توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التسويات تصنع الاتفاقيات

  مصر اليوم -

التسويات تصنع الاتفاقيات

بقلم:نجيب صعب

كما في السياسة والاقتصاد، كذلك في البيئة والمناخ. فالتسويات هي التي تصنع الاتفاقيات الكبرى، حيث تتشابك الوقائع وتتضارب المصالح وتتشعب الخيارات. وليست التسويات عيباً، إذ لا أحد يملك ناصية الحقيقة وحده في هذه القضايا المعقدة.
وقد تكون المبادرة الأكثر تعبيراً عن اعتراف العالم بضرورة التفاوض في القضايا البيئية وصولاً إلى تسويات مقبولة هي «نشرة مفاوضات الأرض»، التي ترصد يومياً الاجتماعات الدولية المعنية بالبيئة والتنمية والمناخ. ومنذ انطلاقها مع قمة الأرض في ريو دي جانيرو عام 1992، أصبحت هذه النشرة المرجع الأهم لتوثيق مواقف الدول والمنظمات في الاجتماعات والمفاوضات، بناءً على تقارير يعدها مندوبون مستقلون يحضرون المناقشات. وتصدر النشرة عن «المعهد الدولي للتنمية المستدامة»، وهو مؤسسة غير حكومية تأسست في كندا عام 1988. ويعكس اسم النشرة الواقع الذي تواجهه قضايا البيئة والتنمية، إذ إن ما يحتاجه العالم لإنقاذ هذا الكوكب المهدد لا يقل عن مفاوضات جدية وصادقة من أجل الأرض.
رافقت التسويات العمل البيئي الدولي منذ انطلاقه في مؤتمر استوكهولم حول البيئة البشرية عام 1972، لكنها برزت بقوة للمرة الأولى في المفاوضات لحماية طبقة الأوزون، التي بدأت عام 1982، واقتصرت نتائجها لسنوات على تفاهمات عامة حول ضرورة الحد من انبعاثات مواد «الكلورو فلورو كربون» المسببة لترقق طبقة الأوزون. غير أن الأبحاث العلمية خلال السنوات اللاحقة وجدت أن تخفيف استخدام هذه المواد المضرة لا يكفي، بل يجب وقفها كلياً في أسرع وقت. واقترح العلماء سنة 2000 موعداً للإلغاء التام. لكن حين عجز المفاوضون عن الاتفاق، تم التوصل عام 1987 إلى تسوية بتخفيض الإنتاج والاستخدام إلى النصف سنة 2000، وإعطاء الدول النامية فترة سماح ومساعدات تقنية ومالية لتمكينها من الالتزام. ومع النجاح في تطبيق بنود الاتفاقية أسرع من المتوقع، قررت الدول الأعضاء لاحقاً تقديم موعد الوقف الكلي للمواد المستنزفة للأوزون، وليس 50 في المائة فقط، إلى 1997، ونجح العالم في تنفيذ هذا الهدف.
حين تراجع مصطفى كمال طُلبة، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة آنذاك، الذي كان يدير المفاوضات عام 1987، عن موقفه المبدئي بشأن الإنهاء الكامل لإنتاج واستخدام المواد المستنفدة لطبقة الأوزون بحلول سنة 2000، اتهمه البعض بخيانة قضية البيئة. وكان في طليعة المهاجمين منظمات غير حكومية، على رأسها «غرينبيس». ونتذكر جواب طُلبة الشهير: «إذا كنا نريد حماية البيئة، فلنبدأ بخطوة وسوف تليها خطوات. وما لا يمكن أن يُدرَك كله لا يجوز أن يُترَك كله». وقد أثبتت التطورات خلال سنوات قليلة أن مصطفى طُلبة لم يخُن القضية، بل كان، ببساطة، أكثر واقعية.
هذا لا يعني إطلاقاً التنازل عن الحقائق العلمية والسكوت عن الجرائم البيئية. فعلى المجرمين الذين يعيثون في البيئة والطبيعة فساداً أن يدفعوا الثمن كاملاً، وفق قوانين صارمة، سواء أكان الأمر يتعلق بتلويث الأرض والمياه والهواء، أم باستنزاف الموارد الطبيعية وهدرها. هذا النوع من الجرائم يجب أن يكون خارج التسويات. غير أن قضايا معقدة مثل المناخ، وقبلها الأوزون، تتداخل فيها أمور متشعبة تنعكس فيها الواحدة على الأخرى، ويتطلب حلها الموازنة بين خيارات كثيرة.
ليست المسألة دائماً أبيض أو أسود، إذ يمكن أن يكون الحل المرحلي رمادياً. هناك حقائق علمية ثابتة يجب أن تبقى خارج المساومة. لكن قد يكون من الضروري إخضاع البرنامج التطبيقي لدراسة تأخذ في الاعتبار الانعكاسات كافة، واعتماد خطة مرحلية على هذا الأساس. فليس الوقف المتسرع للوقود الأحفوري، مثلاً، في مصلحة البيئة، إذا حصل قبل توفير بدائل، وأدى إلى قطع الغابات بحثاً عن حطب للطبخ والتدفئة في البلدان الفقيرة.
ذكرت قبل أيام الناشط فؤاد حمدان، الذي يتابع منذ سنوات العمل البيئي والإنساني الدولي في منظمات ألمانية تعنى بحقوق الإنسان والطبيعة، بحديث معه عام 1999، حين كان يقود حملات «غرينبيس» في بيروت. في ذلك الزمن، تعرض ناشطو المنظمة البيئية للضرب من رجال الأمن حين اقتحموا مصنعاً تصدر عنه انبعاثات ملوثة، وأوقفوا عمله لبعض الوقت. وفي حين كانت معظم المعلومات التي أعلنوها عن مستويات التلويث وأنواع الملوثات ص

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسويات تصنع الاتفاقيات التسويات تصنع الاتفاقيات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon