توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تخضير أموال القطاع الخاص

  مصر اليوم -

تخضير أموال القطاع الخاص

بقلم: نجيب صعب

تُقدَّر الاحتياجات الإضافية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في البلدان العربية بما يتجاوز 200 مليار دولار سنوياً. لكن أكثر من نصف هذا المبلغ غير متوافر من مصادر التمويل التقليدية الحالية. فكيف يمكن سدّ الفجوة؟
الحديث عن المليارات المطلوبة لتمويل التنمية المستدامة يستحضر فوراً دور الحكومات وصناديق التنمية والمنظمات الدولية. لكن مصادر التمويل هذه تبقى غير كافية من دون مشاركة فاعلة من القطاع الخاص، مصارفَ وشركاتٍ وأفراداً. ولن يمكن اجتذاب القطاع الخاص إلى الاستثمار في التنمية في غياب سياسات وأُطر تنظيمية تؤمّن عدالة المنافسة وتحمي الاستثمارات، في ظلّ استقرار تشريعي. ويمثّل الأردن تجربة رائدة في هذا المجال، حيث أدت القوانين والحوافز الملائمة إلى استقطاب نحو 3 مليارات دولار في قطاع الطاقة المتجددة خلال السنوات القليلة الماضية، التي شهدت تأسيس 352 شركة تشغّل نحو 8 آلاف موظف، إضافة إلى أضعاف هذا الرقم في الخدمات المساندة. لكن التقدم الذي أحرزه الأردن في هذا المجال مهدّد اليوم بسبب التعديلات المتضاربة في التشريعات، التي تهدف إلى الحصول على ضرائب أعلى في المدى القصير، مما أدى إلى تخويف المستثمرين.
السياسات الملائمة والتشريعات المستقرة يمكنها تحويل فجوة التمويل إلى فرصة تتمثل في خلق أعمال تجارية جديدة، تأتي بمنافع اقتصادية وبيئية واجتماعية على المستوى الوطني. وهي منافع تشمل القطاع المصرفي والمالي. وهناك اليوم مجموعة متزايدة من حلول التمويل المثيرة للاهتمام في السوق، من السندات الخضراء إلى أدوات التمويل المختلطة، التي تجمع بين القطاعين العام والخاص.
على الصعيد العالمي، حصلت زيادة سنوية بمقدار 16 ضعفاً في إصدار السندات الخضراء، من 11 مليار دولار عام 2013 إلى نحو 175 مليار دولار اليوم. لكن رغم نموها السريع، فإنها لا تزال بعيدة عن المساهمة الحاسمة في تمويل تكلفة التنمية المستدامة، وبالتأكيد بعيدة جداً عن سوق السندات العالمية المقدرة بنحو 100 تريليون دولار. ومع أن السندات الخضراء في الدول العربية لا تزال في مهدها، إلا أنها بدأت في اكتساب الزخم. ففي عام 2013 أصدر «بنك التنمية الأفريقي» سندات صديقة للبيئة استخدمت عائداتها جزئياً لتمويل مشروعين في تونس ومصر. وفي عام 2017 أطلق «بنك أبوظبي الوطني» أول إصدار لسندات صديقة للبيئة في المنطقة العربية بقيمة 587 مليون دولار، تستحق في عام 2022. ويُعَدّ التمويل المختلط شكلاً مبتكراً آخر لتمويل التنمية، وذلك بالاستفادة من المساعدة الإنمائية كضمانة لاستقطاب تمويل إضافي من القطاع الخاص.
ويحمل استغلال إمكانات التمويل الإسلامي من خلال الصكوك، أي السندات المتوافقة مع الشريعة، فرصاً كبيرة لتمويل البنية التحتية ومشروعات الطاقة النظيفة والمتجددة والتغير المناخي. وهناك مجال آخر هو تصميم المنتجات المالية التي تناسب العمالة المهاجرة، بحيث يمكن تسخير التحويلات في مزيد من الاستثمار الإنمائي. لكن هذا كله يحتاج إلى تشريعات مستقرة تحمي الاستثمارات والودائع الخاصة.
إن اعتماد سياسات متكاملة للتنمية المستدامة أمر ضروري لاستقطاب التمويل الكافي للأنشطة الكفيلة بتحقيق أهدافها. وينبغي دعم ذلك بمجموعة من التدابير التنظيمية القائمة على اقتصاد السوق، مع ضمان أن تكون السياسات والخطط والبرامج المقترحة عادلة اقتصادياً واجتماعياً ومقبولة بيئياً. ولا يجوز حصر القوانين، التي يجب تطبيقها بالتساوي على الجميع، في القيود والموانع فحسب، بل يجب أيضاً توفير حوافز لتشجيع الأنشطة والاستثمارات المستدامة. وعلاوة على ذلك، فإن اعتماد نهج شفاف وقابل للمساءلة وقائم على المشاركة هو مطلب ضروري لتحقيق هذه الغاية. وأحد التحديات التي تواجه الدول العربية هو التدفقات المالية غير المشروعة وغسل الأموال وسرقة الأموال العامة وهدرها. وينبغي بذل الجهود للحد من هذه الممارسات.
وفي حين يغطي القطاع المصرفي جزءاً من تمويل مشروعات التنمية، فإن نسبة صغيرة جداً من أعماله يمكن تصنيفها على أنها «تمويل أخضر». ويرى الاتحاد المصرفي الأوروبي أن عدم الوضوح في تحديد عناصر «التمويل الأخضر»، مثل «القروض الخضراء» و«الأصول الخضراء»، يشكل عائقاً أمام تصنيف هذه العناصر، وبالتالي أمام تطوير فرص إضافية للتمويل الأخضر. هناك حاجة، إذن إلى وضع حدّ أدنى من القواعد للإفصاح عن مكونات التمويل الأخضر، بما يسمح بإتاحة الموارد المالية للمشروعات الخضراء، وتقويم الأصول، وتحليل أوضاع السوق والمخاطر، وتطوير منتجات مالية جديدة يمكن تقديمها على أسس قابلة للمقارنة مع منتجات أخرى. وحدها هذه القواعد الرقابية كفيلة بمنع نشوء سوق إجرامية تقوم على «تخضير الأموال»، باستغلال الاستثمارات المخصصة لمشروعات التنمية المستدامة الصديقة للبيئة في وجهات معاكسة. المطلوب تخضير الاستثمارات في الاتجاه الصحيح، إذ يكفي الأسواق ما تعانيه من تبييض إجرامي للأموال.
على الهيئات التنظيمية والرقابية العمل مع المصارف لاعتماد أفضل الممارسات في إدارة المسائل المرتبطة بالبيئة. فلا يزال تأمين تمويل طويل الأجل لمشروعات ذات طابع بيئي مقيّداً بشروط معقّدة، وتحدّيات مضاعفة لتقييم المخاطر لفترة طويلة، ما يستدعي تقديم ضمانات مالية أعلى، ويجعل المشروعات أقل جدوى من الناحية الاقتصادية والمالية. ويمكن معالجة بعض هذه العوائق من خلال تدابير تنظيمية وسياسات موجهة نحو إعطاء تسهيلات وحوافز للتمويل طويل الأجل للمشروعات التي ينطبق عليها تصنيف التنمية المستدامة.
كما يتعين على المؤسسات العامة، المحلية والدولية، المشاركة في تحمل مخاطر بعض أنواع التمويل مع المصارف التجارية ومصادر التمويل من القطاع الخاص. فبعض هذه المشروعات ضرورية لتحقيق أهداف التنمية. لكن فوائدها تظهر على المدى الطويل، بينما قد لا تكون ذات جدوى تجارية بحتة وفق الممارسات السائدة. كما أن السياسات المالية الملائمة ضرورية لتشجيع التمويل الأخضر، على شكل حوافز من البنوك الوطنية المركزية، مثل منح فترة سماح وفوائد تشجيعية وقبول بعض الأصول الخضراء كضمانات للقروض.
التنمية الخضراء تحتاج إلى تمويل أخضر. وإذا كان للحكومات الدور الأساسي في السياسات والتشريعات، إلا أن القطاع الخاص يبقى مصدراً مهمّاً للاستثمار. فكيف نعطيه الحوافز؟

- الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) رئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تخضير أموال القطاع الخاص تخضير أموال القطاع الخاص



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 06:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يعتلي صدارة هدافي دوري الأمم الأوروبية

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon