بقلم - جمال قطب
هذا هو اليوم الأكبر فى «أيام الله»، فهو الأكبر من حيث «المكانة»، وهو الأكبر من حيث «المكان»، وهو الأكبر من حيث «الامتداد»، وهو اليوم الأكبر من حيث الوظيفة التعبدية التى تتم فيه، إنه «يوم المعرفة».
ــ1ــ
فكل الزمان، وكل المكان (الأرض والسماء وما بينهما) وما حولهما من مخلوقات غيبية.. كل ذلك من خلق الله، لكنه اختار بعض الأيام التى خلقها ووصفها بأنها «أيام الله» حيث قال تعالى: ((.. وذكرهم بأيام الله).. فما هى «أيام الله» بالمعنى الخاص؟
هى أيام ربط الله فيها بين «زمن محدد» و«عبادة محددة»، وذلك لحكمة يعلمها الحكيم العليم، فمثلا شهر رمضان كله زمن تتميز فيه قراءة القرآن من الصائم والمفطر، وتزداد قيمة الأعمال الصالحات من جميع المكلفين، فالشهر كله من «أيام الله»، ثم يزداد العطاء الإلهى فيختار ليلة من ليالى الشهر ويجعلها أرفع قدرا وأكثر ثوابا، تلك «ليلة القدر» التى فتح فيها أكبر أبواب الخير لتنزل أكبر قدر من الخير وهو القرآن الكريم.. فهى «ليلة قدر» نزل فيها كتاب ذو قدر على رسول ذى قدر لأمة مكلفة ــ إذا أطاعت ــ أن تكون «أمة ذات قدر» ((.. خير أمة أخرجت للناس..)) وتلك ليلة تعم الشهر فى الكون كله.
ــ2ــ
لكن «يوم عرفة» يوم 9 ذى الحجة يوم من أيام الله بنسق آخر، فاليوم كله منذ شروق شمسه وإلى شروق يوم الأضحى (مدة 24 ساعة) يوم ممتد مفتوح لجميع الوفود الوافدة من أنحاء العالم، إذ حدد الشرع العظيم «يوما واحدا» هو 9 ذى الحجة فى مكان واحد هو «جبل عرفة» تجتمع عليه «أمة واحدة» هم «الموحدون المؤمنون بمحمد وكتابه» يدعون «ربا واحدا» هو «الواحد الأحد» أن «يرحم البشرية كلها» ويجعلها «أمة واحدة».
ــ3ــ
فالدعاء يوم عرفة فى جبل عرفة ومعه فى جميع الكون دعاء إلحاح على الله أن يعيد الآدميين كلهم «أسرة واحدة»، كما خلقهم جميعا من نفس واحدة، يعيدهم أمة واحدة يحب بعضهم بعضا ويكفل بعضهم بعضا، ويقدر بعضهم بعضا ــ أمة بشرية آدمية واحدة بلا تربص، ولا حرب بل سلام دائم، بلا فقر بل ثراء كاف، بلا مرض بل صحة وشفاء، بلا يأس وقنوط بل راحة وهناء، فهل تجتمع القلوب على هذه الدعوات طوال يوم عرفة (24 ساعة)؟
ــ4ــ
إنه يوم عرفة «يوم المعرفة» يوم الإقرار بمعرفة «الإله الواحد» يوم اجتماع الملايين على فكرة واحدة هى فكرة «الرجاء العام لتحسين أحوال الدنيا وجميع سكانها». فاللهم شرفنا باجتماعنا زمانا ومكانا فى جبل عرفة، وشرفنا يا رب باجتماع دعائنا أملا فى عموم السلام والأمن والرخاء والصحة لكل البشرية بل لكل المخلوقات يا رب العالمين. اللهم عرفنا وأعطنا القدرة على السعى وجدية العمل.
نقلا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع