توقيت القاهرة المحلي 20:36:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«الولد الصغير» يهدد العالم

  مصر اليوم -

«الولد الصغير» يهدد العالم

بقلم - جمال الكشكي

كان الشاب الياباني يعبر الطريق، بميدان التحرير بوسط القاهرة... فوجئت به يصافح أحد أصدقائي، ويحدثه باللغة العربية... اقتربت منهما... عرّفني صديقي إليه... ابتسم الشاب الياباني ابتسامة المشاغب. ثم قال: «أنا من هيروشيما، وأكيد أنت تعرفها بالقنبلة الذرية»، قلت له: «بالطبع، أعرفها جيداً»، رحبت به، ثم غادرتهما عابراً فوق جسر قصر النيل.

     

 

             

 

أخذتني انعكاسات الغروب على سطح النيل، بينما كان عقلي مشغولاً بهيروشيما، التي ذكّرني بها الشاب الياباني، لا سيما أننا نعيش، في شهر أغسطس (آب) الحالي، ذكرى القصف الأميركي لمدينة هيروشيما اليابانية، بأول قنبلة ذرية في التاريخ، في السادس من أغسطس عام 1945، ثم أعقبه قصف مدينة ناغازاكي في التاسع من الشهر نفسه.

استسلمت بلاد الشمس، وأعلنت وقف الحرب، وتوقفت الحرب العالمية الثانية بانتصار الحلفاء: (أميركا وبريطانيا وفرنسا وروسيا). حقق الحلفاء الانتصار، ولكن دول المحور (إيطاليا وألمانيا واليابان) دفعت الثمن فادحاً، آلاف الضحايا والمصابين، وتشوّهت الحياة في مناطق، وانتهت تماماً في مناطق أخرى، وفي الأحوال كلها بات الهواء مرعباً.

توقف كل شيء عن النمو، احترق اللون الأخضر في المدينتين، الجرح لا يزال غائراً في الضمير العالمي، رعب الكارثة لا يزال تتوارثه الأجيال، كابوس يطارد البشرية جمعاء... خسائر النصف الأول من القرن العشرين لا يقوى أحد على تكرارها مرة ثانية.

بعد أكثر من 7 عقود مضت... لم تسقط هذه الكارثة بالتقادم داخل عقلية القوى المتصارعة في العالم.

كل يعرف مدى خطورتها... باتت الورقة القاضية التي يلوح بها الجميع. النادي النووي يتسع يوماً بعد الآخر. حسب معهد استوكهولم لأبحاث السلام فإن الولايات المتحدة الأميركية، وروسيا، والصين، وإسرائيل، وبريطانيا وفرنسا، والهند، وباكستان وكوريا الشمالية تمتلك معاً نحو 13400 قنبلة نووية، ولديها كل أدوات المثلث النووي التي تشمل القاذفات الاستراتيجية، والصواريخ الحاملة للرؤوس النووية، وأيضاً السفن والغواصات النووية.

أعضاء نادي التسعة النووي يشهرون بطاقات العضوية في ساحات الصراع. يلوحون بالجحيم النووي، وكل منهم يدرك جيداً أن هذه الأسلحة جميعاً قادرة على محو كوكب الأرض مرات عدة. تتلاشى الحواجز نحو منع اندلاع حرب نووية، الأنانية السياسية تفرض قواعد اللعبة الصفرية. بضغطة أحد أزرار الحقيبة النووية يُصبح العالم في عداد الموتى، لا شيء بعيداً، ولا شيء قريباً، التهديد عنوان رئيسي في منهج الصراع. العالم بات يقيم داخل المخاوف النووية. ثمة مؤشرات تؤكد ذلك، البيوت النووية، مفردات جديدة في قاموس الاستعداد لهذا النوع من الحروب، تنتشر هذه البيوت في أميركا، والصين، وروسيا، وأوروبا. الفكرة تزداد وتتسع، وبعض بلدان العالم الثالث والشرق الأوسط بدأت التفكير في وجود مثل هذه البيوت النووية.

احتمالات استخدام هذا الخطر تزداد، لا سيما أنه تم تحويل القنابل الاستراتيجية الكبرى إلى قنابل تكتيكية صغرى، يمكن استخدامها في مقدمة الجيوش، أو في مدينة صغيرة، وبالتالي تحولت من سلاح ردع لا يستخدم، إلى سلاح تكتيكي قابل للاستخدام الفعلي. المخاوف باتت بلا حدود، والانسحاب والتهديد بالانسحاب من الاتفاقات الدولية التي تُقيّد إنتاج ونشر واستخدام السلاح النووي، أصبحا شأناً معتاداً في تصريحات قادة الدول النووية المتصارعة.

لمسنا ذلك في تصريحات واشنطن وموسكو وغيرهما من العواصم النووية الموقعة على الاتفاقات الدولية، ترجمة هذه الانسحابات أفضت إلى التلويح العلني بإمكانية استخدام السلاح النووي للمرة الثانية، فليس بعيداً عن ذاكرتنا أزمة الصواريخ الكوبية، فكان العالم على حافة الهاوية النووية عام 1962، عندما نشر الاتحاد السوفياتي السابق صواريخ نووية في جزيرة كوبا «خليج الخنازير». ما أشبه الليلة بالبارحة، العالم يحبس أنفاسه هلعاً من تهور غير مسبوق من هذه الدولة أو تلك. مشهد محطة زابوريجيا النووية في أوكرانيا خير دليل على هذا الخطر، فالقوات الروسية والأوكرانية داخل هذه المحطة، وكلتاهما تتهم الأخرى بالسعي لتفجيرها في أي وقت، وهناك معارك دارت وتدور حولها، وبعض القوات تتحصن بها، وفي حال، لا قدر الله، تم إطلاق النار داخلها فإن هذا الأمر يهدد العالم بنشر الإشعاع النووي في كل أوروبا، والشرق الأوسط، والنصف الغربي من قارة آسيا.

ما يزيد أيضاً من مخاطر الكابوس النووي في الذكرى الثامنة والسبعين لإلقاء الولايات المتحدة الأميركية قنبلتي هيروشيما وناغازاكي، تلك التصريحات العلنية المباشرة، بإمكانية تكرار استخدام السلاح النووي، فالبشرية أصيبت بذعر من تصريحات قادة الناتو، وروسيا، وأميركا.

إذاً، نحن أمام عالم، يخشى تكرار مأساة «الولد الصغير»، ذلك الاسم الذي أُطلق على أول قنبلة ذرية، فقبل أن يولد «ولد صغير» جديد، على عقلاء وحكماء العالم ألا يكرروا مثل هذه المأساة... فهذه المرة النووية... لن ينجو أحد من مصيدة هذا «الولد الصغير».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الولد الصغير» يهدد العالم «الولد الصغير» يهدد العالم



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:20 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما
  مصر اليوم - أسماء جلال وأسماء أبو اليزيد تتنافسان في الغناء والسينما

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon