توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أين نجحت قمة شرم الشيخ؟

  مصر اليوم -

أين نجحت قمة شرم الشيخ

بقلم - نجيب صعب

مع انتهاء قمة المناخ في شرم الشيخ، ستكثُر التحليلات التي تصنّف النتائج في مروحة واسعة بين الفشل والتقصير والانتصار المُبين. وهذا يعود في الغالب إلى اعتماد أهداف غير واقعية أو إلى مبالغة في الاعتراض أو الإشادة. والطريف أن بين أعلى الأصوات التي تهاجم القمة بعض الذين كانوا يستجدون الحصول على دعوة بهدف السياحة في شرم الشيخ، ولم يقدموا أي مساهمة إيجابية في المؤتمر. وعلى الطرف المعاكس، بدأت بعض الأصوات، خصوصاً في الدولة المُضيفة، تتحدث عن القمة بوصفها «أعظم النجاحات في تاريخ العمل المناخي».
الحقيقة أنّ القمة لم تفشل، كما أنّها لم تحقق أقصى الطموحات. فقد قامت مصر بواجبها الكامل، كدولة مُضيفة تولّت مهام رئاسة المؤتمر، وحملت هموم أفريقيا كما كان منتظراً منها. وما تمّ تحقيقه كان أفضل الممكن في ظلّ الأوضاع الدولية الراهنة، حيث نجحت الدبلوماسية المصرية في إدارة الخلافات وإبقاء الباب مفتوحاً حيثما تعذّر الاتفاق. وقد يكون الإنجاز الأهم الذي حققته أنها استفادت من موقع مصر المعتدل لمنع انتقال المواجهات الجيوسياسية المتفاقمة، من أوكرانيا إلى تايوان، إلى قاعات المؤتمر. ونجحت في إدخال «الخسائر والأضرار» بنداً في جدول الأعمال، وصولاً إلى إقراره، ولو كان عن طريق تسوية لم تربطه مباشرة بمبدأ التعويضات.
رؤساء أكبر الاقتصادات في العالم حضروا، رغم الانهيارات التي تواجهها بلدانهم، بينما كانت التوقعات أن يتغيّب معظمهم، تجنّباً للإحراج بسبب عدم الجهوزية للالتزام بزيادات معتبرة في التمويل. من المستشار الألماني أولاف شولتز، إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك، وصولاً إلى الرئيس الأميركي جو بايدن، جدّد الجميع التزامهم بالعمل المناخي. وبرز تأكيد شولتز أن الحرب الروسية في أوكرانيا، رغم آثارها السلبية على تمويل العمل المناخي، ستعزز تدابير الكفاءة وترشيد الاستهلاك في المدى القريب، وتسرِّع التحوّل إلى الطاقات النظيفة والمتجددة في المدى المتوسط. ومع هذا، استمر الخلاف على توزيع التكاليف، مع تفاقم الانهيارات الاقتصادية في العالم.
وقد افتُتح الأسبوع الثاني برسالة من قمة العشرين في بالي، حيث أعلن الرئيسان الأميركي بايدن والصيني شي عن استئناف التعاون المناخي بين أكبر دولتين ملوِّثتين في العالم. ومن بالي أيضاً، أعلن رئيس الوزراء الأسترالي أنطوني ألبانيز أن أقصر طريق للتعافي من الأزمات العالمية، بما فيها آثار جائحة كورونا والتضخُّم، هو تعاون دول العالم في مواجهة أزمة المناخ. وكغيره من الرؤساء، كرر الالتزام بتقليص الانبعاثات والتحوّل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة، بما يمثل نقضاً كاملاً للمواقف المناخية الضعيفة للحكومة الأسترالية السابقة.
وفيما اعتبرت الدول الغنية أن تمويل الخسائر والأضرار يمكن أن يأتي عبر صناديق وآليات موجودة، لا سيما صندوق التكيف المناخي، أصرت الدول النامية على صندوق مستقل، بحيث يتناسب حجم المساهمات مع المسؤولية التاريخية عن الانبعاثات. هذا دفع الاتحاد الأوروبي إلى اقتراح تسوية تدعم إنشاء صندوق مخصص لتمويل الخسائر الناجمة عن الكوارث المناخية، بشروط أهمها حصر تقديماته بالدول الأكثر فقراً وتضرُّراً والالتزام بخفض الانبعاثات، وتوسيع نطاق المساهمات إلى دول كانت تصنَّف «نامية» عند بدء المفاوضات قبل ثلاثين عاماً، ولم تعد كذلك اليوم. وكالعادة، اختبأت الصين وراء الدول الفقيرة لتعفي نفسها من المساهمة، حتى بعدما أصبحت أكبر مصدر للانبعاثات.
زيادة التمويل لبرامج «التكيُّف»، أي التدابير الوقائية للتعامل مع آثار التغيُّرات المناخية، كانت أولوية للرئاسة المصرية، لأنها أبرز ما يواجه القارة الأفريقية والدول النامية. فموجات الجفاف والفيضانات القاتلة ليست مجرد مخاوف للمستقبل، بل وقائع تضرب هذه الدول اليوم، وهي عاجزة عن التصدي لها. حقق المؤتمر تقدّماً في الاعتراف بوجوب زيادة التمويل المخصص للتكيُّف، لكن هذا اقتصر، في الغالب، على إعادة توزيع لبنود الميزانيات.
الحضور العربي المتفاعل كان من أبرز ما ميّز قمة شرم الشيخ. فبينما كان ردّ الفعل في الماضي، حيال تجاهل تحفظات عربية محقة، ينحصر في الانكفاء أو التعطيل، برزت هذه المرة مبادرات عملية، خصوصاً ضمن برامج «الشرق الأوسط الأخضر» و«السعودية الخضراء»، دمجت التشجير والتقاط الكربون وإعادة استعماله وتخزينه، مع تعهّدات زمنية محددة بتخفيض الانبعاثات والتحوّل إلى الطاقة النظيفة والمتجددة. كما دخلت الإمارات والسعودية في برامج كبرى للهيدروجين والطاقات المتجددة، عن طريق شراكات واستثمارات ضخمة. وأعلنت مصر وتونس والمغرب والأردن عن برامج عملية تدمج بين تخفيف الانبعاثات والتكيُّف. ومن النتائج البارزة إقرار «مبادرة أسواق الكربون الأفريقية»، التي تولت مصر قيادة مفاوضاتها. وتبقى العبرة في النتائج، أكان في التقاط الكربون أو أسواقه.
قمة شرم الشيخ حققت أفضل الممكن، إذ أثبتت استمرار الالتزام المناخي كهدف محتوم لا رجوع عنه، رغم العقبات. أما ندرة التقديمات المالية الجديدة فلم تكن مسألة مفاجئة، وتم تعويضها جزئياً باستثمارات وشراكات مع القطاع الخاص، ما يستدعي من البلدان النامية صياغة القوانين الملائمة لاجتذاب مزيد منها في المشاريع الصديقة للمناخ ووضع القواعد اللازمة لمراقبتها. كما طالبت القمة مؤسسات تمويل التنمية، وفي طليعتها البنك الدولي، بتعديل قواعد عملها، فتعطي الأفضلية للمشاريع الصديقة للمناخ، ضمن شروط ميسّرة. وهذا ينطبق، بالطبع، على صناديق التنمية العربية، الإقليمية والوطنية، التي عليها تفعيل برامج التمويل المناخي وتوسيع نطاقها.
ما يطلبه العلم لمنع الكارثة الكبرى لا يقلّ عن وقف فوري للانبعاثات الغازية المسببة للتغير المناخي؛ لكن الواقع يفرض تحوُّلاً تدريجياً يعطي الوقت الكافي لإيجاد بدائل ووضعها قيد التنفيذ. لهذا كانت خلافات الساعات الأخيرة بين المطالبين بالوقف التدريجي والتخفيف التدريجي، وهل ينطبق هذا على الفحم الحجري فقط أم على جميع أنواع الوقود الأحفوري، مع ما تعنيه كل عبارة من انعكاسات على اقتصادات الشعوب وحياتها.
نجحت قمة شرم الشيخ في الإبقاء على باب الحلول التنفيذية مفتوحاً، لكن الخلاف مستمر على من يدفع الثمن، فعلاً لا قولاً. ولعل قمة المناخ في أبوظبي السنة المقبلة تقر صيغة مقبولة لتفعيل قرار «الخسائر والأضرار»، فيتحول تمويل الحكومات الغنية للعمل المناخي في البلدان النامية من «صدقات» طوعية إلى «تعويضات» مستحَقَّة، بمشاركة الأغنياء والملوِّثين الجدد. لكن على الدول النامية، في المقابل، الوفاء بالتزاماتها وترتيبب بيتها من الداخل، والتوقف عن اعتبار المطالبة بالحكم الرشيد والشفافية ومكافحة الفساد اعتداءً على سيادتها.
يبقى أن تعزيز ميزانيات التكيف والتعويضات عن أضرار الكوارث المناخية يجب ألا يلهي عن الهدف الرئيسي في تخفيف الانبعاثات، لمنع ارتفاع معدلات الحرارة فوق الدرجة ونصف الدرجة، ما يتسبب بخسائر مضاعفة وكوارث أعظم تعصى على الحل.


- الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)
ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أين نجحت قمة شرم الشيخ أين نجحت قمة شرم الشيخ



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon