بقلم - جمال قطب
ستبقى «مفكرة رمضان» تزودنا بالقوى الروحية المتعددة، ففى رمضان تنزل القرآن الكريم على رسولنا العظيم، وغاية القرآن العامة هى ((كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور)).
نعم فالغاية العامة للقرآن هى إخراج الناس ــ كل الناس ــ من الظلمات.. ظلمات كثيرة وقفت فيها البشرية طوال قرون طويلة.. ظلمات أحاطت بالنفس، وظلمات اقتحمت القلب، وظلمات كثيفة سيطرت على العلاقات من جميع الظلمات.. ثم ينقل البشرية كلها إلى «النور».. فكما ترى، الظلمات جمع مجموع، أما النور فهو مفرد نور واحد يحيط بالشرية جميعها.
ــ1ــ
فالنفس البشرية «نفس الإنسان» قد سقطت فى مستنقع من الأمراض النفسية.. نعم فنحن نشاهد أناسا أصابها الكبر والاستعلاء تظن أنها فوق الناس، أو فى مقدمة الناس، مع أن كل واحد منهم لا يستطيع الاعتماد على نفسه فى أدنى الأمور، ولا يستطيع تقديم منفعة لغيره.
فتلك نفس متكبرة متضخمة كلامها أكثر من فعلها، وفعلها هابط لا يسمن ولا يغنى من جوع.
ومع الأنفس المتكبرة تجد انفسا منافقة تساعد المتكبر على كبره، كما ترى أنفسا مستضعفة تستسلم للمتكبرين وترضخ لهم، ولولا أن الأرض تحمل على ظهرها الأنفس الطاهرة والأنفس الزكية، والأنفس اللوامة، والأنفس المطمئنة.. لولا هؤلاء لحاق العقاب بالبشرية كلها. ولمثل أمراض الكبر والنفاق والاستضعاف جاء القرآن ليخرجهم من ظلماتهم ويتيح لهم نور الله بوحيه فيتناولون الدواء الإلهى فتتعافى الأنفس وتخرج من الظلمات إلى النور.
ــ2ــ
وقلوب البشر قد تسابقت نحو أمراض القلوب. فنرى قلوبا أصابتها «الغفلة»، فلا تتذكر واجبات حياتها، وقلوبا أصابها الزيغ فهى طامعة فى كل ما عند الناس لا تكتفى بشىء، وقلوبا أصابتها القسوة لا تعرف الرحمة ولا اللطف، وأمراض الحسد والرياء وغيرها كثيرة. وكل تلك الأمراض جاء القرآن يشفى القلوب بما أصابها من الزيغ والحسد والحقد والغل والغلظة.
ــ3ــ
أما علاقات البشر فحدث ولا حرج عما أصابها من أمراض، فعلى مستوى الأسرة والعائلة تفشى الخصام وقطع الأرحام وتزايد توتر العلاقات، وغابت الرحمة، واختفت المودة، وانتشر التفكك الأسرى وتكاثرت حالات الطلاق وخصوصا بين المتزوجين حديثا، وأصاب ذلك عددا كبيرا من الشباب والشابات بالخوف من الزواج.
ــ4ــ
وعلى مستوى الحرف والمهن انتشرت أمراض: التنافس غير الشريف والجشع والطمع، كما تطفل الجهلاء ليمارسوا حرفا ومهنا لا يتقنونها فانعدم الإنتاج، أو تكدس الإنتاج غير الجيد، وتزايد الغش وأصبح هو القاعدة فى المعاملات بين الناس، وزحف الشر إلى هؤلاء الذين يعملون فى الطعام والشراب إذ يسقون الزرع بمياه ملوثة!!!
كما يتعجلون نضج الزرع بإضافة بعض الكيماويات !!! دون خوف من الله.
ــ5ــ
وفى ميدان الثقافة والفنون نرى الإعلام والإعلان يتبنى شخصيات قميئة وأفكار مدمرة، وألفاظا جارحة وهم لا يدرون أن جرائمهم هذه تفقد الأمة حاضرها ومستقبلها.. وما قلناه يتكرر فى مجالات الطب والدواء، بل فى الدعوة والافتاء.. ولا عاصم من هذا الفساد المتراكم إلا نور الله الذى أنزله فى رمضان وهذا القرآن الكريم.
ــ6ــ
فالقرآن الكريم هو الذى يخرج الناس ــ كل الناس ــ من الظلمات إلى النور: يخرجهم من ظلمة الجشع والطمع إلى الرضا، بل يخرجنا جميعا من العنف إلى اللين ومن التدابر إلى التراحم، بل من التخلف إلى التقدم والازدهار.
يتبع
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع