توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أبعد من المناخ

  مصر اليوم -

أبعد من المناخ

بقلم:نجيب صعب

كاد الحديث عن الأوبئة والمناخ عام 2021 يُنسينا قضايا أخرى فائقة الأهمية للحياة على الأرض. صحيح أن جائحة «كورونا» وتجلياتها المتواصلة وضعت البشر أمام أبرز التحدّيات الصحية في هذا العصر. وصحيح أن آثار التغيُّر المناخي أصبحت حقيقة واقعة تهدّد الوجود الإنساني برمّته. لكن لا يجوز أن يؤدي الاهتمام بهذه العناوين الكبرى إلى إهمال قضايا بيئية حساسة لها تأثير مباشر، وبعضها من المسببات الرئيسية لتفشي الأوبئة وتغيُّر المناخ، خاصة ما يرتبط منها بالتلاعب في التوازن الدقيق بالأنظمة الطبيعية.
وقد انتقل تركيز وسائل الإعلام على «كورونا» والمناخ إلى دوائر القرار، فلم تحظَ بعض القضايا الأخرى بالاهتمام الذي تستحقه على مستوى السياسات الحكومية. ومن هذه القضايا الأنواع الحيّة المهدّدة بالانقراض، والتلوُّث، والعدالة البيئية، وتعديل الأنماط الاستهلاكية لتحقيق الاستدامة.
التنوُّع الحيوي في أزمة، ومن المأمول أن يوضع في أولويات جدول الأعمال في 2022. لتجنيب أنواع حيّة متعدّدة خطر الاضمحلال. فالأنواع التي كانت معرّضة للانقراض عام 2021 شملت 30 في المائة من الأشجار و50 في المائة من السلاحف و20 في المائة من الطيور، في حين انقرضت بعض الأنواع كلّياً. وفي حين ستجتمع 190 دولة في الصين في أبريل (نيسان) المقبل، تحت مظلة الأمم المتحدة، لإقرار اتفاقات دولية لحماية الطبيعة والتنوُّع البيولوجي، فمن غير المنتظر أن ينجح المؤتمر في وضع حدّ لهذا المسار الانحداري. لذا من الضروري الضغط لاعتبار الحفاظ على التنوُّع الحيوي وتوازن الطبيعة عاملاً أساسياً في التصدّي لانتشار الأوبئة ومسببات تغيُّر المناخ.
النفايات البلاستيكية ودورها في تدهور الموائل الطبيعية الأرضية والمحيطات، كما أثرها على الصحة في الأرض والبحر والهواء، قضيّة ملحّة للسنة الجديدة، خاصة عندما نذكر أن التصدّي لجائحة «كورونا» تسبب في السنتين الماضيتين بزيادة كبيرة في فضلات البلاستيك ذي الاستعمال الواحد. العمل السريع يجب أن يكون في الولايات المتحدة، التي تنتج نفايات بلاستيكية تتجاوز ما تنتجه الدول الأوروبية مجتمعة، وضعفي ما تنتجه الصين. وفي حين عارضت إدارة الرئيس ترمب وضع قيود جدّية على استعمال البلاستيك، فمن المنتظَر أن يوافق الكونغرس على قوانين جديدة طرحتها إدارة الرئيس بايدن.
أحداث الطقس المتطرّفة، التي كانت طاغية عام 2021. من المتوقَّع أن تستمرّ في 2022 وما بعدها. وهذا يشمل الفيضانات والأعاصير وموجات الجفاف، التي تبيّن أن التغيُّر المناخي كان مسؤولاً عن 70 في المائة منها. هكذا يغدو ضرورياً التركيز على مضاعفة الاستعدادات لمواجهة الكوارث الطبيعية، وتحسين القدرة على التكيُّف معها، بما في ذلك بناء المصدّات والحواجز لوقف ارتفاع المياه، ووضع شروط صارمة لأنظمة البناء في الأراضي المنخفضة، واستخدام مواد بناء بديلة أكثر قدرة على تحمُّل الحرارة، وتطوير تصاميم ملائمة للبنى التحتية تمنحها المناعة والمرونة. وقد اعترفت قمة غلاسكو المناخية بهذا، حين ضاعفت قيمة التمويل لنشاطات التكيُّف وبناء القدرات، بدلاً من تخصيص معظم الموازنات والبرامج لتخفيف الانبعاثات.
ومع التوسّع الكبير في برامج الطاقة المتجددة من الشمس والرياح، وإنتاج السيارات الكهربائية، والحاجة إلى تخزين الكهرباء المنتجة في بطاريات، من الضروري وضع معايير مشددة للصناعات الجديدة. فالألواح الشمسية وتوربينات الرياح العملاقة، كما البطاريات، تحتاج إلى كميات هائلة من المواد الأولية. فمن أين نحصل على «الليثيوم» و«الكوبالت» للبطاريات، مثلاً، من دون إلحاق ضرر كبير بالطبيعة وتلويثها؟ وكيف يمكن استخراج هذه المواد، الموجودة بمعظمها في دول نامية، مع الحفاظ على سلامة البيئة فيها وعدم المس بحقوق الإنسان والموائل الطبيعية للسكان الأصليين؟ وقد شهدت الكونغو، التي تضم أكبر مناجم «الكوبالت» في العالم، وصربيا، الغنية بمعدن «الليثيوم»، تجارب سيئة مؤخراً مع الشركات الاستثمارية متعددة الجنسيات.
ومن المتوقع أن تشهد سنة 2022 زيادة في الاهتمام بتحصين قدرات الأنظمة الغذائية على مواجهة تحدّيات تغيُّر المناخ. لكن هذا يبدأ بوضع حدّ للهدر في الإنتاج والتخزين والتوزيع والاستهلاك. ومن المؤشرات الإيجابية إدخال الأنظمة الغذائية في محور خاص للجمعية العامة للأمم المتحدة، مما عكس اهتماماً متجدّداً على الصعيد الدولي. وفي المنطقة العربية، أطلقت الإمارات مبادرة لدعم الابتكار الزراعي المتوافق مع المناخ، فيما ضمّنت مصر خططها برنامجاً لتطوير قدرة صغار المزارعين على زيادة الإنتاج، في وجه التقلّبات المناخيّة. كما سيبحث مؤتمر للأمم المتحدة في النصف الأول من هذه السنة برامج للحفاظ على قدرة المحيطات كمصدر أساسي للغذاء.
وعلى الطريق إلى قمة المناخ الـ27 في شرم الشيخ نهاية السنة، من الضروري البدء الجدّي بتنفيذ الالتزامات التي وضعتها الدول لتخفيض الانبعاثات والتمويل المناخي، وفق برنامج عمل زمني، فتكون القمة لعرض ما تحقق فعلاً خلال 12 شهراً، لا التأجيل مرّة أخرى. وقد يكون من أهم ما يجب العمل عليه قبل قمة شرم الشيخ الوصول إلى نتائج نهائية حاسمة في الحوار حول موضوع «تمويل الخسائر والأضرار»، بعد تحديد عادل لدرجة المسؤولية عن التخريب الذي تسبب بالتغيُّر المناخي.
ومن المحطات البيئية المهمة لسنة 2022 اثنتان: فبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) يحتفل بذكرى تأسيسه الخمسين، مما يشكّل فرصة للمراجعة وتصويب المسار في العمل الدولي البيئي. أما الهيئة الحكومية العالمية المعنية بتغيُّر المناخ، فتُصدر هذه السنة أهم تقاريرها العلمية وأكثرها شمولاً، وذلك على ثلاث مراحل، ابتداءً من فبراير (شباط) وصولاً إلى سبتمبر (أيلول).
وقد تكون من أبرز ما شهدته بداية السنة نجاح الصين في إنتاج حرارة من مفاعل للاندماج النووي هي الأعلى والأطول مدة، إذ تجاوزت 52 مليون درجة مئوية واستمرت 17 دقيقة، وهذا يساوي 5 أضعاف حرارة الشمس. والصين واحدة من 35 دولة في العالم، بينها الولايات المتحدة والهند والدول الأوروبية، تعمل في برامج تجريبية مشتركة لتطوير المفاعلات النووية الاندماجية لإنتاج الطاقة، في محاولة لاستنساخ فيزياء الشمس. وخلافاً للمفاعلات النووية الانشطارية، فالاندماج النووي لا يُنتج نفايات مشعّة. وتبني الدول المشاركة حالياً أكبر مفاعل اندماجي في فرنسا، ليبدأ عمله الاختباري سنة 2025.
صحيح أن الطاقة الاندماجية ما تزال في بداية الطريق، لكنها تشكّل فرصة واعدة للمستقبل. حتى ذلك الوقت، على العالم العمل لتطوير ما هو متاح، مع ترشيد الاستهلاك، للحفاظ على هذا الكوكب المهدَّد.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أبعد من المناخ أبعد من المناخ



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon