قد تكون البداية عندما تم رفع غالبية العقوبات المفروضة من الأمم المتحدة على إيران في كانون الثاني (يناير) 2016، حين أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة إلى الأمم المتحدة أن طهران أوفت بالتزاماتها بموجب اتفاق نووي أبرمته مع بريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين وروسيا والولايات المتحدة. لكن حتى ذلك التاريخ كانت إيران مازالت خاضعة إلى حظر أسلحة من الأمم المتحدة إضافة لقيود أخرى. تبع ذلك في الأعوام التالية، انتهاك إيراني واضح، حيث تم فحص أسلحة ومواد ضبطت في البحرين وفي سفينة لم يكن عليها طاقم كانت محملة بالمتفجرات ضبطتها قوات الإمارات. وكانت الأمانة العامة واثقة من أن بعض الأسلحة والمواد المتعلقة بها التي فحصتها صنعت في إيران، لكنها لم تخلص إلى أدلة تثبت أن تلك المواد نقلت من طهران بعد 16 كانون الثاني (يناير) 2016.
تطورت الأحداث وصولاً لـــ2017، حيث سبق أن قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في تقرير سري لمجلس الأمن إن بقايا خمسة صواريخ أطلقها الحوثيون في اليمن على المملكة العربية السعودية منذ تموز (يوليو) 2017، تشترك في سمات تصميم نوع معروف من الصواريخ تصنعه إيران، على رغم أن الأمم المتحدة لم تتمكن من تحديد متى نقلت الصواريخ أو مكوناتها أو التكنولوجيا المرتبطة بها من إيران، وإن كان ذلك يعد انتهاكاً للقيود التي تفرضها الأمم المتحدة. وهنا تم التأكيد على أن ما تم يُعد ضربة أخرى للجهود الأميركية الرامية إلى مساءلة إيران في شأن اتهامات بأنها تنتهك قرارات الأمم المتحدة المرتبطة باليمن وإيران من خلال إمداد الحوثيين بالأسلحة.
الواقع أنه في شباط (فبراير) استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) لعرقلة محاولة غربية لدفع مجلس الأمن إلى تحميل طهران المسؤولية. على رغم أن خبراء مستقلين في الأمم المتحدة ذكروا في تقرير إلى مجلس الأمن في كانون الثاني (يناير) الماضي أن طهران انتهكت نظام عقوبات آخر يشمل اليمن.
في شهادة أخرى لسفيرة المملكة المتحدة الدائمة لدى الأمم المتـــحدة كارين بيـــرس خــلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، أن تكنولوجيا الصواريخ الباليستية المستخدمة من قبل الحوثيين في اليمن تم نقلها من إيران. وأفادت الخارجية البريطانية في بيان بأن بيرس شددت على أن انتشار تكنولوجيا الصواريخ يزعزع الاستقرار في المنطقة ويجب وقفه لمصلحة الاستقرار الإيراني والإقلــــيمي ولمـــصلحة الــسلام والأمن الدوليين. وأن الطــــريق الذي تنتهــجه إيران خدمة لمصالحها الأمنية في المنـــطقة، مزعزع للاستقرار في كثير من الأحيان ويشكل تهديداً لجيرانها وللآخرين بما في ذلك أوروبا.
التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن قام في العديد من المرات بإحباط محاولات هجوم لميليشيات الحوثيين بزوارق صيد مدنية في البحر الأحمر. وذلك بالاستيلاء على الزوارق المعادية وحمولتها من قاذفات (آر. بي. جي) ومعها صواريخ محمولة. وتزامن ذلك مع إسقاط طائرات «درون» التابعة للحوثيين في فضاء غرب الحديدة. وسبق أن نقل موقع «سبتمبر نت» عن مصادر ميدانية أن الطائرة التي أُسقطت إيرانية الصنع تستخدمها الميليشيات في عمليات استخباراتية، وهي الثالثة التي تسقطها القوات المشتركة حينها في أسبوع واحد.
الواقع أنه غداة إعلان الموفد الدولي مارتن غريفيث توقّعه عودة الأطراف اليمنيين إلى طاولة المفاوضات، وتأكيده أنه سيعرض خطة حول استئناف المحادثات على مجلس الأمن، أعلن التحالف أنه يرحب بأي اتفاق سياسي لإنهاء الصراع في اليمن، لكنه أشار إلى أنه يصر على انسحاب كامل للحوثيين من الأراضي التي سيطروا عليها منذ عام 2014.
التحالف أكد الاستمرار في دعم جهود الموفد الدولي إلى اليمن، والتي تهدف إلى دفع الميليشيات إلى الانسحاب من دون شروط، ودفع عملية المفاوضات إلى أمام. والتأكيد أن أي مساعٍ لوقف النار لن يُكتب لها النجاح في ظل تعنت الميليشيات ورفضها الانسحاب الكامل من محافظة الحديدة وبقية المحافظات اليمنية. حيث إن عملية تحرير الحديدة تهدف إلى كسر تعطيل جهود الأمم المتحدة الذي تسببت فيه الميليشيات. وذلك مع تجديد دعم جهود الموفد الدولي الساعية إلى تحقيق انسحاب كامل وغير مشروط للميليشيات من مدينة الحديدة ومينائها ومن ميناء الصليف. ما يحدث هنا أن الميليشيات الحوثية دأبت على نــشر آليــات عسكرية داخل أحياء سكنية في مدينة الحديدة، في استمرار لسياسة اتخاذ المدنيين دروعاً بشرية. وسبق أن أفادت مصادر بمقتل قادة ميدانيين بارزين من الميليشيات، في معارك أو غارات شنها التحالف على جبهة الساحل الغربي.
دولة الإمارات العربية المتحدة أدلت بدلوها في هذا المعترك، فأكدت أن الديبلوماسية ستظل دائماً السبيل الأساسي لحل أزمات المنطقة، داعيةً المجتمع الدولي إلى تجديد جهوده لتعزيزها. وأشارت إلى أن إيران ما زالت تنتهك القواعد الدولية باســـتمرار، مشددة على أهمية إنهاء وجودها غير المــسؤول في شكل ميليشيات وجماعات إرهابية، سبــبت العنف في منطقة الشرق الأوسط. الإمارات دائماً تؤكد أنه يتعين على المجتمع الدولي تجديد التزام المبادئ والمفاهيم الرئيسة التي أدت إلى إنشاء النظام العالمي الحالي، ووضع المفهوم المشترك للسياق التاريخي كأساس في صنع السياسات. وأنه يتعين على كل الجهات الفاعلة أن تقبل بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة.
الحقيقة التي يجب أن يعترف بها المجتمع الدولي هي أن إيران تنتهك باستمرار القواعد الدولية، وهنا يجب التشديد على أهمية إنهاء وجودها غير المسؤول في شكل ميليشيات وجماعات إرهابية، سببت العنف في الشرق الأوسط. ويتم ذلك بدعوة الدول الأعضاء إلى تقديم الدعم للدول المتشابهة فكرياً في العالم العربي المعتدل الذي يعمل على تحويل مسار المنطقة نحو الاستقرار والتنمية، ورفض أي نظام يقوم على فكر متطرف.
ويجب التأكيد على أن الاستقرار الحقيقي في الشرق الأوسط يتطلب قراراً ودوراً قيادياً عربياً. فلولا تدخل التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بناء على طلب الحكومة اليمنية، ووفقاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2216. لكنا اليوم نتعامل مع دولة خارجة على القانون تسيطر عليها ميليشيات غير شرعية تمثل 3 في المئة من سكان اليمن، وتسعى إلى التحكم في 27 مليون يمني... فإلى متى يستمر هذا السيناريو المنحرف عن الشرعية الدولية؟
* كاتبة مصرية.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع