توقيت القاهرة المحلي 12:57:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فلسطين... طبعة جديدة من النظام العالمي

  مصر اليوم -

فلسطين طبعة جديدة من النظام العالمي

بقلم - جمال الكشكي

لم تعد الحرب الروسية - الأوكرانية هي المطبخ الوحيد لصياغة نظام عالمي جديد، فقد انتقل الطهاة إلى مطبخ جديد في الشرق الأوسط.

حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) بين الإسرائيليين والفلسطينيين في قطاع غزة، قد تتسع موائدها للاعبين جدد، ليسوا على وفاق في الحسابات السياسية الدائرة. لكن لحظة الحرب فرضت قواعدها، وحددت أطرافها.

هذه الجولة ليست كسائر الجولات السابقة، من حيث المكسب والخسارة. فالصدمة والمفاجأة أربكتا حسابات إسرائيل، بل إنهما كشفتا عن خواء وفشل أجهزتها الاستخباراتية المتعددة، باعتراف رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي. الضربة موجعة لأحفاد بن غوريون في السلطة.

الظرف التاريخي الذي أنشئت خلاله إسرائيل لم يعد مناسباً لقاموس القرن الحادي والعشرين. فلسطين التي ذاقت النكبة في زمن الصعود الإسرائيلي برعاية عالمية لم تعد هي فلسطين التقليدية التي عاشت 75 عاماً مسرحاً للاعبين من مختلف أنحاء العالم. أنهكتها الوعود والمناورات. طال صبرها، ودفعت أثماناً باهظة من حريتها وشعبها واقتصادها واستقرارها. فنصف شعبها من المهجرين واللاجئين، والنصف الآخر يعيش تحت وطأة الاحتلال الأقسى في التاريخ، يمارس أبشع أنواع الجرائم في حق الإنسانية، فهذا الاحتلال لم تثنه كل المبادرات والاتفاقيات ولا القوانين والمواثيق الدولية عن المضي في تنفيذ مخططاته القديمة المتجددة التي تهدف إلى طرد الأشقاء الفلسطينيين من أراضيهم، وإحلال المستوطنين في أماكنهم، بالطريقة نفسها التي انطلقت منها فكرة الوجود الإسرائيلي قبل عام 1948.

هذه المرة من الحروب الدائرة بين الجانبين، اختلفت الأجيال والقواعد، وموازين القوى، فإسرائيل جاءت عبر نظام عالمي، تشكل نهاية الحرب العالمية الثانية عام 1945. وهو النظام نفسه الذي أغفل الحق الفلسطيني. الآن بات يتصدع هذا النظام العالمي، وشروخ في جدرانه سببتها الحرب الروسية - الأوكرانية. ملامح مرحلة لنظام عالمي جديد، لكنه هذه المرة بتوقيع صبيحة السابع من أكتوبر 2023.

كان ساكن البيت الأبيض لا يزال نائماً حيث كانت تشير الساعة إلى الثانية عشرة والربع بتوقيت شرق الولايات المتحدة الأميركية، بينما سيد الكرملين كان لتوه مستيقظاً لمتابعة آخر نقطة وصل إليها الجيش الروسي في شرق وجنوب أوكرانيا، في الوقت ذاته كان «التنين الصيني» يحاول فك شفرة تعقيدات الاستراتيجية الأميركية الجديدة في منطقة «الإندو – باسفيك» فوجئ الجميع بمشهد دموي غير مسبوق، في واحدة من الحروب الإسرائيلية - الفلسطينية، واختلطت الأوراق لدى واشنطن وموسكو وبكين.

مخاوف الحسابات طاردت طموح الثلاث الكبار، ما الذي يجري في الشرق الأوسط؟ وهل تتحرك بيادق السباق الثلاثي إلى المنطقة؟ الدعم العالمي لإسرائيل كشف عن هواجس الغرب من اللاعبين الجدد الذين يثبتون أقدامهم في الشرق الأوسط، فواشنطن كانت الأسرع في إرسال أحدث حاملة طائرات إلى شرق المتوسط. الرسائل تحمل أكثر من معنى، رسائل إلى معارضيها في المنطقة، ورسائل أخرى يفهمها الدب الروسي، ويفكر فيها جيداً التنين الصيني.

لا شك وسط هذه الرسائل الدموية، أن هناك أطرافاً خاسرة وأخرى رابحة، فالقراءة الأولية لما يجري الآن على الساحة الفلسطينية - الإسرائيلية، سوف تعيد ترتيب التوازنات الإقليمية والدولية من جديد.

فإذا كانت واشنطن قد أعلنت، على المكشوف، عن دعمها الكامل لإسرائيل، وأظهرت العين الحمراء لمنافسيها في المنطقة، وبادرت بتقديم المساعدات العسكرية والسياسية والدبلوماسية والإعلامية، وباركت الموقف الإسرائيلي العنيف منذ اللحظة الأولى، فهذا كان دافعاً لحلفاء واشنطن أن يسيروا في الاتجاه نفسه، بل إنهم قطعوا مسافات طويلة في وقت قصير في اتجاه الهجوم على الفلسطينيين، وذلك، ربما زاد من تعقيدات العودة أو مراجعة الذات. أميركا تتحرك وفق حسابات جيوسياسية أوسع من غزة وفلسطين، وحتى أوسع من المنطقة العربية والشرق الأوسط، البيت الأبيض يرتدي نظارة مكبرة يرى بها مستقبل مقعده في النظام العالمي الذي باتت هذه الحرب جزءاً من صياغة ملامحه، ومن ثم، فإن الحسابات الأميركية لن تغفل تحالف منافسيها الذي يضم إيران وأذرعها في المنطقة، بالإضافة إلى روسيا والصين وحلفائهما.

إذا ما نظرنا للحسابات الأميركية، فإن واشنطن ترى أهمية وضرورة حسم هذا الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي سريعاً، حتى لا تدخل في حرب من أكثر من جبهة، وتصبح مشتتة ما بين أوكرانيا وإسرائيل، فضلاً عن أن أميركا لديها معادلات تقول إن الحسم السريع سيحفظ مكانة واشنطن في النظام الدولي المرتقب. في الوقت ذاته ترى موسكو أن هذا الصراع فرصة لإثبات الذات، وصحة وجهة النظر الروسية التي حاولت تسويقها منذ اندلاع الحرب الروسية - الأوكرانية، فضلاً عن أن الكرملين يرى الانخراط الأميركي في هذا الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي بداية لتخفيف الضغط الغربي على روسيا في جبهة أوكرانيا، وتقليص دعم الناتو لأوكرانيا؛ خصوصاً أنه سيتجه نحو إسرائيل.

بكين أيضاً لديها حساباتها الخاصة. فكل ما أنجزته في الشرق الأوسط خلال الفترات الماضية، تريد تأكيده، والبناء عليه لتعميق حضورها السياسي والاقتصادي، فهي المهمومة بتايوان، وبحر الصين الجنوبي، فضلاً عن أن الصين لديها اعتقاد بأن انشغال أميركا بأحداث الشرق الأوسط، سيخفف الأعباء عن الكاهل الصيني في منطقة «الإندو - باسيفك»، ناهيك من الرؤية الصينية التي ترى في الوجود الأميركي الثقيل في الشرق الأوسط، فرصة كبيرة لانحياز الشعوب إلى سياسة بكين وليس سياسة واشنطن.

إذن، هذه الجولة التاريخية بين الجانبين، الفلسطيني والإسرائيلي، لن تنتهي من دون إعادة ترسيم لحدود التوازنات والقوى الدولية من جديد، بما يفضي إلى كتابة «طبعة جديدة» من النظام العالمي.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلسطين طبعة جديدة من النظام العالمي فلسطين طبعة جديدة من النظام العالمي



GMT 20:35 2025 السبت ,08 شباط / فبراير

48 ساعة كرة قدم فى القاهرة

GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

أحلام تتألق بإطلالة لامعة فخمة في عيد ميلادها

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 01:43 2022 الثلاثاء ,14 حزيران / يونيو

ياسمين صبري تزداد أناقة بإطلالات فخمة وراقية

GMT 21:09 2021 الجمعة ,23 إبريل / نيسان

"وحيد القرن" أصغر ثقب أسود قريب من الأرض

GMT 19:35 2021 الثلاثاء ,23 آذار/ مارس

بورصة بيروت تغلق التعاملات على ارتفاع

GMT 05:47 2021 الخميس ,28 كانون الثاني / يناير

تعرف على رسالة ياسر فرج الأخيرة لزوجته قبل وفاتها

GMT 15:13 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أتلتيكو مدريد يصنع التاريخ بالأرقام في الدوري الإسباني

GMT 21:10 2020 الأحد ,27 كانون الأول / ديسمبر

بايرن ميونخ أفضل فريق في 2020 ضمن جوائز "غلوب سوكر"

GMT 13:03 2020 الثلاثاء ,22 كانون الأول / ديسمبر

طبيب يكشف عن والد طفل عروس بنها في حال حملها

GMT 03:22 2020 الجمعة ,30 تشرين الأول / أكتوبر

ريم سامي تتألق في مهرجان الجونة السينمائي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon