توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بعد فرانس تيمرمنز من يجترح التسويات المناخية؟

  مصر اليوم -

بعد فرانس تيمرمنز من يجترح التسويات المناخية

بقلم - نجيب صعب

النقاش الساخن الذي رافق اختيار بديل عن فرانس تيمرمنز، نائب الرئيس التنفيذي لمفوضية الاتحاد الأوروبي المسؤول عن السياسات المناخية و«الصفقة الخضراء»، يؤكّد الموقع المحوري الذي يحتلّه المناخ في السياسات الدولية اليوم. فالمرشحون لخلافته خضعوا لسلسلة من الاستقصاءات والأسئلة المحرجة، للتأكد من مواقفهم والتزاماتهم.

لكن في حين تعد الدول الأوروبية المناخ والبيئة في طليعة الأولويات السياسية، تستمر البيئة في معظم الدول العربية موضوعاً من الدرجة الثانية. وفي حين يدور الصراع في أوروبا على قيادة سياسات البيئة والمناخ بين سياسيين من أرفع المستويات، يستمر توزيع حقائب البيئة والمناخ في كثير من حكوماتنا كجوائز ترضية للأقليات الحزبية والاجتماعية والعرقية. وأذكر أنه حين تم تعيين وزير سابق للخارجية وزيراً للبيئة في لبنان قبل عقدين من الزمن، اعتُبر هذا بمثابة عقاب من العهد الجديد، وليس لدعم البيئة بشخص يحمل خبرات في العلاقات الدولية. أما الذي تقدم التنافس على احتلال مركز فرانس تيمرمنز في الاتحاد الأوروبي اليوم فهو وزير الخارجية الحالي ووزير المال السابق في هولندا، ووبكي هوكسترا، باعتبار المنصب الجديد ترقية لا عقاباً، كما حصل مع وزير الخارجية اللبناني الأسبق. وقد واجه هوكسترا، منذ رشّحته حكومته للمنصب، اعتراضات من مجموعات بيئية بسبب عمله السابق في قطاع النفط، كما اتهمته الأحزاب اليسارية في البرلمان الأوروبي بعدم وضوح مواقفه من قضايا العدالة الاجتماعية وتوزيع الأعباء. لكنه في النهاية قدَّم التزامات للنجاح في امتحان التسويات.

استقال تيمرمنز من منصبه في المفوضية الأوروبية ليقود حزبه في الانتخابات البرلمانية المقبلة في هولندا، سعياً للوصول إلى رئاسة الحكومة. وإذا كان هذا سيؤدي إلى دعم العمل البيئي والمناخي في هولندا، فهو سيُحدث فراغاً على المستوى الأوروبي لن يكون من السهل ملؤه. فقد حفلت ولايته بإنجازات كبرى، نقلت العمل البيئي والمناخي إلى مراحل متقدّمة. ومنذ تسلُّمه ملفّي المناخ و«الصفقة الخضراء» قبل أربع سنوات، حقق تيمرمنز ما عجزت المفوضية الأوروبية عن تحقيقه خلال أكثر من 15 عاماً، داخل أوروبا كما في المفاوضات الدولية، بعد نجاحه في تمرير 12 قانوناً أوروبياً لخفض الانبعاثات الكربونية إلى الصفر بحلول سنة 2050. ولتجنُّب احتماء بعض الدول بالأهداف طويلة الأجل للتقاعس والتأجيل، التزم الاتحاد الأوروبي بخفض مرحلي للانبعاثات إلى النصف بحلول سنة 2030، بعدما استطاع تيمرمنز تجاوز اعتراضات دول كثيرة طالبت بتمديد المهلة، بينها فرنسا. وبدلاً من التمديد، وافق الاتحاد الأوروبي لاحقاً على تعزيز خفض الانبعاثات إلى 55 في المائة بدلاً من 50 بحلول 2030.

قد تكون «الصفقة الأوروبية الخضراء»، التي أُقرَّت عام 2020، أبرز البرامج التي يقودها تيمرمنز. وتتميّز هذه المبادرة بأنها تربط العمل المناخي برعاية البيئة وحماية الموارد الطبيعية، عن طريق مراجعة جميع القوانين للتأكد من مطابقتها للشروط المناخية والبيئية، بما يضمن تحوُّل أوروبا إلى مجتمعات عادلة ومزدهرة، تعتمد اقتصاداً دائرياً تنافسياً.

ومن أهم مكوّنات «الصفقة الخضراء» التحوُّل إلى الطاقة النظيفة، مع التركيز على تعزيز الكفاءة وترشيد أنماط الاستهلاك، إلى جانب تعميم مصادر الطاقة المتجددة وتطوير تقنيات الهيدروجين الأخضر. ويكتسب التحوُّل إلى الصناعة الأنظف واعتماد الاقتصاد الدائري في الإنتاج والاستهلاك أهمية كبرى في الخطة، برفع نسبة إعادة الاستعمال، وتدوير المواد في عمليات صناعية جديدة بدلاً من اعتبارها نفايات. ومن الأمثلة البسيطة على نجاح هذه التدابير أنّ فرْض رهن مالي على جميع أنواع العبوات الفارغة رفعَ نسبة إعادتها إلى المراكز المخصصة لاسترجاع ثمنها إلى أكثر من 90 في المائة، بدلاً من رميها مع النفايات. وكثيراً ما ترى صغاراً وكباراً في مدن أوروبية يجمعون العبوات والقناني القليلة المرمية في مستوعبات النفايات أو على جوانب الطرقات، لتحصيل قيمة الرهن.

ومن مكوّنات «الصفقة الخضراء» أيضاً استخدام مواد قابلة لإعادة الاستعمال في صناعة البناء، وتجديد الأبنية القديمة لتعزيز قدرتها على العزل الحراري وتوفير الطاقة والمياه. ومن ضمن المبادرات «خطة العمل نحو صفر تلوُّث»، التي تهدف إلى وقف التلوُّث في الماء والهواء والتراب بحلول 2050. كما تشمل الصفقة التحوُّل إلى وسائل النقل المستدامة، ليس فقط باستخدام الكهرباء والهيدروجين، بل بتعزيز النقل العام وتنظيم المدن وتخطيط مراكز السكن والعمل والترفيه لضبط حركة المواصلات.

وتتميّز الخطة باعتبار الحفاظ على التنوُّع البيولوجي وحماية الطبيعة أساساً في العمل المناخي، بحيث وضعت أهدافاً محددة في هذا المجال لسنة 2030، منها حماية 30 في المائة من الموائل البرية والبحرية والغابات، وزراعة 3 مليارات شجرة، وإحياء 25 ألف كيلومتر من مجاري الأنهار. وقد تعزَّز هذا التوجُّه بالاتفاق على «قانون استعادة الطبيعة»، الذي يحدّد خطوات عملية لإحياء الأنظمة الطبيعية المدمّرة والمهدّدة عبر أوروبا.

وقد تكون أكثر مكوّنات «الصفقة الخضراء» طموحاً تلك المتعلقة بالزراعة، إذ تتضمّن أهدافاً كبرى لسنة 2030، منها رفع نسبة الزراعة العضوية إلى 25 في المائة، وخفض استخدام الأسمدة بنسبة 20 في المائة، والمبيدات بنسبة 50 في المائة.

وإلى دوره القيادي في السياسات والقوانين البيئية والمناخية في أوروبا، لعب فرانس تيمرمنز دوراً محورياً في مفاوضات المناخ الدولية، وكان وراء التسوية التي أدّت إلى إقرار صندوق الخسائر والأضرار، أبرز إنجازات قمة المناخ السابعة والعشرين في شرم الشيخ.

لن تكون سهلة مهمة من وقع عليه الخيار ليحلّ مكان فرانس تيمرمنز في قيادة «الصفقة الأوروبية الخضراء». والأكيد أن قمة المناخ المقبلة في دبي ستفتقد قدرته الفائقة على اجتراح التسويات.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بعد فرانس تيمرمنز من يجترح التسويات المناخية بعد فرانس تيمرمنز من يجترح التسويات المناخية



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon