توقيت القاهرة المحلي 09:24:39 آخر تحديث
  مصر اليوم -

نفوذ أفريقي جديد

  مصر اليوم -

نفوذ أفريقي جديد

بقلم - جمال الكشكي

دفعتني الأحداث التي تشهدها النيجر، منذ 27 يوليو (تموز) الماضي، إلى سؤال مفتاحي: لماذا كل هذا الاهتمام والشغف العالمي بكل ما يحدث بالقارة الأفريقية؟ ومَن في حاجة إلى مَن؟ وأي طرف يمتلك أوراق ضغط ونفوذ جديدة؟

قد يظن البعض أن الدول العظمى والكبرى، هي صاحبة اليد الطولى، لكن في الحقيقة مَن يقرأ بعمق حجم التحولات والمتغيرات التي تشهدها القارة الأفريقية، خلال العامين الماضيين، يتأكد له أن رقعة الشطرنج يعاد ترتيبها من جديد، وأن هذه القارة الشابة باتت محط أنظار العالم، بل إنها قبلة للسباق والنفوذ العالمي، انظر معي إلى خريطة أفريقيا. ودقق النظر في سلطة الجغرافيا السياسية الجديدة، التي باتت تمتلكها القارة، لتعرف مدى حاجة كبار العالم للاستثمار في هذه الفرص، التي باتت معبراً إلزامياً لأي قوى تريد أن تظل رقماً مهماً وفاعلاً في معادلة النظام العالمي الجديد.

مرآة أفريقيا تعكس لنا صورة ثلاثية أبطالها الولايات المتحدة والصين وروسيا، السباق الثلاثي نحو النفوذ والاستحواذ على أرض هذه القارة، لا تخطئه عين، بل أضحى جزءاً من قواعد اللعبة، للجلوس على هرم القيادة العالمية، الرئيس الأميركي جو بايدن، كان حريصاً على ذهاب القادة الأفارقة إلى البيت الأبيض، فالصورة هنا رسالة إلى مَن يهمه الأمر.

أفريقيا، ليست بعيدة عن حسابات واشنطن، جدول أعمال القمة الأفريقية - الأميركية، كان حافلاً بالهدايا السياسية، من نوع الدعم الملياري، والتنمية المستدامة والتحول الأخضر، والاقتصاد الرقمي، وتوطين التكنولوجيا، وقبول آلاف الطلاب الأفارقة للتعلم في أميركا بهدف خلق نخبة أفريقية لا تشعر بالغربة الأميركية في المستقبل.

منظرو واشنطن، همسوا في أذن سيد البيت الأبيض لإعادة النظر في منهج وأسلوب واستراتيجية أميركا تجاه القارة الشابة، بما يتماشى مع متغيرات اللحظة الراهنة، فالملاعب الأفريقية زاخرة بلاعبين كثر، المزايدة الاستراتيجية وصلت إلى حد طرح أميركي في قمة مدريد لحلف الناتو، في يونيو (حزيران) 2022، لتأسيس ما يسمى «الجناح الجنوبي للناتو»، وتكون مهمته متابعة ومراقبة كل ما يحدث في أفريقيا شمال الصحراء، وتتزامن مع هذه الاستراتيجية تلك النظرة الأميركية الجديدة للدول الأفريقية جنوب الصحراء، التي كانت واشنطن تكتفي في السابق بالتوقف أمام ملفات من نوع: الهجرة غير الشرعية والأمن، لكن اليوم اتسعت الرؤية الأميركية لتنطلق من منظور «جيوسياسي»، ليؤسس لمفاهيم ولائية خاصة تجاه المصالح الأميركية.

موسكو لم تغب عن الملاعب الأفريقية، التي لا تزال تحتفظ ببصمات سوفياتية قديمة، سيد الكرملين، يسير على نفس خطى أجداده، وسط لهيب الحرب المشتعلة بين بلاده وأوكرانيا، لم ينسَ الرد على واشنطن بشأن الوجهة الأفريقية، الرئيس بوتين، عقد القمة الأفريقية - الروسية الثانية، في سان بطرسبرغ، نهاية الشهر الماضي ليثبت أمام العالم أن موسكو غير معزولة أفريقياً.

ذكاء رجل «كي جي بي»، منحه أختاماً أفريقية جديدة، القارة الشابة باتت الكتلة الحرجة في تحديد من يشير إليه الميزان، موسكو تعلم ذلك جيداً، وتبذل قصارى جهدها لكسب ثقة الأفارقة. على مسرح السباق قدمت ما لديها من امتيازات سياسية واستراتيجية، ذهبت إلى القارة الشابة محملة بمهمة تعليم ونشر اللغة والثقافة الروسيتين، وعقدت بروتوكولات واتفاقيات لاستقبال وفود عسكرية أفريقية لتبادل الخبرات والتجارب، لم يغفل بوتين العزف على أوتار الاقتصاد الأفريقي، عندما تعهد برفع التبادل التجاري بين بلاده والقارة الشابة إلى 40 مليار دولار، بدلاً من 18 مليار دولار، ناهيك عن وعوده العلانية بتقديم الحبوب والأسمدة مجاناً، إلى الدول الأفريقية الفقيرة.

أما التنين الصيني، فامتلك دهاءً مبكراً عندما ذهب بقوته الناعمة إلى أفريقيا، خطب ودَّ القارة الشابة، فصار شريكها التجاري الأول، عرفت بكين أن الدعم الأفريقي يمثل المربع الأهم في رقعة الشطرنج العالمية، فحجزت إقامة تجارية واستثمارية وصناعية، في عقول وقلوب الأفارقة، تجربتها الناجحة أثارت فضول منافسيها. الأدبيات الدبلوماسية الصينية عبر التاريخ، تمهد لها الطريق دائماً، فمن المعروف أن أي وزير جديد للخارجية الصينية، يبدأ جولته الأولى من القارة الأفريقية، ولا ننسى أن حسابات بكين عند إطلاق مبادرة الحزام والطريق وضعت الحضور الأفريقي، عنصراً رئيسياً لنجاح المبادرة.

واشنطن وموسكو وبكين، لاعبون كبار، لكنهم ليسوا وحدهم، هناك عواصم أخرى مثل باريس وبرلين ولندن وبروكسل، ترى مصالحها في أفريقيا عنواناً لجلوسها في مقاعد الكبار.

أخيراً أقول إن العالم بات يدرك أهمية القارة الشابة في صياغة النظام العالمي الجديد، وإن أفريقيا الآن صار لها نفوذ جديد، وتأثير عميق، ومن ثم فقد بات على الأفارقة أن يستثمروا هذا الاندفاع العالمي نحوهم، والاستفادة من كل الفرص التي يطرحها كل اللاعبين حتى تكون الأهداف لصالح أفريقيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نفوذ أفريقي جديد نفوذ أفريقي جديد



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

بيلا حديد في إطلالات عصرية وجذّابة بالدينم

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا
  مصر اليوم - «صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 00:03 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

حكيمي علي رأس المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب في أفريقيا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 15:09 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة المصرية تمنح أموالاً "كاش" لملايين المواطنين

GMT 17:19 2021 الثلاثاء ,17 آب / أغسطس

حكم صيام الأطفال يوم عاشوراء

GMT 18:05 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خالد جلال يُعلن قائمة البنك الأهلي لمواجهة انبي
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon