توقيت القاهرة المحلي 17:43:23 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من بلاد العرب إلى أميركا: الملوِّث لا يدفع

  مصر اليوم -

من بلاد العرب إلى أميركا الملوِّث لا يدفع

بقلم: نجيب صعب

الخوف على الطبيعة من التدمير، بما يحمله من تأثير على حياة البشر وصحتهم، يجمع الناس عبر القارات. فالأخطار لا تستثني أحداً فوق هذا الكوكب.
مهدي بدير طبيب جرّاح شهير من أصل لبناني، يقيم في ولاية تينيسي الأميركية. قرأ مقالاً نُشر أخيراً في «الشرق الأوسط» بعنوان «ماذا صنعْتَ بالذهب، ماذا فعلْتَ بالوردة»، يتحدث عن التدمير المنهجي للطبيعة، الذي يؤدي إلى فقدان التوازن بين عناصرها، متسبباً بهدر الموارد وانتشار الأمراض.
كان المقال حافزاً للدكتور بدير على المشاركة بتجربته، فكتب معلّقاً: «للأسف، العالم في معظمه لا يهتم بالبيئة. كميات البلاستيك التي نرميها في البحار والغابات هائلة. لو تعلمون ما الكميات التي ترميها المستشفيات يومياً بلا معالجة في المطامر وسط الطبيعة، لأُصبتم بالصدمة». وتابع: «أنا أتولّى يومياً، بمساعدة طلاب الطب، جمع فضلات البلاستيك بعد العمليات الجراحية، ثم نأخذها إلى مراكز التدوير في سياراتنا الخاصة. لكن معظم الجرّاحين لا يهتمون بذلك، ويذهب معظم الفضلات مباشرةً إلى الطبيعة. كذلك أجمع مع طلابي قنانيّ البلاستيك وعلب الكرتون والمشروبات الغازية الفارغة، ونأخذها إلى معامل التدوير. لكنّ هذا مجهود فردي، ومعظم المستشفيات الأميركية لا يهتم بالأمر إذا لم تكن هناك حوافز وروادع. فرمي البلاستيك وبقية الفضلات في الطبيعة يبقى الأرخص».
ولاحظ الدكتور بدير أن البلدان الغربية تهتم بنظافة شوارعها أكثر من معظم البلدان العربية. لكن النتيجة، في رأيه، واحدة. فغالباً ما يعمد العرب إلى رمي القمامة في الشوارع، من نوافذ بيوتهم وسياراتهم، إذ إن همهم يكاد يكون محصوراً في المحافظة على نظافة غرف الجلوس حيث يستقبلون الضيوف. أما الطرقات والأماكن العامة، فهي خارج اهتماماتهم. الغربيون، في المقابل، يحافظون على نظافة الأماكن العامة، لكنهم لا يخففون من الاستهلاك، بل يتركون لشركات جمع القمامة الاهتمام بفضلاتهم، التي يرمونها في المستوعبات، والشركات التي تجمعها ترميها في المطامر وسط الطبيعة. وليس من فارق بين أن تتحلل في الشارع أو المطمر لأنها، في كلتا الحالين، تنتهي في الطبيعة. ويعلّق الدكتور بدير بحزن أن بعض الناس في الولايات المتحدة يعدّون الأنماط الاستهلاكية المتوحشة جزءاً من الحريات الشخصية التي لا يمكن المسّ بها. وكمثل على ذلك، فقد استخدم مؤيّدو الرئيس دونالد ترمب، في احتفالات إعادة الانتخاب، أكواباً ومصّاصات بلاستيكية وضعوا عليها اسمه، رافضين الاستعاضة عنها بأخرى مصنوعة من ورق وكرتون، وذلك للتعبير عن عدم قناعتهم بأضرار البلاستيك البيئية، وتمسكاً بما يعدّونه حرية شخصية.
أرفق مهدي بدير كلامه بصورة لكومة من نفايات البلاستيك والكرتون، تقارب حجم سيّارة متوسّطة، قال إنه جمعها من عمليات جراحية أجراها هو شخصياً في يوم واحد. وعلّق: «تخيّلوا كم عملية جراحية تحصل يومياً في العالم، وتخيّلوا كمية الفضلات التي يتم رميها فقط من المستشفيات. فماذا عن تلك التي تُرمى من المحلّات التجارية والمنازل والمكاتب والطائرات والبواخر؟».
يشكّل البلاستيك نحو 10% من النفايات في البلدان العربية. وإذا كان المجموع اليوم يقدَّر بنحو 200 مليون طن سنوياً في المنطقة، فهذا يعني أن هناك 20 مليون طن من البلاستيك يذهب معظمه إلى الطبيعة، ويتطلب تحلّله مئات السنين. والخطر الأعظم يتمثل في الأكياس والعبوات التي تُستخدم مرّة واحدة، ثم تنتهي في مكبّات النفايات.
بعض الدول يعتمد فقط على حملات التوعية للحدّ من انتشار البلاستيك ذي الاستخدام الواحد. لكن التجربة أثبتت أن التوعية وحدها لا تكفي ما لم تترافق مع تدابير قانونية وضريبية، بحيث تشكّل الرادع والحافز. وقف استعمال أكياس البلاستيك في المغرب، مثلاً، حصل نتيجة قانون صارم يمنع تصنيعه واستيراده وتوزيعه واستعماله. وتَرافق هذا مع توفير بدائل لأكياس مصنوعة من نسيج ورقي. الغرامات والعقوبات أدّت إلى وقف استخدام أكياس البلاستيك على نحو شبه كامل، وهذا ما لم تحققه برامج التوعية التي تم تجريبها سابقاً.
وكانت وزارة البيئة اللبنانية قد أعلنت مؤخراً عن خطوة في هذا الاتجاه، تتمثل في فرض سعر متواضع لكل كيس بلاستيك يستخدمه المستهلك لجمع مشترياته من المحلات التجارية. لكن الوزارة قد تكتشف سريعاً أن هذا التدبير لا يحل المشكلة، ويُبقي الباب مفتوحاً للمخالفات في حال لم يتم المنع الكامل لأكياس البلاستيك، تصنيعاً واستيراداً وتوزيعاً واستخداماً. وليس ما يمنع تحقيق هذا، إذ إن البدائل موجودة.
ويلاحَظ أن معظم منتجي اللبن والحليب في البلدان العربية يوزعونه في عبوات بلاستيكية، لأنها أرخص قليلاً من العبوات الكرتونية القابلة للتدوير، مع أن المصانع التي تنتجها موجودة في كثير من بلدان المنطقة. والحل الناجع يكمن في فرض قوانين وضرائب وغرامات، إلى جانب توفير الحوافز المالية للبدائل الأفضل بيئياً. وأصبحت فرنسا مؤخّراً أول بلد في العالم يمنع بالكامل أدوات الطعام البلاستيكية، من أكواب وصحون وفناجين وغيرها.
تشكّل عبوات المياه والمشروبات الغازية ذات الاستعمال الواحد الحجم الأكبر للنفايات البلاستيكية في البلدان العربية. وإذا كان لا يمكن، بالتأكيد، منع الناس من شرب المياه في منطقة شديدة الحرارة، فمن الممكن، طبعاً، منع استعمال العبوات البلاستيكية الرقيقة، وإبدالها بعبوات من الزجاج أو البلاستيك الصلب، الصالحة للاسترجاع وإعادة الاستخدام. لكن نجاح هذا البرنامج يتطلّب فرض سعر مرتفع للعبوة الفارغة، لدفع المستهلك إلى إرجاعها عند شرائه أخرى جديدة.
ما لم يتم تطبيق مبدأ «الملوِّث يدفع»، سيبقى الحديث عن رعاية البيئة وحماية الطبيعة مجرد تمنيات.
- الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) رئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من بلاد العرب إلى أميركا الملوِّث لا يدفع من بلاد العرب إلى أميركا الملوِّث لا يدفع



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 17:34 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025
  مصر اليوم - أحمد أمين يعود بالكوميديا في رمضان 2025

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon