توقيت القاهرة المحلي 09:03:38 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«صراع النفوذ» على هامش غزة

  مصر اليوم -

«صراع النفوذ» على هامش غزة

بقلم - جمال الكشكي

قال محدثي إن النظام العالمي قبل يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 كان يتعايش ويتكيف مع إيقاع الحرب الروسية - الأوكرانية، وكانت هناك مناورات سياسية حول الملف النووي الإيراني، ولم تكن خرائط العالم عُرضة للخطر بهذه الدرجة، كما يجري الآن؛ فرغم وقوع حرب عرضية يوم 15 أبريل (نيسان) 2023 في السودان، بين فريقين مهمَّين في المشهد السياسي السوداني، فإن هذه الحرب لم تضرب أوتاد النظام الدولي، مثلما فعل يوم السابع منذ أكتوبر عام 2023، وحرب إسرائيل التالية على غزة المستمرة منذ قرابة 4 أشهر.

قلت لمحدثي: معك حق؛ فهذه ملاحظة تستحق التأمل والقراءة بعمق... ماذا حدث في غزة؟ وما الذي أحدثته الحرب على غزة من أصداء وارتدادات وموجات ومعارك مجهَّزة لإعادة تأهيل النفوذ على المسرحين الإقليمي والدولي؟

ما حدث في الحرب على غزة هذه المرة لم يكن يشبه أيّاً من الحروب التي قرأنا عنها في السابق، أو عايشناها فيما بعد، وإن كانت قريبة الشبه إلى حد ما بقصف المدن الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية، لكنها تفوقت عليها؛ نظراً لتغير قواعد الحرب وأدواتها الحديثة، ففي هذه الحرب، تم ارتكاب كل ما هو محرَّم ومجرَّم وفق القانون الدولي أو القانون الدولي الإنساني، أو اتفاقيات جنيف الأربع. لقد عادت إسرائيل في هذه الحرب إلى ما قبل عام 1948، عندما كان قصف المدنيين والمدن والمجازر الوحشية، أمراً متاحاً أثناء الحروب الكبرى، الذي تسبب في وجود قانون دولي إنساني يمنع هذا الأمر ويعدّه إبادة جماعية، فوجدنا تدميراً للمستشفيات والمدارس والجامعات ودور العبادة والمؤسسات الدولية، وقطع الاتصالات، وإغلاق الطرق، ومنع المساعدات، وإشاعة الجوع والفوضى، والتهجير القسري من المنازل إلى الأماكن غير الآمنة.

ما كنت أتوقع، ونحن في القرن الحادي والعشرين، أن تأتي الحرب بهذه الضراوة والقوة، وتمزق كل أوراق القوانين والمواثيق الدولية، وتضرب عرض الحائط بقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتستهين بـ«محكمة العدل الدولية»، و«المحكمة الجنائية الدولية». هذا ما حدث ويحدث في قلب مختبرات الحرب على غزة.

هذه الصورة تمثل خطراً كبيراً لتشريعها قواعد قتالية جديدة في الحروب، لكن الأكثر خطراً هو ما أحدثته هذه الحرب من صدى وموجات ارتدادية وتصدعات استراتيجية، في الإقليم، وما بعد الإقليم.

فلو تجولنا في نهر هذه الارتدادات، وفتحنا الخرائط أمامنا، فسنجد إشارات حمراء تستوقفنا؛ فعلى سبيل المثال نتوقف أمام لبنان الذي كان أولى الجبهات التي وصل إليها صدى الحرب على غزة، فاندفعت في اليوم الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إلى الانخراط في الحرب من دون معرفة إلى أين ستنتهي الطريق؟!

بالطبع، التوقيت لم يكن في صالح لبنان، الذي كان مشغولاً بإعادة ترتيب البيت من الداخل، وإجراء الاستحقاقات الدستورية التي تأخرت كثيراً، لكنه وجد نفسه قيد تصرفات هذه الحرب وتداعياتها، وبات لبنان رهينة لمعطيات دولية وإقليمية أكبر من قدرته الجيوسياسية.

ارتداد آخر لهذه الحرب نسمع دويه في البحر الأحمر؛ أحد أهم شرايين التجارة العالمية، فقد بات البحر الأحمر مسرحاً جديداً للخطر، استدعى أساطيل دولية، مما خلق حالة توتر إقليمي ودولي مرشحة للاتساع، لا سيما أن بعض القوى ترى في هذا التوتر فرصة واختباراً وتجريباً، لإعادة تأهيل نفوذها على المسرحين الإقليمي والدولي، ومن ثم، فإن هذه القوى ترى أن من مصلحتها استمرار التوتر واتساع دائرة القلاقل فرصةً للاستحواذ على مكانة دولية في نظام عالمي جديد يتشكل الآن.

لكن أيضاً إذا ما امتدّت طريق الخطر على استقامتها؛ من البحر الأحمر إلى بلاد الشام وبلاد الرافدين، فسنجد بصمات هذه الحرب واضحة، فالهجوم الإسرائيلي شبه اليومي على الأراضي السورية، أو اغتيال حلفاء سوريا على أراضيها، يعيد تسخين جبهة قديمة تتجدد بصورة وقواعد تنطلق من متن الحرب على غزة، وكأن إسرائيل ترسل رسالة؛ بأن نفوذها يمتد أبعد من وجودها وكيانها، وأنه يمكنها مواصلة حروبها بنفس قواعد الحرب على غزة، وتمثل ذلك في قصف الأماكن السكنية وقتل المدنيين على الأراضي السورية.

إذن تل أبيب تريد تعميم نسخة الحرب على غزة لتأكيد نفوذها الذي اهتز في السابع من أكتوبر الماضي. أيضاً صدى الحرب وصل إلى العراق؛ فقد شهدنا اشتباكات بين جماعات عراقية رافضة لوجود التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وبين قواعد التحالف العسكرية الموجودة على أراضي العراق، وصولاً إلى ذروة حادثة قصف أربيل في شمال العراق التي اعترفت بها إيران، دفاعاً عما سمته أمنها القومي، وقد اعترض العراق رسمياً، رغم تحالفه الاستراتيجي مع إيران، هذا ما حدث في غرب إيران. أما في شرقها فقد قصفت إيران «جماعة العدل» البلوشية الموجودة على الأراضي الباكستانية، وردَّت باكستان بقصف جماعات بإقليم سيستان بلوشستان الإيراني.

إذن، نحن أمام أصداء وارتدادات عنيفة آتية من أصوات الحرب على غزة، ينطلق جوهرها من فلسفة ترمي إلى بسط النفوذ، وإعادة تأهيل مساحات القوة لدى أطراف مختلفة تحاول ترتيب مصالحها في المستقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«صراع النفوذ» على هامش غزة «صراع النفوذ» على هامش غزة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon