توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المناخ والتهديد بالويل والثُبور وعظائم الأمور

  مصر اليوم -

المناخ والتهديد بالويل والثُبور وعظائم الأمور

بقلم - نجيب صعب

التقرير الصادر قبل أيام عن الهيئة العلمية التي تقدم المشورة إلى الأمم المتحدة حول تغيُّر المناخ لم يأتِ بجديد، عدا تأكيد ما هو معروف منذ سنوات: أن المناخ يتغيَّر أسرع من المتوقَّع، والنتائج ستكون مدمّرة وكارثية في غياب معالجات فورية. كما أن الحل لا يزال بعيد المنال؛ لأن الدول لم تلتزم بما وعدت به في المؤتمرات والمعاهدات المناخية منذ ثلاثة عقود.
«الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ»، التي تجمع علماء من جميع أنحاء العالم، أصدرت منذ إنشائها عام 1988 مجموعة من التقارير العلمية، كانت الأساس الذي ارتكزت إليه الاتفاقات المناخية منذ بدأت «قمم الأطراف» قبل 27 عاماً. التقرير الأخير كان بمثابة ملخّص لعمل اللجنة وأبحاثها خلال خمس سنوات، وهو توصّل إلى استنتاجات وتوصيات يُفترض أن تشكّل الخلفية العلمية للخيارات السياسية التي ستناقشها قمة المناخ الثامنة والعشرون في الإمارات نهاية السنة.
أبرز استنتاجات التقرير، أن حَصْر ارتفاع معدلات الحرارة بدرجة ونصف درجة مع نهاية هذا القرن لم يعد هدفاً ممكن التحقيق، بسبب التأخر في تنفيذ الالتزامات المطلوبة لتخفيض الانبعاثات الكربونية. هذا يعني أن نطاق الآثار التي لن يمكن وقفها سيتوسَّع، أكان في ارتفاع البحار أو الجفاف أو تسارع وتيرة الكوارث الطبيعية المتطرفة وحجمها، مما يستتبع زيادة ميزانيات التكيُّف، استعداداً للتعامل مع تأثيرات لم يعد ممكناً ردُّها. لكن هذا لا يعني أننا دخلنا في قَدَر محتوم لن تجدي معه أي تدابير، كما يروّج بعض أرباب الصناعات والنشاطات الملوِّثة. فتسريع تدابير خفض الانبعاثات، وإن كان لن يوقف ارتفاع الحرارة عند درجة ونصف درجة، سيضع حدّاً للارتفاع، لتجنُّب نتائج أكثر كارثية. كما يمكن، خلال فترة زمنية، امتصاص جزء من فائض غازات الاحتباس الحراري، إما بأساليب طبيعية مثل زيادة مساحات الغابات، أو صناعية بالتقاط الكربون من الجو وتخزينه. أما زيادة الانبعاثات بلا حدود فيضع التغيُّر المناخي وتأثيراته خارج أي ضوابط يمكن التعامل معها.
يستنتج التقرير أيضاً، أن ما نفعله اليوم سيقرّر مستقبل البشرية لآلاف السنين؛ إذ قد يؤدي إلى تغييرات متطرفة في الطبيعة تستتبع تعديلات جذرية في أنماط الحياة البشرية التي نعرفها، مع انقراض بعض الأنواع. ومع هذا، يؤكد التقرير أن الحل لا يزال ممكناً، وذلك بالارتكاز إلى الحقائق العلمية لوضع سياسات واقعية، تتحمل مسؤوليتها الحكومات. لكنه أيضاً يحمّل الناس جزءاً كبيراً من المسؤولية؛ إذ يطالبهم بتغيير أنماط الاستهلاك بما يؤدي إلى ترشيد استخدام الموارد وخفض الانبعاثات. وهنا التحدّي الجوهري؛ إذ إن السياسات العامة هي المحرّك الرئيسي لأي تبديل جذري في أنماط الاستهلاك. كما لا يمكن مطالبة مليارات البشر في الدول الفقيرة، الذين يفتقرون إلى أبسط شروط الحياة من مياه وغذاء وكهرباء وصحة وتعليم، بأن يهتمّوا بقضايا المناخ، بينما همّهم الوحيد تأمين متطلبات العيش يوماً بيوم.
مفيدٌ جداً أن يذكّر التقرير بحقائق علمية، لكن من الضروري تفسيرها للجمهور على نحو سهل ودقيق، فتصل إلى الناس واضحة، مع شرح للخيارات المتاحة والحلول الممكنة. وهذا يساعد في تكوين رأي عام فاهم وفاعل، بمقدوره الضغط على السلطات لاعتماد سياسات ملائمة تستجيب للتحديات المناخية.
غير أن ما يحصل مغاير لهذا تماماً، وليس أصحاب التقرير العلمي مسؤولين عنه. فالمنظمات ووسائل الإعلام قدَّمت التقرير على أنه تحذير من نهاية محتومة للجنس البشري، بلا شرح وتفسير وتحديد للمسؤوليات وعرض للحلول الممكنة. وقد يكون التهديد الأكبر بالويل والثبور وعظائم الأمور ذلك الكلام الذي أطلقه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش؛ إذ وصف التقرير بالإنذار الأخير والقنبلة المناخية الموقوتة التي تتراجع فرص منع انفجارها. صحيح أن كلام الأمين العام يصدر عن نيّة حسنة، لكن كان من الأجدى بدل تخويف الناس الذين يفتقدون أبسط شروط العيش، التوجه إلى الحكومات لفرض التزامها بالتعهدات. كما كان من الأجدى لإثبات الجدّية والمصداقية أن يبدأ بوقف الهدر في هيئات الأمم المتحدة نفسها، انطلاقاً من تعزيز الكفاءة وتوجيه الموارد بما يساعد في دفع العمل المناخي قدماً. ومن الضروري أن تبدأ المنظمة الدولية بنفسها، فتضع حدّاً للأسفار والرحلات حول العالم، وتفرض السفر الضروري بالدرجة السياحية لموظفيها، كمنظمة للنفع العام، بما يسهم في خفض كبير للانبعاثات. وتُظهِر الصور والتعليقات على وسائل التواصل الاجتماعي التي يعرضها بعض المشاركين في مؤتمرات بيئية دولية، من بانكوك إلى كانكون مروراً بشرم الشيخ؛ شغفاً بالسياحة والترفيه أكثر من الاهتمام بإنقاذ الكوكب والبشرية.
تزامن الإعلان عن نتائج التقرير المناخي مع صدور مقال في «المجلة الأوروبية للقانون الدولي» عن تأثير التخويف والترهيب في تعامل القانون الدولي مع التغيُّر المناخي. المقال يحذّر من انتشار خطابات الخوف بشأن تغيُّر المناخ، باعتباره أحد أخطر التهديدات لحقوق الإنسان. الواقع أن الحقائق العلمية تثبت التأثيرات المدمرة لتغيُّر المناخ، والكشف عنها ضروري للفت النظر إلى المشكلة وتحفيز الإجراءات اللازمة؛ لكن المبالغة في التخويف، وخلط الحقائق العلمية بالخطب العاطفية، يمكن أن تؤدي إلى إرهاق الناس وإبعادهم عن الاهتمام بالموضوع، وصولاً إلى معارضة السياسات المناخية. ويدعو المقال إلى عدم حصر الاهتمام بتغيُّر المناخ فقط، على حساب الحاجات الإنسانية الأساسية الأخرى. فبينما يتحدث قادة العالم منذ عشرين سنة عن «الفرصة المناخية الأخيرة»، يغيب عنهم أن معظم سكان العالم لا يملكون رفاهية التفكير في تغيُّر المناخ. ويخلص المقال إلى أن التخلي عن لغة التخويف والرعب وتحويل الحقائق العلمية إلى سياسات واقعية عادلة شرطٌ لتحقيق عمل مناخي فعّال يدعمه القانون الدولي.
ليس التغيُّر المناخي المسبب الأول للجوع والعطش والمرض وتدهور نوعية الحياة، بل السياسات الخاطئة وإهمال الإصلاح. لذا؛ لا يجوز السماح للسياسيين وقادة المنظمات باستخدام المناخ حجة لتبرير تقصيرهم، عبر لغة التخويف وخلط العِلم والسياسة بالعواطف والخطب الشعبوية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المناخ والتهديد بالويل والثُبور وعظائم الأمور المناخ والتهديد بالويل والثُبور وعظائم الأمور



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon