توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تربية بيئية لمستقبل مستدام

  مصر اليوم -

تربية بيئية لمستقبل مستدام

نجيب صعب
بقلم - نجيب صعب

توسّع مفهوم البيئة في العقود الأخيرة من مكافحة التلوُّث إلى إدارة الموارد الطبيعية. فقد أدى تزايد عدد سكان العالم من مليار ونصف المليار في بداية القرن العشرين إلى أكثر من ثمانية مليارات اليوم، مع التحوُّل الكبير في أنماط الإنتاج والاستهلاك، إلى مضاعفة الطلب على الموارد. وهذا يستدعي إدارتها على نحو سليم ومتوازن، وتوزيعها بعدالة، بما يكفل حصول هذه المليارات المضاعفة من البشر على حاجاتهم الأساسية. وبالتوازي، ازداد التلوُّث حدّة وتنوُّعاً، مع التوسع في الاستخدام غير المنضبط لأنواع من المنتجات الاصطناعية السامّة، التي لا تضرّ بصحة البشر فقط بل تحدّ من وفرة الموارد الصالحة للاستهلاك.

تعريف الهموم والاهتمامات البيئية كان في صميم مناقشات المؤتمر العالمي للتربية البيئية، الذي استضافته هذا الأسبوع هيئة البيئة في أبوظبي.

ففي حين كان موضوع البيئة في أنظمة التعليم محصوراً في النظافة وجمال الطبيعة، تحوّل اليوم إلى مجالات أوسع تُعنى بكل ما يؤثر في الحياة على الأرض. هذا لا يعني التقليل من أهمية أمور مثل الحفاظ على نظافة الأماكن العامة وتخضيرها، بل يتجاوزها نحو مفهوم الإدارة المتكاملة للنفايات وزراعة الأشجار ليس للتجميل فقط، إنما للحفاظ على التوازن الطبيعي والتنوُّع الحيوي. لذا لم يعد كافياً تنظيم حملات تنظيف الشوارع والشواطئ وزراعة الأشجار، إذا لم تكن ضمن خطة تعليمية متكاملة. فالنفايات تعود إلى الشوارع والشواطئ في اليوم التالي لحملات التنظيف الظرفية، والأشجار تموت بعد فترة قصيرة من العطش وقلّة العناية.

إدخال إدارة النفايات في التربية يجب أن يقوم على مفهوم التخفيف وإعادة الاستعمال والتدوير، مع برامج عملية لتدريب الطلاب. فالبداية تكون من تقليل النفايات في المصدر، عن طريق تعديل أنماط الإنتاج والاستهلاك لتصبح أقلّ هدراً وتنتج عنها مخلّفات أقل. أما المرحلة الثانية فتقوم على إعادة استعمال ما لم نعد بحاجة إليه، مثل تبادل الثياب والكتب والأجهزة الإلكترونية، بعد استخدامها أطول فترة ممكنة. كما يشمل هذا تصليح الثياب والأجهزة بدلاً من الاستعاضة عنها بأخرى جديدة. وتتبع مرحلة التدوير، أي إعادة استخدام مكوّنات جهاز أو آلة أو قطعة ثياب أو أنقاض مبنى، لتصنيع منتجات جديدة. ويرافق إدخال هذه المفاهيم بوصفها مادة علمية في المناهج التعليمية تنظيم أنشطة خارج الصفوف للتدرُّب عليها، ومنها فرز النفايات وإعداد لائحة بمكوّناتها وتحديد ما هو قابل لإعادة التصنيع. كما يمكن إنشاء مركز ثابت في المدرسة لجمع الورق والثياب والأدوات المستعملة، من الطلاب وأهلهم كما من أهالي الحيّ، لإعادة الاستعمال والترميم والتدوير.

أما حملات التشجير، فالأجدى أن تكون جزءاً من برنامج تعليمي حول أهمية الغابات في النظام الطبيعي. وبدلاً من زراعة شتول في مناطق بعيدة يصعب على الطلاب العناية بها، يمكن زراعتها في حرم المدرسة، مع توزيع مسؤولية الرعاية على الصفوف. كما يمكن تخصيص جانب من الصف قرب النوافذ لزراعة بذور في أوعية صغيرة، كل منها باسم أحد التلاميذ، يعتني بها لتصبح شتلة قابلة للزرع في حديقة مدرسته أو بيته. وقد يكون مفيداً إجراء مسابقة بين الطلاب والصفوف لاختيار أفضل شتلة وأفضل حديقة. ولفت في المؤتمر عرض قدمته منظمة أهلية أميركية عن برنامج تنفذه في مئات المدارس لإنتاج أنواع من الخضار في مشاتل تستخدم تقنية الزراعة المائية التي لا تحتاج إلى تراب. وهكذا يتدرب الطلاب على إنتاج الغذاء بأنفسهم في مدارسهم داخل المدن.

ولا بد لأي برنامج عصري للتربية البيئية من أن يتضمن مواضيع تعكس التكامل في إدارة الموارد. وبين النماذج التي عُرضت عن هذا التوجُّه دليل المعلومات والنشاطات البيئية بعنوان «البيئة في المدرسة»، الذي أصدرته مجلة «البيئة والتنمية» في طبعات متعددة ابتداء من عام 1998، واستخدِم مرجعاً لإدخال البيئة في البرامج التعليمية في دول عربية عدّة، بدءاً من الإمارات، وأُطلقت من خلاله مبادرات منها «مشتل لكل مدرسة»، و«البرلمان البيئي للشباب»، و«لكل قطرة حساب». وأصدره المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) أخيراً، بمحتوى جديد ركّز على دور التربية في تحقيق أهداف التنمية المستدامة. وتبعاً للمستجدات في العقد الأخير، أضيفت إلى الدليل مواضيع الاقتصاد الأخضر وتغيُّر المناخ والبصمة البيئية والاستهلاك المستدام، إلى جانب تلوُّث الهواء والطاقة والمياه والزراعة والتنوُّع البيولوجي والبحار وتدهور الأراضي والتصحُّر وإدارة النفايات والضجيج. وهو متاح في موقع خاص على الإنترنت.

غير أن بعض المداخلات في بداية مؤتمر التربية البيئية الأخير تميّزت بتحذيرات متشائمة من «الويل والثبور وعظائم الأمور»، ‏بما يتعارض مع مفاهيم التربية الحديثة. فقد حذّرت ورقة من أن «العالم تجاوز حدود القدرة على البقاء، ما وضع الأرض خارج نطاق الحياة الآمنة للبشر». وتحدث البعض عن «كارثة كونية بلغت خطوطاً حمراء»، وكأنما بلغنا نقطة اللارجوع. ولكن مع تشعَُب المناقشات، طُرحت حلول عملية، مع حرص على تبادل الخبرات بين مشاركين من عشرات البلدان.

تهدد النزعة التشاؤمية، وإن كانت مبنية على معلومات صحيحة، ‏بالتغطية على إنجازات إيجابية حققتها الإنسانية في العقود الأخيرة؛ ومنها تراجع الفقر المدقع، وتزايد أعداد البشر الذين يحصلون على إمدادات مأمونة من الماء والكهرباء، وانخفاض وفيات الأطفال، وارتفاع نسبة المتعلمين مع تراجع الأمية. ‏كما قلّ عدد ضحايا الكوارث الطبيعية عما كان عليه قبل مائة عام، وتراجعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إذا ما قيست بحصة الفرد، وتضاعف استخدام الطاقات المتجددة والنظيفة، مع انخفاض كلفتها. أمام هذه الحقائق، لماذا لا تنطلق الحلول من الإيجابيات، بتعديل أنماط الاستهلاك بدءاً من الدول الغنية، ومساعدة الدول الفقيرة في الاستفادة من ثمار التنمية وتوزيعها بعدالة، بدلاً من فرض قيود وعقوبات عليها؟ نحن بحاجة إلى حلول مبدعة خارج القواعد التقليدية.

العمل الشخصي وحده لن ينقذ البيئة. لكنه مرحلة أولى، غايتها تعميم الوعي البيئي بين الطلاب، ومن خلالهم، الأهل والمجتمع الأوسع، وتشكيل مجموعات ضغط على المسؤولين لاتخاذ القرارات الصائبة، وإعداد الجيل الجديد لتحمّل أعباء المسؤولية في المستقبل. فالتغييرات الكبرى لا تحصل إلا عن طريق مؤسسات حكم مسؤولة، في إطار سياسات متكاملة تضمن تنفيذها مجموعة من الروادع والحوافز، خاصة الضرائب والإعفاءات.

بدل التحذير من نهاية العالم وإشاعة أجواء الرعب، يجدر بالتربية البيئية أن تركّز على الأوجه الإيجابية، وتشجّع طلاب اليوم على البحث عن كيف يمكنهم أن يكونوا الجيل الأول الذي ينجح في بناء مستقبل مستدام، لا التهديد بأنهم سيكونون الجيل الأخير على هذا الكوكب.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تربية بيئية لمستقبل مستدام تربية بيئية لمستقبل مستدام



GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon