توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الوزارة ليست جمعية أهلية

  مصر اليوم -

الوزارة ليست جمعية أهلية

بقلم - نجيب صعب

قال لي وزير بيئة يوماً: «نحن وزارة للبيئة، لذا لا نتعاطى السياسة». فأدركت منذ تلك اللحظة أن وزارته لن تنجح في تحقيق أي مهمة جدية، لأن الوزارة كيان سياسي، مهمّتها وضع التشريعات والقوانين التي ترعى البيئة، وإدخال البُعد البيئي في عمل جميع الوزارات، والضغط للحصول على حصة كافية من التمويل في الميزانيات، وإقناع بقية أعضاء الحكومة بمطالبها، وضمان إقرار مشاريعها في مجلس النوّاب، عدا عن إدارة المفاوضات الدولية والثنائية المعنية بجميع شؤون البيئة والمناخ. وهذه كلّها أمور تتطلب إدارة سياسية على أعلى المستويات.
ذكّرني تعليق الوزير بإعطاء بعضهم وصف «التسييس» في صيغة تهمة شائنة لكل من يطلق موقفاً لا يعجبهم، وكأن السياسة ممارسة معيبة، أو لا تحقّ إلا لصفوة مختارة من الذين يتفقون مع محتكري حق التصنيف. مع أن السياسة، في المفهوم الصحيح، يجب أن تكون فن تحقيق المصلحة الوطنية العامة. ومطالبة الناس بحقوقهم الأساسية، وبسلطة القانون والنظام العام فوق أي سلطة أخرى، وبحق المشاركة في القرارات الوطنية الكبرى، بما فيها تلك المتعلقة بالبيئة، هي ممارسة سياسية طبيعية وحقّ مكتسب.
وتتساوى مع وزارات البيئة التي تتنصّل من السياسة تلك الأحزاب التي تحمل اسم «البيئة» أو «الخُضْر»، وتقتصر أهدافها على شعارات مثل التشجير ومحاربة التلوُّث وتنظيف الشواطئ. فالحزب هو كيان سياسي بامتياز، وإلا أصبح جمعية أهليّة. وهدف كل حزب جدّي هو الوصول إلى السلطة، وهو أمرٌ يتطلّب أن يكون جاهزاً للمهمة، عبر برنامج مفصَّل. هذا البرنامج يتضمن خططه في السياسات الاقتصادية والاجتماعية والتربوية والعلمية والصناعية والزراعية والصحية والثقافية، إلى جانب تلك المرتبطة مباشرة بالقضايا البيئية. ولا بدّ من أن تكون له رؤية واضحة للعلاقات الدولية، ما يتيح فهماً أفضل لكل ما ينعكس على التنمية والبيئة والمناخ. فلماذا الإصرار على تسمية مجموعة معيّنة حزباً، إذا كانت مبادئها وأهدافها أقلّ من جمعية أو مؤسسة خيرية حتى؟ وما الضير إذا سمّوها جمعية؟ أم أن اسم «حزب» أعلى مقاماً وأكثر وجاهة؟
يحق للجمعيات الأهلية المختصة بالتوعية أو المساعدات الاجتماعية الابتعاد عن السياسة. لكن قد يتوجب عليها أيضاً، في بعض الحالات، تعاطي شؤون سياسية مرتبطة بعملها، وهذه ليست تهمة إذا تحلّت الممارسة بالشفافية. فمقاطعة جمعية خيرية لنظام سياسي فاسد، ورفض التعامل من خلاله، للحفاظ على حقوق الناس وضمان وصول المساعدات إليهم وليس فقط لمن ترضى عنهم السلطة الفاسدة، هو موقف سياسي ذو طابع إنساني، وهو ليس خياراً بل هو واجب على جميع المتعاطين في الشأن العام.
كما أن جمعيات البيئة التي تكتفي بحملات تنظيف الشواطئ أو إزالة النفايات عن الطرقات، وتتجنب الضغط على المسؤولين السياسيين لإقرار قوانين رادعة وتطبيقها، بما يمنع التلويث من الأساس، تتقاعس عن واجبها بحجّة عدم التعاطي في السياسة. لكنها هكذا تحكم على نفسها بالفشل، وتُبقي نشاطها في إطار الاستعراضات الترويجية.
إحدى أكثر الشخصيات إخلاصاً بين الذين تولّوا وزارة البيئة في المنطقة العربية، حاولت تغطية العجز عن إقرار قوانين ملائمة وفرض تطبيقها، بالنزول شخصياً إلى الشارع وإعطاء ملاحظات للمخالفين أكانوا ممن يرمون النفايات أو يقودون سيارات تنبعث الغازات السامة من عوادمها، وفي بعض الحالات مع اصطحاب شرطي لتوقيفهم. لكن هذه المبادرات، على أهميتها في إعطاء قدوة حسنة، بقيت إجراءات فردية محدودة الفائدة، في غياب قوانين صريحة ورادعة، تفرض غرامات مالية وعقوبات بالسجن على المخالفين. ورغم النيات الحسنة ودماثة أخلاق هذه الشخصية الوزارية، ازدادت الحال سوءاً بعد عشرين عاماً على المبادرات الشعبية في الشارع، في غياب الإرادة السياسية. وتكرّرت هذه التجربة مع وزراء مخلصين يحملون شغف البيئة، نزلوا إلى الشارع والشاطئ للمشاركة في حملات التنظيف، وصعدوا إلى الجبال للمشاركة في التشجير، لكن الأثر كان موضعياً مؤقتاً في غياب الإرادة السياسية التي تنتج قوانين.
فلنترك الجمعيات الأهلية تقوم بعملها التطوّعي النبيل بلا ضغوطات ومحاولات هيمنة، ولنطالب وزارات البيئة بتأدية دورها كهيئات سياسية تضع خططها وفق ما يقتضيه العِلم. فالوزارة التي تتصرف كجمعية أهلية محكومة بالفشل، لأن مهمة المسؤول إيجاد حلول لا طرح الشكوى على الناس بصفتهم حائط مبكى.


* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوزارة ليست جمعية أهلية الوزارة ليست جمعية أهلية



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon