بقلم - نجاح عبدالله سليمان
بين الحين والآخر يُعلن التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن، إحباط محاولة لميليشيات الحوثيين لاستهداف الملاحة البحرية والتجارة العالمية في البحر الأحمر عبر باب المندب. ويشار هنا إلى أن رئيس المجلس الانقلابي لجماعة الحوثي صالح الصماد، هدّد في كانون الثاني (يناير) الماضي، بقطع الملاحة في البحر الأحمر في حال تقدّم الجيش الوطني اليمني باتجاه محافظة الحديدة. وسبق أن هددت ميليشيا الحوثي في السابع من تشرين الثاني (نوفمبر) 2017 على لسان الناطق باسمها محمد عبدالسلام بضرب الملاحة الدولية في البحر الأحمر، لكنها فشلت في أن تشكل خطورة بعدما أحبط التحالف العربي مخططها.
الخميس الماضي أعلنت السعودية تعليق مرور شحنات نفطها الخام عبر مضيق باب المندب موقتاً، بعدما استهدفت ميليشيات الحوثيين ناقلتي نفط سعوديتين أثناء عبورهما المضيق، وتوالت الإدانات من دول ومنظمات لاستهداف الناقلتين وتعريض الملاحة الدولية والتجارة في البحر الأحمر للخطر. كما علّقت شركة «أرامكو» السعودية إرسال كل شحنات النفط الخام عبر مضيق باب المندب، مشيرةً إلى أنها تعمل لتقويم الوضع باتخاذ الإجراءات المناسبة. وأكدت «أرامكو» في بيان، أن ناقلتين تابعتين للشركة الوطنية السعودية للنقل البحري، يحمل كلٌّ منهما مليوني برميل من النفط الخام، تعرضتا لهجوم من الميليشيات في البحر الأحمر. ولفتت إلى أن إحدى الناقلتين تعرضت لأضرار طفيفة، ولم تحدث إصابات أو حالات تسرب للنفط في البحر.
الواقع أن الصوت العربي جاءت ردود فعله ضعيفة ممثلة في كل من الكويت التي أعلن رئيس مجلس إدارة شركة ناقلات نفطها بدر الخشتي، أن بلاده قد تتخذ قراراً بوقف صادرات النفط عبر المضيق، ومشيراً إلى أن الأمر لا يزال قيد الدرس. كذلك أشار الناطق باسم القطاع النفطي الكويتي الشيخ طلال الخالد الصباح، إلى أن تأثير الأحداث الأخيرة في باب المندب على نقل النفط الكويتي محدود. وزاد أن عشرة في المئة فقط من صادرات النفط الكويتي تعبر المضيق، ونحو 90 في المئة تتجه إلى دول جنوب شرقي آسيا من دون عبوره. كما ندَّد وزير الدولة للشؤون الخارجية في دولة الإمارات العربية المتحدة أنور قرقاش باستهداف ناقلتي النقط، معتبراً ذلك عملاً غير مسؤول وله أبعاد تتجاوز المنطقة.
تهديدات ميليشيات الحوثي للملاحة الدولية في البحر الأحمر، تضمنتها بيانات عدة، وارتبطت بمواصلة التحالف العربي وقوات الشرعية اليمنية العمليات باتجاه الحديدة. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فالتهديدات السالفة جاءت أثناء اجتماع الصماد مع نائب مبعوث الأمم المتحدة لليمن، معين شريم، في صنعاء، الأمر الذي يعد توثيقاً جديداً للطبيعة الإرهابية لميليشيات الحوثي. وكان الناطق باسم التحالف العربي العقيد تركي المالكي قال إن الحوثيين خططوا لاستخدام الزوارق السريعة المفخخة ومجموعة من الغواصين لزرع الألغام البحرية في السفن.
وحذر مركز «أميركان ثينكر» المختص بقضايا الأمن القومي في وقت سابق من سعي إيران لتهديد الملاحة في مضيق باب المندب عبر دعمها لميليشيا الحوثي الانقلابية، وأشار إلى هجمات شنها الحرس الثوري وميليشيا الحوثي ضد السفن التجارية، والتدريبات التي تقدمها طهران للميليشيات على كيفية تطوير قوارب متفجرة يتم التحكم بها من بُعد، ووضع ألغام بحرية في الممر الملاحي الحيوي. وهنا يبدو تهديد الحوثيين امتداداً لتهديد إيران مراراً بغلق مضيق هرمز والتأثير على الملاحة في الخليج العربي، إما على خلفية مخاوفها من فرض حظر على نفطها كما حدث في 2011، أو بزعم التعرض لتهديد يمس أمنها القومي من جانب الولايات المتحدة وحلفائها كما حدث في آذار (مارس) 2016. وفي تموز (يوليو) 2017، قال المتمردون الحوثيون في بيان لهم إنهم سيحولون البحر الأحمر إلى «ساحة حرب». وجاء البيان بعد يوم من استهدافهم ميناء المخا بواسطة قارب محمّل متفجرات، اصطدم بالرصيف البحري للميناء، بالقرب من مجموعة من السفن الراسية، لكن من دون وقوع أضرار أو إصابات في الأرواح.
ميليشيات الحوثي كثيراً ما استهدفت سفناً وبوارج في البحر الأحمر، ما دفع قوات الشرعية اليمنية والتحالف العربي لإطلاق معركة الساحل الغربي لإحباط عمليات محتملة. وكانت قوات التحالف أعلنت في أيار (مايو) تدمير زورق حربي لميليشيات الحوثي، غرب ميناء الحديدة، في وقت قتل العشرات من مسلحي الحوثي بقصف جوي. والزورق كان يجوب مياه البحر الأحمر ويشكل تهديداً للملاحة البحرية، إذ كان يستهدف سفناً تجارية على خطوط الملاحة الدولية.
في تشرين الثاني (نوفمبر) 2017، أعلن التحالف العربي بقيادة السعودية إحباط عمل وشيك كانت ميليشيات الحوثي تعده لاستهداف خطوط الملاحة البحرية الدولية والتجارة العالمية في البحر الأحمر. التحالف أعلن حينها أنه استهدف عناصر حوثية في جزيرة البوادي اليمنية قبالة محافظة الحديدة، لتخطيطها أعمالاً عدائية تستهدف الملاحة الدولية.
يبقى أن التدخل الإيراني ظهرت له تداعيات سلبية على اليمن، أولها زيادة وتيرة الصراع. والشواهد على ذلك كثيرة، فالأسلحة الحديثة التي تملكها جماعة الحوثي، وبكميات كبيرة، مصدرها إيران، وقد فرضت واقعاً جديداً على الأرض، كما أن قدرة الجماعة على استخدام هذه الأسلحة زاد تقويض سلطة الدولة. كما أن ظهور جماعة الحوثي، بهذه القدرة في التوسع والسيطرة، يؤكد أن إيران حققت أول أهدافها بإنشاء جماعة تتماثل مع «جيش المهدي» في العراق، و «حزب الله» في لبنان، ما يعني نجاح إيران في توسعها في المنطقة، وبالتالي إحداث معادلات جديدة للتوازن الإقليمي. وتطمح إيران، التي تدعم الحوثيين، إلى توسع الجماعة أكثر بالسيطرة على مناطق جديدة والتحكم بالأرض لتوسع النفوذ الإيراني بالتبعية، خصوصاً بعد أن انتقل بعض أفراد جماعة الحوثي أخيراً إلى مدينة عدن في إطار سعيها إلى توسيع نفوذها جنوباً، بعد انتقال صراع هذه الجماعة إلى محافظات أخرى جنوبية ووسطية مثل إب وتعز وذمار.
وما يزيد من شدة الـتأثرات السلبية، هو توغل إيران نحو الصراع الدائر بين مراكز القوى في الداخل اليمني، حيث توجد شواهد بأن توسع الحوثي وراءه أيضاً دعم من قيادة حزب المؤتمر الشعبي وقواعده، في إطار تصفية حساباته مع حزب الإصلاح لموقفه في إزاحة نظام علي عبدالله صالح من الحكم أثناء الثورة الشعبية، وما تلاها من صراع، ما يعني وجود تأثير إيراني قوي في اليمن، فأين الغضب العربي مما يحدث في مضيق باب المندب، ومن قبله عموم البحر الأحمر؟
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع