بقلم - وحيد حامد
كانت لدينا مشكلة كبيرة بحق..
فقد بدأنا تصوير الجزء الثانى من مسلسل «الجماعة» دون أن نعثر على الممثل الذى يقوم بدور الزعيم الراحل جمال عبدالناصر رحمه الله. وكثيراً ما وقع اختيارى أنا والمخرج شريف البندارى على اسم فنان كبير وقدير، ثم نتراجع لعدم اكتمال رضانا وقناعتنا، رغم الإحراج الشديد الذى كنا نتعرض له أمام فنانين كبار أصحاب مكانة فنية رفيعة. كنا على يقين من أن شخصية جمال عبدالناصر سوف تتعرض للرفض بقوة أو القبول بقوة أيضاً، حيث إن الرجل له من يؤيده وله من يعارضه، بالإضافة إلى أن عبدالناصر كان يملك «كاريزما» نادرة وطاغية ومؤثرة تجعل اختيار الممثل أكثر صعوبة. ولم نكن على استعداد للقبول بمن يقلد عبدالناصر لأننا لسنا فى برنامج ساخر أو مسلٍّ، كنا فى حاجة إلى ممثل قادر على حمل هذه الشخصية بما لها وبما عليها، وبكل أبعادها الإنسانية والنفسية. كنا نبحث عن فنان قادر على استلهام روح عبدالناصر فى داخله، واتجهت أنظارنا إلى خارج مصر، رغم وجود مشكلة فى هذا التوجه، وهى إتقان اللهجة المصرية كأهلها، وهذا لا يحدث إلا نادراً، وليس من المقبول أن ينطق عبدالناصر بلهجة شامية أو خليجية.
وأمام اسم الفنان الراحل «ياسر المصرى» توقفنا، وبدأنا فى مراجعة أدواره، وتوصلنا إلى نتيجة مبدئية أنه الأفضل. وكان لى شرف الاتصال به. وقد أدركت، منذ اللحظة الأولى لحديثنا، أننى أمام شخص يستحق الاحترام، حيث قال إنه فى حاجة إلى مدة زمنية لا تقل عن ستة شهور لدراسة الشخصية وإدراك أبعادها، وألا يكون فى النص ما يحمل إساءة إلى المملكة الأردنية. وحاولنا، أنا والمخرج شريف البندارى، إجباره على التنازل عن مسألة الشهور الستة، وبعد تفاوض مرهق اتفقنا على شهرين. ولأنى أعلم أن ما يطلبه هو الصواب، فقد راجعنا برنامج العمل ورأينا إجراء بعض التعديلات، وأنه من الممكن انتظار الفنان حتى يأخذ كامل وقته فى استيعاب الشخصية، إلا أنه بعد عدة أيام اتصل بى معتذراً لأنه لا بد أن يسافر إلى ألمانيا مصاحباً للسيدة والدته فى رحلة علاج. ولأول وهلة تصورت أنه سبب وهمى للاعتذار، وربما تكون هناك أسباب أخرى خافية ولا يريد الإفصاح عنها، إلا أنه نفى ذلك تماماً، وهنا وجدنا الحل معاً، وهو أن يحمل النص معه إلى ألمانيا، وهنا قدّرت الإنسان الكامن فى داخله.
كان لقاؤنا الأول فى القاهرة، تحديداً فى استوديو الأهرام، لأجد نفسى أمام إنسان مهذب خلوق رقيق المشاعر قوى الأحاسيس، من اللحظة الأولى تشعر أنك أمام صديق حميم تعرفه من زمن.. يعمل فى بساطة وهدوء وتأمل ودون إزعاج. من شدة إعجابى به كلما وُجدت باستوديو التصوير أحب أن أكون معه، وإذا لم يكن هناك مجال للحديث اخترعت مجالاً. وصار الرجل صديقاً، حتى إن فرحتى بنجاحه فى أداء شخصية عبدالناصر ربما كانت تعادل فرحته. لقد هزنى الحزن عندما فقدت أصدقاء أعزاء وزملاء وأساتذة.. منهم عاطف ومحسن زايد وأسامة عكاشة ومحمود مرسى وسعيد صالح وعلى أبوشادى ورفيق الصبان وممدوح الليثى وغيرهم. واليوم أضيف إليهم ياسر المصرى الإنسان والفنان والقدوة.
نقلا عن الوطن
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع