توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين... اختبار الإرادات

  مصر اليوم -

فلسطين اختبار الإرادات

بقلم - جمال الكشكي

 

لم تكن ليلة الجمعة 27 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كسائر الليالي التي مرت على الشعب الفلسطيني، في كل الأراضي الفلسطينية؛ خصوصاً قطاع غزة، فكانت ليلة قاسية وحالكة.

الحرائق اشتعلت في كل شيء، وامتدت ألسنتها إلى السماء، صرخات وأنات الفلسطينيين تحت القصف الإسرائيلي، وصلت إلى أربعة أركان الأرض. اجتياح استخدمت فيه دولة الاحتلال بمساعدة خبراء من الولايات المتحدة الأميركية مفهوم «الصدمة والرعب». ذلك المفهوم الذي تستخدمه أميركا في حروبها، لا سيما في حربي العراق وأفغانستان، بل إنها طورته في معركة الموصل بشمال العراق، بعد أن كانت قد فشلت في ذلك في معركة الفلوجة العراقية عام 2004.

الرئيس الأميركي جو بايدن أدرك ذلك جيداً، ونصح إسرائيل بأن تقوم بعملية شبيهة باجتياح الموصل، وليس شبيهة بالفلوجة.

حزام ناري لف أرجاء قطاع غزة براً وبحراً وجواً. اللحظة فاصلة وفارقة، الخسائر لا يمكن حصرها؛ خصوصاً أن أعداد الضحايا والمصابين تجاوزت الآلاف.

من هذه البقعة الصغيرة 365 كم، يتحدد مصير الاستقرار الإقليمي والدولي. فلا شك أن كثيرين يتساءلون: لماذا كل هذا الاندفاع الرهيب والتحرك العالمي المتسارع من أجل وضع حد لهذه المجزرة في أرض، لا تشكل حجماً كبيراً من مساحة العالم؟ وقد نشبت حروب كثيرة في أماكن حساسة من العالم، ولم تحظ بالصدى الواسع نفسه؟ ما اللغز؟ وما الأسباب؟ وهل يمكن تحول هذا الصراع إلى فرصة لإعادة ترتيب أوراق القضية الفلسطينية، على النحو الذي يعيد لها حقوقها في تقرير المصير، وإنشاء دولة مستقلة كأي شعب آخر؟

بداية، إن قضية فلسطين تعود إلى ما قبل 75 عاماً، عندما تم طرد وتهجير سكانها إلى أماكن اللجوء، وجلب مستوطنين يهود للإقامة على أراضيهم، إذن، فهي منذ بدايتها قضية دولية، من حيث الاشتباك السياسي العالمي، ومن حيث إنها ترتكن في طرفيها إلى عقائد وأديان، ومن ثم، فإن أي صدامات تقع بين أطرافها سيتردد صداها في كل بقاع العالم، فضلاً، عن أن إقامة دولة إسرائيل على جزء من أراضي فلسطين جاء بقرار دولي، وكذلك جاءت قرارات الشرعية الدولية، لتؤكد الحق للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، لذا، فإن اتساع الاهتمام الدولي يأتي بقدر امتداد التاريخ الطويل، من هذا المنطلق فإن هذه المساحة الصغيرة تضم أصواتاً من كل أنحاء العالم، وتتداخل فيها إرادات، وكل منها يريد فرض إرادته على الآخر، لأهداف تكتيكية، وأخرى استراتيجية، سواء أكانت هذه الأطراف من داخل الإقليم أم من خارج الإقليم، ربما شاءت كل هذه التحالفات الكبرى أن تجعل من الفلسطيني لوحة تنشين، بينما هو كان يريد أن يكون مواطناً عادياً في بلد طبيعي، يحيا ويموت فيه من دون أن تتقاذفه موجات الحروب والجولات المتتالية من الصراعات.

أما محاولات فك اللغز الفلسطيني، فيرجع إلى أن القضية برمتها بدأت صراعَ معتقدات، وليس صراعا على أرض فقط، مثلما جرى مع كل الدول الأخرى التي خضعت لانتدابات الاستعمار في ذلك الوقت المبكر من القرن العشرين، كان اختيار أرض فلسطين لإنشاء كيان على أساس ديني، هو الخطر المتوارث الذي جعل الطرف الفلسطيني، يواجه هذا المشروع بالأدوات نفسها، بينما كان يجب أن يكون المشروع الفلسطيني قائماً على أدوات التحرر الوطني.

بمعنى أن هناك شعباً محتلاً، ومن حقه المقاومة لطرد الاحتلال، فاستغراق الطرفين في صراع تراثي، جعل الوصول إلى حل عادل أمراً مستعصياً إلى الآن.

أما الأسباب المتعلقة باستعصاء الحل، فتأتي من انخراط أطراف إقليمية ودولية تعمل على ديمومة هذا الصراع، تشعله حيناً، وتطفئه أحياناً، لأهداف تعود إلى مصالح هذه الأطراف، من دون النظر إلى مصلحة الشعب الفلسطيني، وكأن الجغرافيا الفلسطينية تحولت إلى عود ثقاب قابل للاشتعال، وقتما يريد هذا الطرف أو ذاك.

لكن، كل هذا لا يعني أن الأبواب موصدة تماماً أمام التوصل إلى نهاية لتلك المأساة التي طالت عقوداً وعقوداً، وهنا أتذكر ونستون تشرشل في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما قال: لا تدعوا هذه الأزمة تمر سدى، فالتراجيديا الحالية على أراضي غزة، لا بد لها من نهاية، حتى يسدل الستار على أطول صراع عالمي في العصر الحديث.

لا شك أننا نستطيع - إن خلصت النيات - أن نحول هذه المحنة إلى منحة من خلال إدراك أن القضية الفلسطينية غير قابلة للتصفية أو النسيان، أو التجاهل، وأن الشعب الفلسطيني سيبقى على أرضه حالماً بالتوصل إلى دولته المستقلة، ومن ثم، فإن أي أفكار أخرى مثل تهجير ودعوات النزوح فهي أوهام لن تحدث، وإن كانت قد حدثت مرة في عام 1948، فإنها من مصادفات التاريخ، والمصادفة لا تتكرر مرتين.

وهذا يضعنا جميعاً أمام مسؤوليات كبرى، تتمثل في الإقدام على مبادرة شاملة ونهائية تضغط على إسرائيل، وعلى من يعطيها الضوء الأخضر، للتوصل إلى سلام شامل يقوم على إقامة دولة فلسطينية حقيقية، لأن هذا الأمر سيحدث في نهاية المطاف بكلفة كبيرة، لذا فمن الأفضل أن يحدث بأقل الخسائر، فنحن في حاجة إلى قلوب شجاعة وعقول مبادرة، للخروج من حلبة صراع الإرادات، فقد كلفتنا سبعة عقود من الصدام المسلح، وهذا ما عرقل تقدم دول الشرق الأوسط حيث تستحق، ورصف جسورا من الصدام الحضاري بين الشرق والغرب.

إذن فلسطين، هي نقطة الانطلاق للحرب أو السلام.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين اختبار الإرادات فلسطين اختبار الإرادات



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon