توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

حان وقت الهندسات البيئية

  مصر اليوم -

حان وقت الهندسات البيئية

بقلم - نجيب صعب

بينما يستمر الحديث عن الحدّ من الانبعاثات الكربونية المسببة للتغيُّر المناخي وكأنه مشكلة للمستقبل، يعمل العلماء على استنباط حلول لتحدّيات بيئية تواجهنا اليوم. من هذه التحدّيات آثار ارتفاع درجات الحرارة على البنى التحتية، من طرقات وشبكات ماء وكهرباء وصرف صحّي.
ويؤكد التقرير الأخير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيُّر المناخ أنه، حتى لو نجح العالم في تحقيق هدف وقف معدّل ارتفاع الحرارة عند درجة ونصف الدرجة قبل نهاية القرن، فهذا المعدّل العالمي العامّ يخفي تغيُّرات موضعيّة متطرّفة، لأنه، أبعد من المعدّلات، بدأ العالم يشهد، في السنوات الأخيرة، عواصف وأعاصير وفيضانات وموجات جفاف وحرارة لم يعهدها قبلاً، من حيث حجمها وسرعة تكرارها. ويتوقّع علماء الأرصاد تفاوتاً في المعدّلات الوسطية لارتفاع الحرارة، لتصل في بعض المناطق، ومنها الشرق الأوسط، إلى أضعاف المتوسط العالمي. وفضلاً عن المتوسط والمعدّلات؛ فمن المتوقع أن تضرب موجات الحرّ المتطرّفة بلدان الشرق الأوسط بمستويات غير مسبوقة، وعلى فترات طويلة، بحيث تتجاوز الحرارة الفعلية في الصيف 50 درجة مئوية على مدى أسابيع، وصولاً إلى 60 درجة في بعض الأيام. ومن دون تدابير استباقية، ستصبح بعض البلدان غير صالحة للحياة.
درجات الحرارة المتطرّفة ستجعل من الضروري إجراء تعديلات في أنظمة السكن وشبكات الخدمات والمواصلات وأساليب الإنتاج الغذائي والرعاية الصحية. وليست الحرارة المرتفعة التحدّي الوحيد، إذ إن التغيُّرات المناخية تتسبب بسيول وفيضانات متكرّرة تحصل بصورة مباغتة، كما هي الحال في بعض الدول العربية. ومع أن الحالات المتطرفة ليست حدثاً يومياً؛ فالمهندسون لا يضعون تصاميمهم بناءً على معدّلات وسطية، بل على أساس قدرة احتمال الحالات القصوى، من وزن أو سرعة رياح أو جريان مياه أو درجة حرارة.
من المشكلات التي تواجه الدول العربية دوريّاً السيول التي تُغرِق الطرقات وتتسبب بأضرار كبيرة في المنشآت، فضلاً عن تعطيل حركة الناس والبضائع. واللافت أن بعض المسؤولين لا يتذكّرون تغيُّر المناخ إلا في هذه المناسبات؛ إذ يحمّلونه مسؤولية الكوارث الطبيعية، بقصد التملُّص من المسؤولية. صحيح أنّ التغيُّر المناخي يتسبب بتكرار وتيرة حدوث السيول والفيضانات وزيادة حدّتها، لكن المشكلة في معظم الأحيان سابقة لهذا ولا علاقة لها به؛ فهي تعود إلى تنظيم المدن والبنى التحتية غير الملائمة لطبيعة الطقس وأحواله، قبل أن تكون مشكلة مناخ.
استضافني أخيراً برنامج تلفزيوني للحديث عن الخراب الذي أحدثَتْه السيول الناجمة عن الأمطار الغزيرة في بعض المدن العربية؛ فشرحت أن المشكلة أساساً مرتبطة بالتقلُّبات الطبيعية للطقس قبل أن تكون قضية تغيُّر في المناخ، وهي غالباً نتيجة لأخطاء في تصميم المدن والطرقات والبنى التحتية. ففي معظم الحالات، أكان في الإسكندرية أو الحسكة أو عمّان أو مسقط أو دبي، ليست السيول حالة جديدة. ما تغيّر أنها كانت تضرب بحدّة كل عشر سنوات أو عشرين سنة، فصارت تأتي كلّ سنتين أو ثلاث. لكن ما يجعل أضرارها أكثر ضخامة أن الامتداد العمراني وصل إلى مناطق كانت محمية في الماضي، وفي حالات كثيرة سدّت الأبنية المجاري الطبيعية للسيول.
كما أن شبكات الصرف الصحّي وجمع المياه لم تتطوَّر لتواكب الامتداد العمراني، فبقيت «البنى التحتية» قاصرة عن تلبية احتياجات «البنى الفوقية». أما المشكلة الكبرى، فهي أن هذه الشبكات صُمّمت غالباً وفق «معدّلات» الأمطار، ولهذا فهي لا تتحمّل الحدود القصوى. والمشكلة الأخرى لفيضانات الطرقات في المدن أن شبكات الصرف، حيث وُجدت، تستقبل المياه المبتذلة ومياه الأمطار في أنابيب واحدة، مما يتسبب بهدر المياه العذبة، إلى جانب إغراق الطرقات لتجاوز القدرة الاستيعابية للشبكة. الحلّ في بلدان تعاني نقصاً حادّاً في المياه العذبة، مثل بلداننا العربية، فصل شبكة المياه المبتذلة عن مياه الأمطار. ففي حين تتطلب معالجة مياه المجارير عمليات معقّدة ومكلفة لتنقيتها وإعادة استعمالها، يتيح جمع مياه الأمطار عبر شبكة مستقلّة استخدامها للري والحاجات المنزلية بكلفة بسيطة. كما يمكن تحويل مياه الأمطار المجمّعة إلى خزانات المياه الجوفية والآبار حيث وُجدت. وتزيد الحاجة إلى هذه التدابير مع تغطية مسطّحات الأسفلت والإسمنت لمعظم المساحات في المدن، مما يمنع تسرُّب مياه الأمطار طبيعياً إلى باطن الأرض. ومن المؤشرات الواعدة أن مصر بدأت إدخال «شبكة الحصاد المطري» في برامج التطوير الحضري، وهي تجربة رائدة في المنطقة العربية.
قرأتُ تقريراً حديثاً عن تجارب بدأ تطبيقها في أستراليا لمواجهة آثار ارتفاع درجات الحرارة والفيضانات على الطرق. فالارتفاع الشديد في الحرارة يؤدي إلى ذوبان الأسفلت وتشقّقه، مما يجعله عرضة للتفكُّك والتعرية حين تتبع موجة الحرّ أمطار وانخفاض في الحرارة. ومن الأساليب الناجحة التي طوّرها المهندسون الأستراليون لمعالجة المشكلة ضخّ الهواء والماء البارد في الزفت الساخن أثناء فرشه على الطرقات، مما يساعد في تقويته وتثبيته، مع احتفاظه بالمرونة. وقد تبيّن أن الأضرار بعد موسمي الحرّ والأمطار تراجعت على نحو كبير هذه السنة في الطرقات حيث طُبّقت التقنية الجديدة. ومن الحلول التجريبية الأخرى في أستراليا إضافة قطع صغيرة من السيراميك فاتح اللون على خلطة الزفت، مما يعكس أشعّة الشمس ويخفّف من حرارة الطريق المعبّدة والمناطق المحيطة. وفي إحدى المدن الأسترالية نجم عن هذا التدبير تخفيض الحرارة بمعدّل عشر درجات في منطقة تعاني من ظاهرة «الجزيرة الحرارية»، حيث تعرقل الأبنية المرتفعة حركة تدفُّق الهواء.
ليست هذه التدابير رفاهية علمية؛ إذ إن اعتمادها يوفّر المليارات من فاتورة صيانة الطرق وتصليح الأضرار الناجمة عن ارتفاع الحرارة والسيول. ومن المتوقّع أن تتجاوز الكلفة الإضافية لصيانة الطرقات في أفريقيا وحدها 200 مليار دولار سنوياً.
معظم المنشآت والبنى التحتية في بلداننا اليوم لا تتناسب مع تقلّبات الطقس وأحوال الطبيعة الحاضرة؛ فماذا نفعل لنجعلها جاهزة للصمود أمام الآثار الحقيقية لتغيُّر المناخ؟
* الأمين العام للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) رئيس تحرير مجلة «البيئة والتنمية»

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حان وقت الهندسات البيئية حان وقت الهندسات البيئية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 10:46 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الأربعاء 18 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 09:03 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مدينة العلا السعودية كنزاً أثرياً وطبيعياً يجذب السائحين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات لا تُنسى لنادين نجيم في عام 2024

GMT 19:37 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

مروة صبري توجّه رسالة لشيرين عبد الوهاب بعد ابتزاز ابنتها

GMT 23:53 2013 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

إكسسوارات تضفي أناقة وتميُّزًا على مظهرك

GMT 11:54 2024 الإثنين ,06 أيار / مايو

أحذية لا غنى عنها في موسم هذا الصيف

GMT 04:51 2024 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

السجن 50 عاما لامرأة أجبرت 3 أطفال على العيش مع جثة في أميركا
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon