توقيت القاهرة المحلي 00:03:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بين سبتمبرين

  مصر اليوم -

بين سبتمبرين

بقلم: جمال الكشكي

جرت مياه كثيرة تحت الجسر؛ 46 عاماً مرت على توقيع اتفاق كامب ديفيد الإطاري، في السابع من سبتمبر (أيلول) عام 1978، الذي وقَّعه الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغين، برعاية مباشرة وتوقيع من الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر، في منتجع كامب ديفيد الأميركي، أشهر المنتجعات التي شهدت أحداثاً سياسية كبرى في العصر الحديث.

الآن، وفي سبتمبر عام 2024، أتساءل: ما الذي تغير في المنطقة العربية والعالم؟ وهل شكَّل توقيع الاتفاق مفارقة تاريخية بين زمانين؟

نعود إلى الذاكرة؛ كانت مصر والمنطقة العربية قبل «كامب ديفيد» ومبادرة الرئيس السادات، تقف على حافة الحرب المستمرة بين العرب وإسرائيل التي كانت قد نشأت قبل ذلك بثلاثين عاماً، في عام 1948، على جزء من أراضي فلسطين التاريخية، وخاضت مع العرب 4 حروب كبرى، كان آخرها حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973 التي انتصر فيها العرب انتصاراً واضحاً، وتغيرت معها مفاهيم القوى الإسرائيلية التي أدركت أنه لا يمكن استمرار وضعها في الشرق الأوسط بسياسة القوة، بعد هزيمتها في الحرب.

جاءت اتفاقية كامب ديفيد عقب هذه الأجواء المتغيرة في العالم. كان يمكن أن تكون فرصة تُنهي أزمات الشرق الأوسط للأبد؛ لكن أطرافاً عربية وإقليمية وضعت العصا في الدولاب. وجاءت فرصة أخرى عام 2002، عندما شكَّل العرب جبهة واحدة حول مبادرة السلام العربية التي قدمها آنذاك الملك عبد الله بن عبد العزيز إلى قمة بيروت العربية؛ لكن إسرائيل في تلك اللحظة تماهت مع أطراف إقليمية ليست عربية، في عدم الموافقة على الفرصة العربية النادرة. ولا تزال هذه الفرصة قائمة، رغم حصار الفكرة إقليمياً من خلال أذرع داخلية تنتمي لأطراف خارجية.

ثمة سؤال آخر: ماذا ستروي الستة والأربعون عاماً الماضية؟

المبادرة كانت عربية، والذين بادروا بها ووقَّعوا اتفاقاتها واجهوا غضباً شديداً من الرأي العام العربي، وبعض الدول التي لم تكن ترغب في «مسألة السلام»، ومع ذلك لم تستغل إسرائيل الفرصة التي اتسعت بمرور الوقت، وشملت توقيع اتفاق السلام مع مصر عام 1979، وعقد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، والذي ضم الدول الكبرى والعرب وإسرائيل، واتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993، واتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل عام 1994، وصولاً إلى المبادرة العربية المجهَضة عام 2002 في بيروت، ولا تزال إسرائيل تتهرب من مواجهة الحقيقة، فلا يمكن أن تكون المنطقة مستقرة من دون دولة فلسطينية، ومن دون الانسحاب من هضبة الجولان السورية المحتلة، وترسيم الحدود مع لبنان.

الستة والأربعون عاماً تروي أيضاً محطات فارقة من زمن الإقليم، لم يكن حبر «كامب ديفيد» قد جف بعد، بينما إسرائيل كانت عام 1978 تجتاح جنوب لبنان بذرائع شتى، لكسر سيادة الدولة اللبنانية. وبعد خروجها بأربعة أعوام، أعادت الكَرَّة واجتاحت العاصمة بيروت عام 1982، وشكل هذا خرقاً للسيادة اللبنانية، وبات احتلالاً قاسياً لم يخرج سوى عام 2000. أي أن الاحتلال رافق معظم سنوات الحرب الأهلية اللبنانية. وفي قلب ذلك الوقت، كان الخروج الفلسطيني الشهير من لبنان عام 1982 إلى المنافي الأخرى، والشتات واللجوء بعيداً عن الحدود مع إسرائيل، ورغم ذلك واصلت مطاردة الفلسطينيين في أماكن اللجوء البعيدة، فقصفت حمام الشط بتونس عام 1985، مستهدفة اغتيال الزعماء والقادة الفلسطينيين، وحتى بعد توقيع اتفاق أوسلو، فعلت ذلك وصولاً إلى محاصرة الزعيم ياسر عرفات الذي وقَّع معها الاتفاق، وقد رحل في باريس في حالة غامضة غير معروفة بدقة إلى الآن.

فما ترتكبه إسرائيل من مجازر وإبادات يبدو نهجاً سياسياً أصيلاً، من دون اتخاذ فرصة المبادرة العربية والاتفاقيات الأخرى فرصةً حقيقية لاستقرار الأوضاع في الشرق الأوسط، واستقرار إسرائيل نفسها. وقد قال الرئيس الأميركي جو بايدن أثناء اشتعال الأحداث في غزة: «إن وجود إسرائيل على المحك»، وأظن أن هذا القول لا يزال صالحاً، فحتى لو سكتت المدافع، فإن صورة إسرائيل إقليمياً ودولياً تلطخت بارتكاب جرائم حرب، وهذا ثابت في محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية التي قال مدعيها العام كريم خان، إنه يتعرض لضغوط دولية لمنع إصداره مذكرة اعتقال نتنياهو ووزير دفاعه.

لا شك أن السياق العام الإسرائيلي قد تهشم في عمق الاستراتيجيات الدولية، وباتت قراءة مستقبلها لا يمكن أن تتم بمعزل عن تجاربها خلال الستة والأربعين عاماً الماضية. فالسؤال الذي يطرح نفسه بالطبع: تُرى وسط كل ما حدث من أيادٍ ممدودة بالسلام، وتوقيع اتفاقيات، وتقديم مبادرات وتفاهمات، هل كانت إسرائيل تؤمن من الأساس بالسلام العادل والاستراتيجي، وإعطاء الفلسطينيين دولتهم المستحقة؟ أم كانت لديها تصورات خطيرة لا تناسب المنطقة، ولا السلام الدولي؟

أظن أن إسرائيل لديها فخاخ وخدع وتقية تتحصن وراءها، وأنها تؤمن بالحرب والإغراق في الدمار أكثر من السلام العادل والاستراتيجي؛ لأنها تعتقد أنها يمكن أن تكون قائدة المنطقة بالحديد والنار، وهذا وهم لا يمكن تحقيقه؛ بل إنه مسار يقود إلى خلخلة واهتزاز الوجود الإسرائيلي نفسه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بين سبتمبرين بين سبتمبرين



GMT 19:18 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

أمريكا والشرع.. ‎تناقض أم مصالح؟!

GMT 19:17 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

صلاح رقم 11 ومرموش 59!

GMT 06:50 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

وإني لحُلوٌ تعتريني مرارةٌ

GMT 06:48 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

يتفقد أعلى القمم

GMT 06:45 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

الهروب من سؤال المصير

GMT 06:43 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا و«تكويعة» أم كلثوم

GMT 06:41 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والنظام العربي المقبل

GMT 06:40 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط وإزالة الحواجز إلى قصرَين

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon