توقيت القاهرة المحلي 04:52:26 آخر تحديث
  مصر اليوم -

وقود صناعي للبيئة أم لطرقات ألمانيا السريعة؟

  مصر اليوم -

وقود صناعي للبيئة أم لطرقات ألمانيا السريعة

بقلم - نجيب صعب

نجحت صناعة السيارات الألمانية في فرض تعديل على خطة الاتحاد الأوروبي لمنع بيع السيارات العاملة على محركات الاحتراق الداخلي بحلول سنة 2035، كما عرقل حزب الفلاحين في هولندا خطة الحكومة لتحقيق خفض كبير وسريع في الانبعاثات الضارة الناجمة عن القطاع الزراعي.
الصراعات السياسية والعسكرية والانهيارات الاقتصادية التي تعصف بالعالم اليوم غطّت على هذين الحدثين. لكن لا بد من ظهور نتائجهما المؤثرة قريباً، مع ما يترتّب عليها من مضاعفات على العمل المناخي. وما لم يبادر المعنيون إلى المعالجة السريعة، فقد تتحوّل أصوات التعطيل إلى كرة ثلج متدحرجة. وعلى صانعي السياسات أن يُدركوا مبكراً أن تجاهل هذه التحرّكات أو التعامل معها بسلبية يهدّد بتأخير برامج العمل المناخي والبيئي عقوداً طويلة، قد يصبح إصلاح التخريب بعدها متعذّراً. فالمطلوب حوار إيجابي مع جميع مكوّنات المجتمع، والاستعداد لتعديل في السياسات كي تصبح أكثر استجابة للوقائع البيئية والاجتماعية والاقتصادية، لأن هذا هو الخيار الأفضل لمحاربة النزعات الشعبوية.
«الصفقة الخضراء» للاتحاد الأوروبي كانت تتضمن وقف تسجيل أيّ سيارات جديدة تصدر عنها انبعاثات كربونية بعد سنة 2035، لكن الحزب الديمقراطي الحرّ، أحد أعضاء الائتلاف الحكومي الحاكم في ألمانيا، هدّد بعرقلة التوقيع النهائي على الخطة قبل الحصول على استثناءات تسمح بتسجيل سيارات الاحتراق الداخلي إلى ما بعد 2035. التسوية التي سمحت بإنجاز الاتفاق اشترطت أن يقتصر الاستثناء على المحركات العاملة بالوقود الصناعي (e-fuel)، الذي لم يدخل مرحلة الإنتاج التجاري بعد، وهو خليط من ثاني أكسيد الكربون والهيدروجين. ويقول داعموه إنه حلّ مثالي لمرحلة انتقالية، لأن استخدامه ممكن كبديل في المحركات التقليدية، كما في أجهزة التدفئة العاملة على الغاز أو الديزل. ويردّون على المعترضين بأن هذا النوع من الوقود يتعارض مع هدف «صفر كربون»، بالقول إن استخدامه يوصل إلى «الحياد الكربوني». فمع أن انبعاثات كربونية تصدر عن احتراق الوقود الصناعي، إلّا أن ثاني أكسيد الكربون المستخدَم في إنتاجه مُلتَقَط من عمليات أخرى، مما يشكّل تعويضاً عن الانبعاثات الجديدة. لكن التحدّي يبقى في إمكان فرض رقابة مشدّدة، لأنه يمكن استخدام الوقود التقليدي في محركات الوقود الصناعي، مما يُبطل الفائدة إذا لم تُمنع المخالفات. فالوقود الأحفوري، من بنزين وديزل وغاز طبيعي، سيبقى متوافراً للمستهلكين في الأسواق الأوروبية سنوات طويلة بعد 2035، خدمةً للسيارات الموجودة قبل ذلك التاريخ.
و«الوقود الصناعي» مزيج من ثاني أكسيد الكربون الملتقط كمُنتج ثانوي من الصناعة أو وسائل النقل، والهيدروجين المنتَج عن طريق التحليل الكهربائي للمياه، باستخدام مصادر متجدّدة نظيفة كالشمس والرياح. ويرى المعترضون أن هذا يؤجل المشكلة ولا يحلّها، إذ المطلوب هو الوصول إلى «صفر انبعاثات كربونية». وهذا ممكن التحقيق عن طريق استخدام المحركات العاملة بالكهرباء أو الهيدروجين، وليس بالاحتراق الداخلي، الذي، بطبيعته، يولّد انبعاثات كربونية. وبينما تعمل السيارات الكهربائية على بطاريات يتم شحنها من شبكات خارجية، فمحركات الهيدروجين تعمل بالخلايا الضوئية داخل السيارة نفسها، التي تولّد الكهرباء نتيجة لتفاعل الهيدروجين مع الأكسجين، فتنحصر الانبعاثات برذاذ الماء.
فكرة الوقود الصناعي تستحق المناقشة، وقد تساعد في التحوّل السلس إلى الطاقة النظيفة الخالية كلّياً من الانبعاثات. لكن وقوف كبريات شركات صناعة السيارات الألمانية وراءها يضع شكوكاً حول مصداقيّتها والأهداف الحقيقية وراءها. فهذه الشركات، التي تفخر بإنتاج أسرع السيارات في العالم، هي نفسها التي تضغط لمنع وضع حدّ للسرعة القصوى على الطرقات الألمانية، لتبقى سياراتها مفضّلة لدى السائقين المحبّين للسرعة. وهي نجحت حتى اليوم في فرض إرادتها ومنع التغيير، بدعم من الأحزاب نفسها التي تحمل شعارات الديمقراطية والحرية، وكأن الحرية هي الحق في الموت والقتل على الطرقات أو مضاعفة التلويث. فالقيادة على سرعة 120 كيلومتراً في الساعة تزيد الانبعاثات الكربونية بمقدار 30 في المائة، عمّا لو كانت 100 كيلومتر، كما تتضاعف مرات كلّما زادت السرعة، وصولاً إلى ما يتجاوز 200 كيلومتر في الساعة على الطرقات المفتوحة. لذا يجب البدء بوضع حدّ أقصى للسرعة على الطرقات الألمانية لإثبات جدّية التعاطي مع قضايا البيئة والمناخ، وإلا بقي الحديث عن الفوائد المناخية للوقود الصناعي محصوراً في العلاقات العامة، الذي يخفي غير ما يدّعي.
أما على الجهة الأخرى من الحدود الألمانية، حيث حدّدت الحكومة الهولندية السرعة بما لا يتجاوز مائة كيلومتر في الساعة، فالمشكلة مختلفة، إذ حصد «حزب الفلّاح المواطن»، الذي يحتل مقعداً واحداً في مجلس النواب الهولندي، العدد الأكبر من المقاعد في انتخابات المجالس المحلية الشهر الماضي. وهذا أعطى دفعاً قويّاً لمطالبته بتأخير خطة الحكومة فَرْض خفض جذري في النشاطات المؤدية إلى زيادة غازات الاحتباس الحراري، خصوصاً غاز الميثان المتولّد من تربية الأبقار، والنيتروجين الناتج من زراعات مثل الذرة التي تُستخدم لصناعة الأعلاف. ولأن الميثان والنيتروجين، إلى جانب ثاني أكسيد الكربون، من أقوى غازات الاحتباس الحراري، وضعت الحكومة الهولندية برنامجاً لتخفيض سريع في الانبعاثات، تقول إنه ضروري لتحقيق أهدافها المناخية وفق الجدول الزمني الذي التزمت به. هذا يعني تحويل آلاف المزارع، لا سيما تلك التي تُنتج الأعلاف وتربّي الأبقار، إلى نشاطات زراعية أخرى، تصدر عنها انبعاثات أقلّ. ومع اعترافهم بالمخاطر المناخية من ممارساتهم الزراعية، يطالب المزارعون بتخفيف سرعة الإجراءات.
القوة المستجدّة لحزب الفلاحين أجبرت الحكومة الهولندية والاتحاد الأوروبي على فتح باب التفاوض من جديد. والمأمول ألا تتحكم بالمفاوضات الطروحات الشعبوية من جهة المزارعين، والتمسُّك بأهداف نظرية آيديولوجية من جانب الحكومة الهولندية والاتحاد الأوروبي.
لكن المشهد ليس قاتماً بالكامل، إذ صدرت أيضاً أصوات مختلفة. فبعض شركات السيارات في ألمانيا نفسها، التي استثمرت المليارات في المحركات الكهربائية، اعترضت على تمديد السماح بمحركات الاحتراق الداخلي إلى ما بعد 2035، وطالبت بوضع قيود صارمة لمنع سوء استخدام هذا التدبير الاستثنائي، مما انعكس في التسوية النهائية. وتوصلت دول الاتحاد الأوروبي أخيراً إلى اتفاق بتسريع التحوُّل إلى الطاقة المتجددة، وصولاً إلى 45 في المائة سنة 2030، بزيادة كبيرة عن هدف 32 في المائة الذي حُدِّد سابقاً. وعلى المقلب الثاني من المحيط، أعلنت ولاية كاليفورنيا الأميركية قانوناً يفرض أن تكون نصف الشاحنات المُباعة سنة 2035 عاملة على الكهرباء.
يبقى الشرط الأساسي لنجاح أي تدابير لحماية البيئة ومجابهة التغيُّر المناخي حدوث تغيير جذري في أنماط الاستهلاك. ذلك أن استمرار العادات الاستهلاكية المتفلّتة كفيل بالقضاء على أي فوائد من تنظيف أساليب الإنتاج، أكان باستخدام الطاقة المتجددة أو الوقود الصناعي. وإذا كان الخيار بين أساليب الحياة والحياة نفسها، فعلى سائقي ألمانيا وفلاحي هولندا تغيير الأساليب للحفاظ على الحياة.
* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)
ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

وقود صناعي للبيئة أم لطرقات ألمانيا السريعة وقود صناعي للبيئة أم لطرقات ألمانيا السريعة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon