توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل دخلنا عصر الانقراض؟

  مصر اليوم -

هل دخلنا عصر الانقراض

بقلم - نجيب صعب

سجّل صيف 2023 أعلى معدلات الحرارة على مستوى العالم، بالترافق مع كوارث طبيعية لم نشهد مثيلاً لها من قبل. صحيح أن الحرائق والفيضانات ظواهر طبيعية تحصل دائماً، لكنها اجتاحت هذا الصيف مناطق جديدة، وتميّزت بحجمها وحدّتها واتّساع رقعتها وتكرارها خلال فترة محدودة. فما إن ينتهي حريق حتى يبدأ فيضان يجرف بلدات بأكملها، كما حصل في اليونان، كأن العالم دخل في دورة مدمّرة لا نهاية لها. ولم تسلم المنطقة العربية هذه السنة من غضب الطبيعة، فتسابقت فيضانات ليبيا مع زلزال المغرب في حصد آلاف الضحايا. وفي حين كنا نستخدم عبارة «غير مسبوق» كل بضعة عقود أو أعوام لوصف الظواهر والأحداث المتطرّفة، دخلت هذه العبارة الاستخدام اليومي، في التقارير العلمية كما في الإعلام وعلى ألسنة الناس. لكن حذارِ استخدام تغيُّر المناخ حِجّة للتغطية على التقصير، كلّما حصد انهيار سدّ أو اندلاع حريق آلاف الضحايا، بسبب البنى التحتية السيئة والفساد وسوء الإدارة.

 

 

 

 


ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي والحرائق في غابات الأمازون ومجاهل الأرض بقيت عند كثيرين قصصاً من الخيال العلمي، وفي أفضل الحالات تحذيراً من أحداث يمكن أن تأتي. لكن ما يحصل حول العالم اليوم أخرج البشرية من غرفة الانتظار ليُدخِلها في عصر جديد. وإذا كانت الإشارة إلى «عصر جديد» في الماضي تبشّر بالتقدم الحضاري والعلمي، فهي اليوم أقرب إلى التحذير من الانحلال والدمار، كأنما البشرية دخلت فعلاً عصر الانقراض.

أكثر أنواع العِلم قُرباً من الجمهور هو ذاك الذي يحمل وجهاً إنسانياً، بحيث لا يكتفي بالأرقام المجرّدة بل يربطها بحياة البشر. لذا كان الوصف الذي سمعته من عالم الطبيعة الهولندي مارتن لونن، بعد عودته من رحلته الاستكشافية الأخيرة إلى القطب الشمالي، أبلغ شهادة على دخولنا منطقة الخطر.

منذ 35 عاماً، يقوم الدكتور لونن برحلة دورية إلى جزيرة سبيتسبيرغن القطبية لإجراء أبحاث حول الأوز. هذه المرة عاد مندهشاً مما شاهده بالعين المجردة، وليس بأجهزة القياس. فقد صدمه التغيُّر السريع والحادّ في المناخ، وليس في الأوز، موضوع بحثه. وإذ توقّع أن يتمكّن الأوز القطبي من التأقلم مع التغيُّرات بالترحال إلى مناطق أخرى على الأرض، استبعد أن يتمكّن البشر من التأقلم، في غياب خطوات كبيرة وسريعة للمواجهة. فللمرة الأولى منذ بدأ أبحاثه في المنطقة عام 1988، لم يحتج إلى قفازات لتدفئة يديه، لأن الحرارة وصلت إلى 12 درجة مئوية. أما الجبل الجليدي، المتصل بالجزيرة منذ دُهور، فهو يذوب سريعاً ويبتعد عنها، متخطياً هذه السنة مسافة 3 كيلومترات. وفي حين كان بعض الجليد يذوب كل سنة مع ارتفاع الحرارة موسمياً، فهو كان يتجمّد من جديد، لا كما يحصل اليوم إذ يذوب ولا يتجدّد.

بعض المشكّكين يردّدون أن ما يحصل هو نتيجة لدورات طبيعية تحصل كل بضعة آلاف من السنين. غير أن الفرق شاسع بين الأمس واليوم. فالتغيُّر في معدلات الحرارة الذي حصل خلال الدورات الطبيعية السابقة استغرق آلاف السنين، مما أتاح للبشر والكائنات الحيّة والطبيعة وقتاً كافياً للتأقلم، على نقيض التغيُّر السريع الذي نشهده اليوم. عدا عن أنه كان من الأسهل على التجمُّعات البشرية المترحّلة وغير المستقرة التأقلم مع التغيُّرات قبل آلاف السنين، لأنّ الترحال كان جزءاً من طبيعة وجودها، وهذا لا ينطبق على المجتمعات المستقرة اليوم، مع مصادر إنتاجها الغذائي والثقافي ونسيجها الاقتصادي والاجتماعي، الذي تخطى عصر البداوة.

فهل ننتظر من مجتمعات اليوم أن تحمل مزارعها ومصانعها ومتاحفها وجامعاتها ومستشفياتها على ظهرها وترحل؟ والعجيب أن بعض المشكّكين بآثار التغيُّر المناخي يطالبون بهذا، على اعتبار أن التغيُّر المناخي قد يؤثِّر إيجاباً في بعض الأماكن، في مقابل تأثيره السلبي في مناطق أخرى. لذا يمكن، في رأيهم، انتقال البشر من الأماكن التي يجعلها التغيُّر المناخي غير صالحة للعيش، إلى أماكن أخرى في مجاهل الكرة الأرضية، قد يحسّن التغيُّر المناخي ظروف الحياة فيها.

عاد مارتن لونن من القطب الشمالي هذه المرّة بقلق كبير على مستقبل أحفاده، لأن عدم وقف التغيُّرات المناخية للحدّ من آثارها المدمّرة سيقضي عليهم أو يُجبرهم على الرحيل إلى أماكن أخرى. وقد تتحوَّل بعض المجتمعات من مضيفة للاجئين إلى باحثة عن مواطِن أخرى تؤوي الهاربين منها. وعلى الذين يرون في هذا السيناريو خيالاً علمياً أن يتذكروا أن استمرار تغيُّر المناخ وارتفاع درجة حرارة المحيطات وذوبان الجليد القطبي على هذه الوتيرة، قد يؤدي إلى أبعد من موجات الحرائق والفيضانات والجفاف الموسمية، إلى دمار ثابت. فارتفاع مستوى البحار سيغمر مناطق منخفضة واسعة حول العالم، ويُجبر سكانها على الرحيل، إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً.

لهذا، فقد رأى الدكتور لونن في حرائق أوروبا وفيضاناتها هذا الموسم وجهاً إيجابياً، إذ نقلت المشكلة إلى وسط الدار وفناء البيت، ولم يَعُد تجاهلها ممكناً. وكما في أوروبا، لم توفِّر الحرائق والفيضانات الكبرى هذا الموسم أي مناطق أخرى من العالم، من الولايات المتحدة وكندا إلى آسيا وأفريقيا والبرازيل. ولم تَسلَم المنطقة العربية من الآثار، وهي بين أكثر مناطق العالم جفافاً وندرة في المياه.

في قمة أفريقيا المناخية التي عُقدت في نيروبي، أطلق زعماء القارة صرخة تحذير من ضعف حجم التمويل لتدابير الحدّ من تغيُّر المناخ ومواجهة آثاره، رغم الوعود التي تطلقها في كل مؤتمر دولي الدول المتقدمة التي كانت المسبِّب الرئيسي للانبعاثات. ولا بدّ من أن تُطلِق الدول العربية صرختها في المؤتمر المناخي الإقليمي الذي تستضيفه الرياض الشهر المقبل، خصوصاً أن السعودية أعلنت مبادرتين جديدتين لمواجهة آثار التغيُّر المناخي وإحياء الطبيعة: الأولى إنشاء «المنظمة العالمية للمياه» في الرياض، وذلك لإدارة المياه على نحو رشيد، بتعزيز الكفاءة وتطوير الموارد. أما المبادرة الأخرى، فهي الإعلان عن أهداف محدّدة لإحياء المحميات الطبيعية، عبر زرع ملايين الأشجار وإعادة توطين الأنواع الحيوانية والنباتية بحلول سنة 2030. وهذا يُضاف إلى برامج كُبرى للتحوُّل بخطى سريعة نحو الاقتصاد الأخضر.

* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) ورئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل دخلنا عصر الانقراض هل دخلنا عصر الانقراض



GMT 06:02 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الثكنة الأخيرة

GMT 05:58 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... هذه الحقائق

GMT 05:54 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

في أنّنا بحاجة إلى أساطير مؤسِّسة جديدة لبلدان المشرق

GMT 05:50 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مخبول ألمانيا وتحذيرات السعودية

GMT 05:47 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

التاريخ والفكر: سوريا بين تزويرين

GMT 05:43 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

إنجاز سوريا... بين الضروري والكافي

GMT 05:39 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

ليبيا: لعبة تدوير الأوهام

GMT 05:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

عالية ممدوح

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا

GMT 13:32 2016 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أرجو الإطمئنان بأن الآتي أفضل

GMT 13:13 2024 الأربعاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

اتفاقية بين مصر وموانئ دبي العالمية لتطوير منطقة حرة عامة

GMT 19:17 2021 الأربعاء ,16 حزيران / يونيو

التشكيل الرسمي لمباراة إنبي والبنك الأهلي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon