير روسيا اليوم، تذكر مقتل شيرين أبوعاقلة، والقائمة تطول.

الصحافة مهنة غير محايدة، وهى بطبيعتها مختلفة عن كثير من المهن، إذ تضع صاحبها في قلب الشأن العام، وهذا له تكلفته الإنسانية والاجتماعية، وسواء كنتَ قريبًا من السلطة أو بعيدًا عنها، متوافقًا ومتماهيًا معها أو مختلفًا معها، وربما معارضًا لها، في كل الأحوال لا تتخلَّ عن مهنيتك، ولا تتخطاها، ولأنها مهنة غير محايدة، يجد الصحفى نفسه في مواجهات ربما لم يسعَ إليها ولم يُرِدْها، وفى كل الأحوال يدفع الثمن، ويعيش وسط المخاطر، التي تأتيه من جوانب وأطراف متباينة. في سنة ٢٠١٣، هوجم منزل هيكل في برقاش، وأُضرمت فيه النيران من غلمان الإرهابيين. الذين أضرموا النيران تصوروا أنه في المنزل، باختصار أرادوا القضاء عليه شخصيًّا وحرق البيت بكل ما فيه، بعض العصابات يمكن أن تفعل ذلك في حق الصحفى المناوئ لها، حدث ذلك أكثر من مرة في بعض الدول الأوروبية.

إحراق بيت هيكل ثمن موقف فكرى وسياسى واحد، أنه ساند ثورة ٣٠ يونيو وقرارات ٣ يوليو.

قبل ذلك في سبتمبر سنة ٨١، وجد نفسه في السجن، وكان ذلك فاتورة موقف سياسى آخر، إذ اعتبره الرئيس السادات معاديًا له بشكل شخصى، حتى في زمن عبدالناصر كان عرضة لكثير من المكايدات، التي كادت في بعض اللحظات تعصف به.

باختصار.. في كل المواقف والمواقع هناك ثمن باهظ لتلك المهنة ينبغى أن تكون مستعدًّا لدفعه طوال الوقت، تلك طبيعة الصحافة في كل مكان، بما فيها حتى تلك الدول التي توصف بالمتقدمة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مئوية رجل الكلمة ورجل الدولة مئوية رجل الكلمة ورجل الدولة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon