توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

شرم الشيخ: قمة التنفيذ أم التأجيل؟

  مصر اليوم -

شرم الشيخ قمة التنفيذ أم التأجيل

بقلم - نجيب صعب

بعد جولات طويلة من المفاوضات التي أعقبت قمة غلاسكو المناخية قبل سنة، يلتقي زعماء العالم غداً في شرم الشيخ لافتتاح القمة السابعة والعشرين (كوب 27). وبعد يومين من الخطب، التي تطرح فيها الدول تصوّراتها وشروطها، ويحدّد فيها الزعماء إيقاع المفاوضات، تتابع الوفود نقاشاتها، قبل أن يلتقي الوزراء في الأيام الأخيرة من الأسبوع الثاني لإعلان حصيلة المؤتمر. وهي تفاهمات تستجيب لبعض ما يقوله العِلْم، تحت سقف المصالح المتضاربة وما يمكن تنفيذه على أرض الواقع. وتُعقد القمة هذه السنة تحت شعار «معاً نحو التنفيذ»، الذي يعبّر عن الحاجة الملحّة إلى الانتهاء من الكلام والوعود والالتزامات الضعيفة، للبدء بالعمل الجدّي في مجابهة التغيُّر المناخي.
ليست جائحة كورونا وحرب أوكرانيا الحدثين الوحيدين الكبيرين، منذ قمة غلاسكو، اللذين سيتركان آثاراً ضخمة على العمل المناخي. فقمة 2022 تلتئم على وقع كوارث مناخية غير مسبوقة ضربت العالم وتركّزت خسائرها في الدول النامية: من الفيضانات التي غمرت باكستان وخلّفت آلاف القتلى وعشرات ملايين النازحين الذين فقدوا المأوى ومورد الرزق، ولم توفّر القارة الأميركية، إلى الجفاف الذي ترك الملايين يموتون جوعاً في القرن الأفريقي، ولم يوفّر أوروبا والصين. فهل يقود الإحساس بحراجة الموقف إلى وضع الاهتمامات المناخية الضاغطة فوق الانهيارات الاقتصادية والخلافات السياسية والحروب؟ أم أنّ هذا التمني لا يتجاوز أن يكون حلم ليلة صيف؟ غداً سيتّضح الإيقاع في خطب قادة الدول: فإما أن يعطوا العمل المناخي الأولوية ويحيّدوه عن الصراعات، وإما أن ينقلوا نزاعاتهم إلى شرم الشيخ، باستغلال المنبر لتأجيج الخلافات وتوسيع الشقاق. وخلافاً للقمم السابقة، فقد نكتشف الإيقاع سريعاً هذه المرة، في الجلسة الإجرائية الأولى، التي تمر عادة بلا عقبات، بإقرار جدول أعمال متفق عليه مسبقاً. فهل يحصل اتفاق على إدخال بند التعويضات التاريخية تحت عنوان الأضرار والخسائر؟ وهل تتخذ روسيا، مثلاً، من جدول الأعمال حجة للعرقلة؟ مع الإشارة إلى أن جميع مقررات قمم المناخ تتطلب حصول إجماع.
يتفق الجميع على أنّ الالتزامات الطوعية، أكانت تتعلّق بتخفيض الانبعاثات أم بتمويل العمل المناخي، لم تعد تكفي. فحتى اليوم، تُرِكت للدول حرّية تحديد أهدافها المناخية الوطنية، مع آليات ضعيفة للمراقبة، كما تُرِك للدول المانحة تحديد حجم تعهداتها، التي غالباً لا تُسدَّد كاملة. ولما كانت القمة تُعقد تحت شعار التنفيذ وتحقيق إنجازات حقيقية، ففي أولوياتها الاتفاق على حدّ أدنى للالتزامات وآليات صارمة لمراقبة التنفيذ ونشر النتائج بصورة علنية. والهدف وضع الحكومات أمام مسؤوليتها، من أجل تحديد أوجه التقصير. وتبقى خلافات على الجهة المستقلة التي تتولى مهمة التحقّق من التنفيذ، كما على الإجراءات الممكنة ضد المخالفين. فالدول النامية خصوصاً لا تزال ترفض القبول بالمراقبة من أي جهة خارجية، بحجة السيادة الوطنية.
حتى قبل يوم واحد من افتتاح المؤتمر، لم يتفق المفاوضون بعد على آلية محدّدة لقضية «الخسائر والأضرار»، وكيفية توزيعها على الدول، وفق حجم مسؤوليتها التاريخية عن الانبعاثات الكربونية المسببة للتغيُّر المناخي. الدول الصناعية الغنية تتجنّب أن تفتح على نفسها باب التعويضات على مصراعيه، خشية أن تتوسّع مطالبات الدول الفقيرة وتمتد إلى عشرات السنين. وهي لذلك ما برحت تعارض إنشاء صندوق خاص للتعويضات التاريخية، وتطالب بدمجه ضمن آليات التمويل الموجودة.
وإذا كان من المتوقع أن تتوصّل القمة إلى تفاهم على زيادة حصة تدابير «التكيُّف»، أي الاستعداد لمواجهة آثار التغيُّرات المناخية، مقارنة بالأموال المخصصة لخفض الانبعاثات، فالمرجح ألا تتجاوز حدود الاتفاق إعادة توزيع الحصص ضمن الميزانيات الموجودة، بينما المطلوب زيادتها أضعافاً.
على جدول أعمال القمة الحالية زيادة المساهمات المالية لتمويل العمل المناخي. لكن فيما سيكرّر الخطباء التذكير بتعهدات الدول الغنية ضخ 100 مليار دولار سنوياً في صندوق المناخ، ستكشف الأرقام أنّ هذا الصندوق ما زال يعاني عجزاً كبيراً. ويعرف الجميع أنّه حتى لو تم تسديد المبلغ بالكامل، فهو يبقى جزءاً يسيراً فقط من المطلوب لمعالجة حقيقية للمشكلة.
وإلى جانب مراجعة تعهدات التمويل في غلاسكو قبل سنة، فعلى جدول أعمال قمة شرم الشيخ زيادة مستوى الأهداف الوطنية بما يحقق خفضاً أكبر وأسرع للانبعاثات حتى سنة 2030، والسبب أنّ التعهدات الطوعية حتى ذلك التاريخ، حتى في حال تنفيذها بالكامل، ستؤدي إلى ارتفاع معدلات الحرارة درجتين ونصف الدرجة، بينما المطلوب إبقاؤها تحت الدرجة والنصف، لتجنُّب كوارث لا يمكن التعامل معها. لكن خلال سنة، لم يتجاوز عدد الدول التي رفعت مستوى التزاماتها بخفض الانبعاثات الثلاثين، من بينها مصر والهند وإندونيسيا.
قد لا تنجح قمة شرم الشيخ في تحقيق كل الأهداف التي كانت منتظَرة منها، قبل احتدام الصراعات الدولية الجيوسياسية والانهيارات الاقتصادية. لكن يمكنها التأكيد على جملة من المبادئ الأساسية، في طليعتها حتمية الحفاظ على الحدّ الأدنى من التعاون الدولي في قضايا المناخ. وإذا كان من غير المتيسّر حالياً تحقيق الزيادة المطلوبة في حجم التمويل المناخي، يمكن للقمة، في الحدّ الأدنى الممكن، الاتفاق على سلسلة من الإجراءات لإعادة توزيع التمويل المتوفّر على نحو أكثر فاعلية، بما يخدم العمل المناخي، سواء لتخفيف الانبعاثات أو التكيُّف مع المتغيّرات. كما أن على مؤسسات التمويل الدولية أن تتعهد في القمة بتحويل الجزء الأكبر من برامجها لدعم المشروعات والبرامج المتوافقة مع الأهداف المناخية، حتى وإنْ لم تتمكّن من زيادة ميزانياتها بالمستوى المطلوب.
ومن الأهداف الممكنة، رغم أجواء العالم المتشنّجة والكئيبة، الاتفاق على آلية دقيقة لتقييم التقدُّم في تحقيق التعهدات الطوعية بخفض الانبعاثات، ونشر النتائج علناً لتكون تكريماً للملتزمين وعقاباً معنوياً للمقصّرين. كما يجب اشتراط تنفيذ التعهدات المناخية غير المحقَّقة، وفق ما يُظهره التقييم، قبل الموافقة على أي تمويل إضافي. لكن إذا أمكن تطبيق هذا الشرط على الدول الفقيرة التي تحتاج إلى مساعدة، فمن يحاسب الدول الغنية التي تقصّر في تنفيذ التزاماتها، أكان في خفض الانبعاثات أم تسديد حصّتها في التمويل المناخي؟
الدبلوماسية المصرية ستكون أمام امتحان كبير في الأسبوعين المقبلين. فهل تنجح في التوفيق بين المصالح المتضاربة واجتراح تسويات تتقدّم بالعمل المناخي خطوة إلى الأمام؟ أم أنّ الصراعات الدولية المتعاظمة وأحلام السيطرة والتوسُّع، من الإمبراطوريات القديمة والجديدة، ستجعل المهمة مستحيلة، فنكون مرة أخرى أمام تأجيل جديد بدلاً من التنفيذ؟


نجيب صعب، الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شرم الشيخ قمة التنفيذ أم التأجيل شرم الشيخ قمة التنفيذ أم التأجيل



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon