توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البيئة التي نُريد

  مصر اليوم -

البيئة التي نُريد

نجيب صعب
بقلم - نجيب صعب

أي بيئة نريد؟ وأي منظمة تقود العمل البيئي الدولي؟ على أبواب ذكرى نصف قرن على تأسيس برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) عقب مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية في يونيو (حزيران) 1972، نعود إلى طرح أسئلة مصيرية عن العمل البيئي الدولي. وستكون جمعية الأمم المتحدة العامة للبيئة التي تُفتتح غداً في مقر «يونيب» في نيروبي، مناسبة لمناقشة ماذا تحقّق خلال 50 عاماً، ومحاولة تقرير أي «يونيب» نريد.
الفكرة من الأساس كانت حماية البيئة من التلوُّث ووضع حدّ لاستنزاف الموارد الطبيعية غير المتجدّدة، وذلك للحفاظ على التوازن الطبيعي وضمان استمرار الحياة البشرية. إذن، لم تكن التنمية القابلة للاستمرار نظرية جديدة. صحيح أن الشعارات والأمنيات طغت على مؤتمر استوكهولم؛ لكن قيام «يونيب» خَلَقَ الإطار المؤسّسي للعمل البيئي الدولي الذي تجسّد في معاهدات واتفاقات وضعت معايير وقيوداً وأهدافاً. فلو التزمت الدول بوعودها في السبعينات والثمانينات، لما كانت الحاجة إلى وضع أهداف جديدة في «قمة الأرض» حول «البيئة والتنمية» في ريو عام 1992، ورفدها بأهداف إضافية في قمة «التنمية المستدامة» في جوهانسبورغ عام 2002.
والكلام هنا لا ينحصر بالتخلُّف عن تنفيذ الوعود البيئية فقط؛ بل عن الالتزامات الإنمائية أيضاً.
في الدول الغنية، كان التأخير في وضع حدّ للتنمية المتوحشة طمعاً بمراكمة الثروات، خلال العقود التي تلت وعود استوكهولم، سبباً في استمرار زيادة معدلات التلويث والانبعاثات الكربونية وهدر الموارد. لكن المشكلة تختلف في الدول الفقيرة؛ حيث يعود استمرار التدهور البيئي إلى الفساد وضعف الحوكمة من جهة، وتخلُّف الدول الغنية عن الالتزام بوعودها من جهة أخرى. فقبل سنتين من مؤتمر البيئة في استوكهولم، التزمت الدول الغنية المتقدمة، في قرار صدر عن الأمم المتحدة عام 1970، تقديم 0.7 من دخلها القومي الإجمالي لمساعدات إنمائية للدول الفقيرة. بعد 50 عاماً، ما زالت الدول التي نفّذت هذا التعهد تُعدّ على أصابع اليد، ولم تحصل الدول النامية إلا على جزء يسير مما وُعدت به لدعم برامج التنمية، بما فيها البنى التحتية من محطات وشبكات كهرباء ومياه وصرف صحي، وتربية، وخدمات صحية، واستثمارات منتجة تخلق فرص عمل. هذا التخلُّف عن الوفاء بالالتزامات أدى إلى استمرار الفقر. والفقر المدقع، كالغنى الفاحش، ألدّ أعداء البيئة.
بدلاً من استكمال التعهدات السابقة، ارتأت الدول عام 2000 وضع أهداف تنموية جديدة للألفية برسم التحقيق سنة 2015، حين وُضعت أهداف أخرى تحت عنوان «التنمية المستدامة»، مع تمديد التنفيذ إلى سنة 2030.
من الطبيعي الربط بين البيئة والتنمية، وهذا ما رسّخته «قمة الأرض» في ريو دي جانيرو عام 1992؛ إذ إن الموارد الطبيعية تشكّل أدوات التنمية وموادّها الأولية. لكن بعد 50 عاماً على إنشاء برنامج الأمم المتحدة للبيئة كمدافع عن البيئة العالمية، يحاول البعض استخدام شعار «التنمية المستدامة» لوضع التنمية فوق البيئة، واعتبار حماية البيئة عائقاً. وهذا يتعارض جذريّاً مع مفهوم التنمية المستدامة؛ إذ لا يمكن أن تكون البرامج الإنمائية قابلة للاستمرار إذا تغاضت عن حساب الخسائر البيئية التي لا يمكن تعويضها.
اجتماع الجمعية العامة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة غداً سيكون خافتاً، بسبب استمرار التدابير الوقائية لجائحة «كورونا». وليس هذا بالتأكيد ما كان مأمولاً للاحتفال بنصف قرن على تأسيس «يونيب». الموضوع العام للاجتماع «تفعيل العمل لتمكين الطبيعة من المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة». وهو يركّز على حماية الثروات الطبيعية وإعادة تكوينها لتصبح أداة قويّة للتنمية، وتفعيل مساهمة «يونيب» في تحقيق المحتوى البيئي لأهداف التنمية المستدامة.
قد يكون أبرز ما حققه «يونيب» خلال سنواته الخمسين الماضية: وضع البيئة على جدول الأعمال الشعبي والحكومي والدولي، وتطوير إطار قانوني من خلال عشرات الاتفاقات والمعاهدات الدولية، من التلوُّث والنفايات إلى البحار والتصحّر والتنوُّع البيولوجي وتغيُّر المناخ. ومع تعدُّد مهمّاته وأجهزته، كان لا بد من تطوير أنظمته وتركيبه الإداري؛ لكن هذا أدى أحياناً إلى خسارة بعض ما تميَّز به من طهارة ونقاء.
تأسس «يونيب» عام 1972 كبرنامج دولي في إطار الأمانة العامة للأمم المتحدة، يحكمه مجلس محافظين من 56 دولة يتم اختيارها بالتناوب، وتديره سكرتارية يرأسها مدير تنفيذي تنتخبه الجمعية العامة بناءً على اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة. وهذا يختلف عن «المنظمات المختصة» التي تتمتع باستقلالية عن الأمانة العامة للأمم المتحدة، ويحكمها مجلس من الدول الأعضاء ينتخب رئيسها مباشرة.
نجح «يونيب» في قيادة العمل البيئي الدولي أثناء ولاية مؤسسه موريس سترونغ بين 1972 و1974، وخلفه مصطفى كمال طُلبَة الذي استمرت ولايته 18 عاماً حتى 1992. ولما كان دور الأمين العام هو اقتراح المرشح لمنصب المدير التنفيذي بالتشاور مع المجموعات الدولية، وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة هي التي تنتخبه، فقد تصرَّف سترونغ وطُلبَة بصفتهما تحت سلطة مجلس محافظي «يونيب» والجمعية العامة للأمم المتحدة مباشرة. ووجد طُلبَة دائماً أن صيغة «البرنامج» تناسب عمل «يونيب» كهيئة تنسيق للعمل البيئي في منظومة الأمم المتحدة؛ إذ لو كان هيئة مستقلّة لرفضت المنظمات والبرامج الأخرى في الأمم المتحدة المعنية بالصحة والزراعة والطقس والتربية -مثلاً- تدخّله في برامجها، بينما البيئة تدخل في أعمالها جميعاً. وقد استخدم طُلبَة صلاحياته كاملة من خلال رئاسته «مجلس تنسيق البيئة» الذي يضم وكالات الأمم المتحدة الأخرى.
الوضع بدأ يتغيَّر مع خروج طُلبَة عام 1992. فمن جهة، بدأت الهيئات الدولية المعنية بالتنمية تغرف من صحن «يونيب» عقب قمة «البيئة والتنمية» في ريو. ومن جهة أخرى، بدأت المديرة التنفيذية الجديدة التي جاءت من وظيفة إدارية في الحكومة الكندية، تتصرَّف بصفة موظفة لدى الأمانة العامة للأمم المتحدة، وليس كرئيسة لهيئة دولية انتخبتها دول العالم في الجمعية العامة. وقد حاول المديران التنفيذيان اللذان جاءا مباشرة بعدها استعادة استقلالية البرنامج ودوره، عبر محاولات مثل تحويل البرنامج إلى منظمة عالمية مستقلة للبيئة. وإذ لم تحظَ هذه المساعي بالتأييد الدولي الكافي، حصلت تسوية بتحويل الهيئة الحاكمة من «مجلس المحافظين» الذي يضم 56 دولة إلى «جمعية الأمم المتحدة للبيئة»، وهي تضم جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. لكن السياسات التي اتبعتها إدارة البرنامج عقب ذلك التغيير حوّلت صورته إلى إدارة تابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة، بدل تعزيز استقلاليته.
تفعيل العمل البيئي الدولي بحاجة إلى استعادة الصفات القيادية لموريس سترونغ ومصطفى طُلبَة، لمنع وضع «يونيب» تحت رحمة وكالات التنمية والتمويل الدولية، وتحويله إلى إدارة تابعة للأمانة العامة للأمم المتحدة في نيويورك.


* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البيئة التي نُريد البيئة التي نُريد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon