توقيت القاهرة المحلي 17:17:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الاستثمار البيئي في الفقراء

  مصر اليوم -

الاستثمار البيئي في الفقراء

بقلم - نجيب صعب

العشرون مليار دولار، التي قدمتها وكالة حماية البيئة الأميركية هذا الشهر لدعم التحوُّل إلى الطاقة المستدامة في المجتمعات المحلية، تشكّل علامة فارقة. فحتى الآن، كادت فوائد برامج الدعم للبيئة والمناخ حول العالم تكون محصورة في الفئات الغنية القادرة على تلبية الشروط الصعبة للقروض والمساعدات. أما في هذه الحالة، فقد خصصت الوكالة الأميركية، ضمن مبادرة «البنك الأخضر»، مبلغاً ضخماً لمساعدة المجموعات الفقيرة والمهمّشة بالولايات المتحدة على الانضمام إلى قافلة التغيير. هذه الأموال ستوزّع على ثمانية بنوك مختصة بالتنمية المجتمعية، لمساعدة المجتمعات المحلية على تحقيق الأهداف البيئية والمناخية.

‏يمكن لهذه الأموال تمويل مئات الآلاف من المبادرات والمشروعات المحلية المؤهلة، على مستويات متفاوتة، كانت سبل التمويل التقليدية مسدودة أمامها. وهذا يتراوح بين التحسينات المنزلية البسيطة الموفّرة للطاقة والمياه، والمشروعات الكبرى للطاقة النظيفة والمتجددة، وأنظمة التدفئة والتبريد المشتركة على مستوى الأحياء والمدن، وشبكات الشحن الكهربائي للسيارات، وصولاً إلى مشروعات إسكان وزراعة وصناعة مستدامة. لكن الشرط الأساسي أن تكون لتلبية احتياجات محلّية، وأن يتبنّاها المجتمع المحلّي ويتحمّل مسؤولية التنفيذ والمراقبة. ومن المهم وضع قيود تمنع استغلالها من «صائدي» أموال الدعم لمشروعات وهمية.

‏المستفيدون الأفراد من المشروع قد يكونون أصحاب بيوت أو أرباب أعمال. وقد روى صاحب مطعم في إحدى ضواحي مدينة ديترويت أن البنوك التجارية رفضت طلبات تقدّم بها لتحسين الأداء البيئي لمطعمه، اشتملت على تركيب ألواح شمسية للكهرباء، وجهاز تدفئة موفّر للطاقة، ونظام تجميع مياه الأمطار على السطح لاستخدامها في الحمامات... عدّت البنوك التقليدية هذه الأفكار بعيدة عن الواقع، ولا تؤمن مردوداً مضموناً، فضلاً عن أن تدابير الكفاءة والطاقة النظيفة وتوفير المياه ليست في نطاق عملها. لكن المطعم تأهّل للحصول على قرض في إطار مبادرات «البنك الأخضر»، وباشر تسديد الدَّين من التوفير الذي حققه في مصروف الطاقة والمياه.

‏على المستوى السكني، يشمل الدعم عزل الجدران والأرضيات والسطوح وتغيير زجاج النوافذ وتركيب المضخات الحرارية للتدفئة. لكنه لا يستثني أموراً كانت تُعد صغيرة لا تستأهل قروض البنوك التقليدية، مثل الاستبدال بأجهزة المطابخ والحمامات أخرى موفّرة للطاقة والمياه، وهذا متاح الآن من خلال قروض مخصصة لربّات البيوت.

‏حين لا تتضمن برامج الدعم آليات تكفل وصولها إلى الجميع، تقتصر الإفادة منها على القادرين. ولا تنحصر النتيجة في استثناء كثيرين من الفوائد، لأن الفقراء يدفعون غالباً الفاتورة عما يوفّره الأغنياء. إذ حين تدعم حكومات الاستبدال بأجهزة التدفئة العاملة على الغاز الطبيعي، أخرى تعمل بتقنية المضخّة الحرارية، مثلاً، تقتصر الفائدة على القادرين مادياً، تبقى نسبة كبيرة من الناس غير قادرة على تغطية المبلغ المتبقي. وفي غياب تخفيضات أكبر على أسعار السيارات الكهربائية لأصحاب الدخل المنخفض، تبقى الإفادة منها محصورة في القادرين. والنتيجة تحميل الارتفاع في أسعار الكهرباء والوقود على محدودي الدخل، غير القادرين على دفع كلفة التحوُّل. فالقادر على الاستثمار في ألواح شمسية على سطح منزله، وشراء سيارة كهربائية، وتركيب مضخة حرارية للتدفئة، يستفيد من كل الدعم، ويتخلّص من فواتير الغاز والكهرباء والبنزين المرتفعة، في حين يقع عبء الفواتير الضخمة على الفقراء لعجزهم عن تمويل الاستثمار في التغيير.

‏من جهة أخرى، تُغفِل بعض السياسات الحكومية حقائق واقعية لا يمكن تجاوزها، حين تحصر المبادرات في الأفراد وتهمل واجبها في توفير الخدمات العامة. فدعم الألواح الشمسية تقتصر فوائده على البيوت ذات السطوح الملائمة في الشكل والاتجاه، ولا يتناسب مع الأبنية المرتفعة ذات الشقق المتعددة. والمضخات الحرارية تحتاج إلى مساحات خارجية غير موجودة في كثير من الحالات. ولا تتوفر لكثير من البيوت والأبنية، بخاصة في المدن، أماكن مناسبة لتركيب أجهزة الشحن الكهربائي للسيارات. لهذا لا بد من الاهتمام بتعزيز الخدمات العامة وخفض تكاليفها، فتصل الفوائد إلى الجميع. ومن هذا القبيل تعزيز وسائل النقل العام العاملة على وقود نظيف، لتخفيف الحاجة إلى سيارات فردية. ومنه أيضاً توفير طاقة كهربائية مستدامة للعموم بأسعار تؤمّن توزيعاً عادلاً للأعباء، فلا تنحصر الاستفادة فيمن يملك سطحاً ملائماً لتركيب اللاقطات.

‏البرنامج الأميركي الجديد لإشراك المحرومين والفقراء في برامج التحوُّل المستدام، عن طريق مساعدتهم في الاستثمار، نموذج لتحويل النظريات إلى أفعال. وهذه هي الضمانة الوحيدة للنجاح، إذ لن تحقق برامج التحوُّل أهدافها ما لم تصل فوائدها إلى الجميع. ولكن لا يكفي أن تصحح الولايات المتحدة وأوروبا والدول الغنية سياساتها الداخلية، بتوفير الدعم اللازم لتصل فوائد التنمية المستدامة إلى جميع مواطنيها بلا استثناء. فالعمل البيئي، والمناخي على وجه الخصوص، لن يُجدي ما لم تنخرط فيه جميع الدول. وكما خصصت الولايات المتحدة عشرين مليار دولار لمساعدة مجتمعاتها الفقيرة على الانخراط في التحوُّل، فلتبادر إلى قيادة مبادرة دولية لتنفيذ تعهدات الدول الغنية للاستثمار البيئي والمناخي في الدول الفقيرة، التي يتوجب عليها أيضاً ترتيب بيتها الداخلي لوقف الهدر والفساد.

‏نرجو ألا تكون هذه أحلام يقظة، قد تتحطم على مذبح سياسات الأغنياء والبرامج الشعبوية المرافقة للانتخابات المرتقبة على ضفّتَي الأطلسي.

* نجيب صعب، الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستثمار البيئي في الفقراء الاستثمار البيئي في الفقراء



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon