توقيت القاهرة المحلي 03:03:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

العالم القديم يتآكل

  مصر اليوم -

العالم القديم يتآكل

بقلم - جمال الكشكي

من ينظر بإمعان إلى ما يجري في خرائط العالم الآن، سوف يتأكد أن العالم القديم بات يتآكل برمته، والعالم القديم الذي أعنيه هنا، هو عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، ذلك العالم الذي قام على ما يسمى القواعد والقوانين الدولية، وبناء الأمم المتحدة، وحق الشعوب في تقرير المصير، ومنع الحروب الشاملة، كما جرى في الحرب العالمية الثانية.

هذا العالم أصبح الآن من الماضي، فلا القواعد تطبق، ولا القوانين تنفذ، وقد اتسعت رقعة الحروب المتتالية في أكثر من مكان في العالم، والحروب هي إحدى وسائل السياسة، لكنها لم تعد كذلك الآن، بل أصبحنا أمام مفهوم جديد بعنوان: «الحرب للحرب»، مثل مدارس الفنون التي ظهرت في وقت سابق، وأطلق عليها «الفن للفن»، لكن الأخطر هنا أنه فن قاتل.

لو طبقنا هذا المفهوم على خرائط العالم، فسنجدها متحققة في أكثر من جغرافيا، ولو نظرنا إلى الحد الفاصل بين أوروبا وآسيا، حيث المسرح الأوكراني، فسنجد أن الحرب الروسية - الأوكرانية، التي بدأت في 24 فبراير (شباط) 2022، اندلعت بسبب استعادة مفهوم الحرب الباردة.

روسيا تشكو من التدخل الشامل من الغرب الأوروبي - الأميركي، في ترتيب البيت الأوكراني من الداخل، ففي البداية ساعدوا في إشعال ثورة ملونة على الأراضي الأوكرانية، وغيّروا من بنية النظام الحاكم الموالي لروسيا آنذاك، وفي النهاية كان هناك قرار، ولا يزال، بمحاولة ضم أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو ما أشعر روسيا بالخطر، ومع الضغط في هذا الاتجاه، وجدت روسيا نفسها تخوض حرباً، ليست تنتمي إلى مفهوم الحرب بوصفها أداة من أدوات السياسة، بل تنتمي إلى مفهوم الحروب التي من دون ضفاف، أو الحروب المنسية!

بعد أكثر من عامين، تشتعل الحرب بين البلدين من دون أمل في إيقافها، فالهدف هنا أبعد من أهداف الحروب القديمة، ونتج عن ذلك أن تحرك الخطر الكامن باستخدام الأسلحة النووية، وتوسيع الاصطدام الجغرافي، كما رأيناه في الزيارة التاريخية، التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى كوريا الشمالية، وفيتنام، وتوقيع اتفاقيات غير مسبوقة، تتعلق بالدفاع المشترك.

هذه الزيارة أيقظت المارد النووي بحراً وبراً وجواً وفضاءً في العالم، ففور الإعلان الروسي بتحريك هذه الأسلحة الاستراتيجية، تحركت معها أميركا وحلف الناتو، للإعلان عن قواتها ومواصلة سياستها في أوكرانيا، وفي مناطق نفوذها الجغرافي، ورأينا تحرك الأساطيل الأميركية نحو حليفتها كوريا الجنوبية، في أعقاب زيارة الرئيس الروسي، في رسالة بأن الحرب المفتوحة مستمرة.

إذا أعدنا تطبيق المفهوم نفسه لهذا النوع من الحروب، فنجده يطابق ما يجري في السودان، فالحرب اندلعت في 15 أبريل (نيسان) 2023، ولا تزال مشتعلة، بل تزداد توسعاً، ودخلت دائرة الحرب المنسية، أو المفتوحة، أو التي من دون هدف، ومن دون ضفاف، بل بات السودان ساحة للاستقطاب الدولي، للقوى نفسها الجوالة المتصادمة في جغرافيا أخرى، بل الأكثر خطورة أن السودان بات ميدان رماية، لأسلحة تضخها مصانع عالمية، تجد ضالتها في هذا الميدان.

غير أن الخطر الأكبر يكمن في أن نسيان الحرب في السودان، قد يجعلها «خميرة» لحروب أوسع في القارة السمراء، أو إقليم الشرق الأوسط، وهنا أتساءل: كيف لبلد مثل السودان استمرت فيه حرب أهلية أكثر من ثلاثين عاماً أن يعود إلى المسار الخطير نفسه؟ كان يجب أن يتعلم من الدروس، ويستعيد عافيته لكل أبنائه، لكن مخطط الحروب المفتوحة «المنسية»، وقع على السودان، ولعل السودان الشقيق يدرك في لحظة ما، خطورة مفهوم الحرب المنسية، ويخرج منها بسلام.

واستقبل العالم خطراً جديداً في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فقد اندلعت حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في قطاع غزة، لتأخذ أبعاداً عالمية، تشتبك فيها كل القوى الدولية والإقليمية، وتستدعي الأديان والعقائد، وتستدعي الاستقطابات الكبرى، حيث رأينا الولايات المتحدة، وأوروبا تتبنيان الرواية الإسرائيلية، ورأينا أن هذه الرواية، تقوم على تصفية القضية الفلسطينية، وتهجير الشعب الفلسطيني خارج أراضيه الأصلية.

كان هذا التبني الغربي للرواية الإسرائيلية، خطراً داهماً، فقد جعل إسرائيل تتجاوز كل الخطوط الحمراء في الحروب السابقة، وتقوم بارتكاب إبادة جماعية، وتدمير البنية الأساسية للشعب الفلسطيني، وتعتدي على ذلك النظام العالمي، الذي سميناه نظام «القواعد والقوانين».

ومن ثم، فإن هذه الحروب ضربت جدران نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، وشطبت مفهوم الحرب أداة للسياسة، وتبنت مفهوم الحروب المفتوحة، أو الحرب التي من دون ضفاف، أو الحروب المنسية.

إذن، وسط هذا المفهوم الخطر للحروب المفتوحة، فإنني أرى خرائط العالم القديم تتآكل بشكل متلاحق، بل وتنذر بخطر جسيم، ربما تندلع معه ما يسمى «الحرب العالمية الثالثة»، وهي حرب لا يمكن أن تقاس بأخرى في السابق، وعلى ذلك فإن شعوب العالم وخرائطه، لا يمكن لهما الاستقرار من دون نظام عالمي يؤمن بالقواعد والقوانين، والتعدد الثقافي والديني والعرقي من دون تمييز، فلقد انتهت صلاحية عالم القطب الواحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العالم القديم يتآكل العالم القديم يتآكل



GMT 03:01 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

الأقدام تتقدم

GMT 02:56 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

انتخابات رئاسية لا معنى لها في إيران

GMT 02:46 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

الجنسية السعودية و«الرؤية»

GMT 02:36 2024 الأحد ,07 تموز / يوليو

انتخابات بريطانيا... حقائق خلف الأرقام

GMT 08:23 2024 الخميس ,04 تموز / يوليو

المبحرون

نجوى كرم تُعلن زواجها أثناء تألقها بفستان أبيض طويل على المسرح

بيروت ـ مصر اليوم

GMT 09:43 2024 السبت ,06 تموز / يوليو

اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي
  مصر اليوم - اكتشاف السبب الكامن وراء الصداع النصفي

GMT 20:17 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

كوبر يقرراستبعاد كريم حافظ من معسكر الفراعنة

GMT 20:26 2018 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

إجراء قرعة تصفيات أمم أفريقيا للشباب في شباط المقبل

GMT 18:17 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

مي عز الدين تحذر الفتيات من رسم الوشم

GMT 00:38 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

" أمينة خليل تشارك خالد النبوي في "منطقة محرمة

GMT 23:52 2016 الأحد ,25 أيلول / سبتمبر

محمد ابو المجد المصري أحمد

GMT 07:09 2024 الأربعاء ,06 آذار/ مارس

كتاب جديد عن بايدن يعترف فيه بأنه يشعر بالتعب

GMT 13:56 2024 الخميس ,06 حزيران / يونيو

نصائح لاختيار المجوهرات بحسب لون العين

GMT 07:45 2021 الأحد ,03 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان دريد لحام يكشف سبب غيابه عن السينما المصرية

GMT 09:39 2021 الخميس ,29 تموز / يوليو

وصول سفينة الحاويات "إيفر جيفن" إلى روتردام

GMT 00:41 2021 الثلاثاء ,20 تموز / يوليو

بلقيس تتعرض لوعكة صحية بسبب ميكروب في المعدة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon