توقيت القاهرة المحلي 12:21:45 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إدارة المياه مستقبل البيئة

  مصر اليوم -

إدارة المياه مستقبل البيئة

بقلم - نجيب صعب

مستقبل البيئة محكوم بالإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية وتغيير أنماط الاستهلاك، لأن التكنولوجيا لا يمكن أن تحل كل المشكلات. وإذا كانت التحديات الرئيسية التي تواجه البيئة العربية هي ندرة المياه وتمدُّد الأراضي الجافة وتلوُّث الهواء في المدن وتدهور المناطق الساحلية وارتفاع البحار، فمحدودية المياه العذبة المتجددة تبقى الخطر الأكبر. وللدلالة على حرج الوضع، تكفي الإشارة إلى أن معدل المياه العذبة المتجددة المتوافرة للفرد العربي انخفض خلال 15 عاماً فقط من 900 متر مكعب إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً، وهو مستوى الندرة المطلقة، بينما يقع 14 بلداً عربياً في فئة البلدان الأفقر بالمياه في العالم. لكن المعدلات العامة، على فداحتها، تخفي حقائق أفظع، لأن حصة الفرد من المياه المتجددة في معظم بلدان المنطقة تقل عن 200 متر مكعب، وتصل في أدناها إلى ما دون 5 أمتار مكعبة، وهذا يقع خارج التصنيفات المعروفة، إذ يلامس حافة العطش. وتسدُّ البلدان عجزها المائي بتحلية مياه البحر واستنزاف المياه الجوفية غير المتجددة. لكن حين يترافق هذا مع موجات حرّ وجفاف عاتية، في منطقة تعاني الجفاف أساساً، يدخل الأمن الغذائي والأمن المائي معاً دائرة الخطر.

«متحف المستقبل» في دبي، الذي استضاف «أسبوع مستقبل المناخ» بالتعاون مع «مؤسسة فكر»، كان المكان المثالي للحديث عن مستقبل البيئة العربية. وقد دار كلامي حول نقطة محورية، هي أن رعاية البيئة والعمل المناخي الفاعل والتنمية القابلة للاستمرار، طموحات لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال إدارة الموارد المحدودة بكفاءة عالية. وهذا يستدعي تطبيق مفهوم «المياه الافتراضية»، أي حساب المحتوى المائي لكل ما نستهلكه، كأن ندرك أن إنتاج ليتر واحد من الحليب يحتاج إلى ألف لتر من المياه، وإنتاج كيلوغرام من اللحم البقري يحتاج إلى 15.000 لتر، وحصاد كيلوغرام من الأرز يستهلك 3.400 لتر. هذا يعني ضرورة وضع حدٍّ للهدر وتعزيز الكفاءة، بإنتاج كمية غذاء أكبر بقدر أقل من المياه. وقد يستدعي هذا، أيضاً، تعديل أنماط الاستهلاك والتعوُّد على مذاقات جديدة، إذا اقتضت محدودية الموارد التبديل بأطعمة تقليدية، أخرى أقل استهلاكاً للمياه والنظم الطبيعية عامة. كما يقتضي الحل المتكامل احترام الترابط بين الأمن الغذائي والأمن المائي وأمن الطاقة. وتكتسب هذه التحديات أهمية كبرى مع آثار تغيُّر المناخ، التي تفاقِمها وتضاعف من مخاطرها.

تُظهر الأرقام أن نمو الدخل القومي في الدول العربية خلال السنوات الخمسين الأخيرة حصل أحياناً كثيرة على حساب هدر الموارد الطبيعية غير المتجددة. وفي حين تضاعفت البصمة البيئية للمنطقة العربية خلال هذه الفترة بمعدل 85 في المائة، تدهورت القدرة الحيوية المتجددة للطبيعة بمعدل 65 في المائة. هذا يعني أن المنطقة في حالة عجز بيئي، تحاول سدّه عن طريق مزيج من الاستيراد من الخارج والاستغلال المفرط للموارد المحلية المحدودة غير المتجددة، أي الاستدانة من حصّة الأجيال المقبلة.

وفي حين يمكن للبنوك المركزية أن تتصدى للانهيارات الاقتصادية والمالية بطبع مزيد من الأوراق النقدية، لا يمكن للحكومات مواجهة عجز الأنظمة الطبيعية وانهيارها بطبع هواء نظيف ومياه عذبة وتراب خصب. لذا لا بد من إدخال كلفة التدهور البيئي وسعر استثمار الموارد الطبيعية في حسابات الربح والخسارة، وعدّها عنصراً أساسياً في الميزانيات الوطنية. والمطلوب أيضاً تعزيز الاستثمار في البحث العلمي وتنمية القدرات البشرية المحلية، وتخصيص فائض الدخل للاستثمار في التحوُّل الذي يقتضيه صراع البقاء في مستقبل متغيّر.

الإدارة الرشيدة للموارد الطبيعية المحدودة مسار حتمي، وليست خياراً للدول العربية، بالترافق مع تعاون إقليمي يستفيد من المزايا النسبية التفاضلية لكل بلد عربي. لقد حققت بعض الدول العربية إنجازات كبرى في مجالات التنمية والاستدامة والعمل المناخي، بما فيها برامج ضخمة في الطاقة المتجددة وإدارة المياه والبنى التحتية المتطورة والاقتصاد الأخضر عامة. لكن لا بد من تعميم الفوائد على جميع بلدان المنطقة، فلا يتخلّف أحد عن الركب، بما يعزز الازدهار ويدعم الاستقرار.

الدول العربية مدعوّة، على أبواب القمة المناخية المقبلة (كوب 28) في دبي، إلى اعتماد مواقف موحدة وطرح مبادرات استباقية، لتكون جزءاً من القرار بدل الاكتفاء بردات الفعل. ويمكن الاتفاق على المواقف التفاوضية المناسِبة في الاجتماع العربي التحضيري لقمة المناخ، الذي تستضيفه الرياض بعد أسبوعين، كما فعلت الدول الأفريقية خلال اجتماعها التحضيري الذي عقدته في نيروبي الشهر الماضي.

في ختام حديثي في متحف المستقبل، دعوت إلى الاستفادة من تجارب الآخرين، ونقل الناجح منها بلا خجل، بما يتلاءم مع احتياجاتنا. فمشكلاتنا، على حدّتها، ليست فريدة، وعلينا أن نتعلم من الحلول التي توصّل الآخرون إليها.

*الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

كُتّاب الشرق الأوسط
المزيد
الأكثر قراءة
اليوم
الأسبوع

1
«غوغل» يحتفي بتماثيل عين غزال... ما هي وما قصتها؟
2
تحذيرات من «حِمية الكيتو» للأطفال المصابين بالسكري
3
أميركا تستعد لشلل محتمل في الميزانية
4
نجاح سلام ترحل لتطوي مرحلة الفن الجميل
5
نائبة وزير السياحة الإيراني لـ«الشرق الأوسط»: نفكر في إلغاء التأشيرات لدول الجوار

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إدارة المياه مستقبل البيئة إدارة المياه مستقبل البيئة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon