توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

  مصر اليوم -

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة

بقلم - نجيب صعب

تحقيق هدف زيادة القدرة الإنتاجية للطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف بحلول 2030 لن يكون متاحاً وِفق المسار الحالي. لكن الأمر قابل للتنفيذ من الناحية التقنية، ويتمتع بجدوى اقتصادية كبرى، شرط تبنّي الدول سياسات داعمة وتوفير استثمارات على نطاق واسع. هذا الهدف، الذي وضعته القمة المناخية الأخيرة في دبي، ضروري لتخفيض الانبعاثات، بما يمكِّن من التصدّي، في الوقت المناسب، لارتفاع معدلات الحرارة إلى حدود لا يمكن السيطرة على تأثيراتها الكارثية.

‏جاء هذا التحذير الصريح من أن العالم ليس على المسار الصحيح في العمل المناخي في التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة (إيرينا)، على أبواب مؤتمرها السنوي بعد أسبوعين. غير أن التقرير حمل أيضاً معطيات إيجابية. فقد سجّل عام 2023 رقماً قياسياً في نشر مصادر الطاقة المتجددة، بدعم من السياسات المتطوّرة التي اعتمدتها بعض البلدان، والتحوّلات الجيو-سياسية، خاصة الحرب الروسية-الأوكرانية، عدا عن انخفاض التكاليف على نحو سريع، بحيث أصبح إنتاج الكهرباء من الشمس الأرخص على الإطلاق. لكن التقدّم كان محصوراً في بلدان محددة، وهو بعيد جداً عن هدف زيادة الإنتاج ثلاثة أضعاف. وإذا كانت كِلفة إنتاج الكهرباء من الشمس شهِدت انخفاضاً كبيراً، فما زال التخزين عملية مُكلِفة، يتطلّب تجاوزها تطوير تقنيات ثورية، مثل الهيدروجين، كناقل ومخزّن للطاقة، وتعميمها على نطاق واسع.

‏كما أن لهدف زيادة قدرات الطاقة المتجددة ثلاثة أضعاف خلال 6 سنوات متطلّبات ضخمة، يسير العمل عليها ببطء حتى الآن. ومن أهمّها توافر ‏إرادة سياسية قوية تُترجَم في برامج وقوانين لا تتغير وفق الظروف والتظاهرات والشعارات الانتخابية الشعبوية، وتعزيز البُنى التحتية من شبكات نقل وتوزيع، وتدريب القِوى البشرية المؤهلة للتنفيذ، وقفزة عملاقة في التمويل من جميع المصادر المتاحة، وتعزيز التعاون الدولي. ذلك أن الزيادة المستهدَفة تعني تركيب ما يفوق ألف غيغاوات من الطاقة المتجددة سنوياً، ومضاعفة الاستثمارات من 570 مليار دولار حالياً إلى ما يزيد على 1550 مليار دولار سنوياً حتى 2030. كل هذا يتطلّب التغلُّب على كثير من العوائق المنهجية والهيكلية المعرقِلة لتَحوُّل الطاقة، التي تبعده عن المسار الصحيح.

‏من الواضح أن الوقائع والأرقام تؤكد أن الأهداف المُعلنة لتحوّلات الطاقة والعمل المناخي ما زالت بعيدة المنال. والتصحيح يتطلّب تدخلاً عاجلاً على مستوى السياسات، يؤدي إلى: زيادة ميزانيات البحث العلمي في مجالات الطاقة المتجددة، ومضاعفة الاستثمارات في الشبكات وأنظمة التخزين، وتطوير المهارات البشرية، وضخّ الاستثمارات الجديدة عبر القِطاعين العام والخاص والشراكات الدولية.

‏لكن لن تتحقق أهداف التحوّل الطاقوي والعمل المناخي إذا انحصرت الاستثمارات في الدول الغنية، وما لم تحصل الدول النامية على ما يكفي من فرص الاستثمار. فلا بد من وصول التدفقات المالية إلى الدول الفقيرة اقتصادياً والغنية بالموارد الطبيعية والبشرية، على شكل استثمارات لا مجرّد قروض، ورفع مساهمة صناديق التنمية الوطنية والإقليمية والدولية. فلا تكفي مواعظ التحوّل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، في غياب الدعم التقني والمالي وضخ الاستثمارات الكافية في الدول الفقيرة. كما لا يجوز استمرار بعضهم باتخاذ «فقر الطاقة» حجّةً للاستمرار في استخدام المصادر الملوِّثة، إذ إنه، مع انخفاض تكاليف الطاقات النظيفة والمتجددة، لا يجوز تجاهلها كعنصر رئيسي للقضاء على فقر الطاقة.

‏هذه كلّها تدابير في متناول اليد، إذا توافرت الإرادة السياسة لتنفيذها، بما يضمن تحقيق الأهداف في الوقت المطلوب. غير أن القِوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العُظمى هي التي تُعيق التنفيذ أساساً، إلى جانب تلكُّؤ قسم كبير من الدول النامية عن اعتماد مبادئ الحكم الرشيد.

‏العالم أمام معضلة حقيقية، يتطلّب الخروج منها تعاوناً من الجميع لاعتماد مسار جديد واقعي وعادل. ولا يفيد استغلال البعض لخطأ من هنا وعرقلة من هناك للتهديد بأن التحوّل الطاقوي يهدد بإرجاع البشرية إلى العصر الحجري. فالتغيُّر المناخي ليس وهماً، لكنه حقيقة يهدد التقاعس عن مواجهتها الوجود البشري برمّته. لذلك على الجميع العمل لتصحيح المسار بما يُفضي إلى تحقيق الأهداف الكبرى، وِفق خطة واقعية.

‏إلى أن يستقرّ التحوّل الطاقوي على المسار الصحيح، لا بدّ من اعتماد مزيج للطاقة لا يستثني أي مصدر على نحو اعتباطيّ، كما لا يستثني أي تقنية ممكنة للاستخدامات الأنظف. لكن الأساس يبقى إدارة الطلب وترشيد الاستهلاك، وليس وضع اللوم على الدول المنتِجة التي تلبّي حاجة الأسواق.

‏تقرير «إيرينا» الأخير يؤكد أنه، مع ضرورة العمل على تصحيح المسار بما يؤدي إلى تحقيق الأهداف المناخية المتفق عليها، لا بد من الاستعداد لخطة بديلة إذا استمر البطء في تنفيذ التغيير المطلوب. غير أن تصحيح المسار لتسريع التنفيذ يجب أن يسبق الانتقال إلى «الخطة ب» البديلة.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تصحيح المسار قبل الخطة البديلة تصحيح المسار قبل الخطة البديلة



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon