خطة موفد الأمم المتحدة مارتن غريفيث للسلام في اليمن، تدعو الحوثيين إلى التخلي عن الصواريخ الباليســـتية في مقابل وقف قوات التحـــالف الـــعربي عمليات القصف، والتوصل إلى اتفاق على حكم انتقالي. وجاء في مسودة الخطة أن على الأطراف العسكرية التي لا تتبع الدولة، تسليم أسلـــحتها بما فيها الصواريخ الباليســـتية بطــريقة منظمة، على أن يشرف مجلس عسكري وطني على خطوات الانسحاب التدريجي لتلك الجماعات من منـــاطق معينة، وتسليم الأسلحة. وتشمل الوثيقة خططاً لتشــكيل حكومة انتقالية تُمثَل فيها المكونات السياسية بالدرجة الكافية، وتنص الخطة على التعامل مع قضايا مثل العمليتين الدستورية والانتخابية، والمصالحة بين الأطراف لاحقاً، ضمن جدول عمل للانتقال السياسي.
قد تكون النية هي ربط الجوانب الأمنية بالسياسية بدءاً بوقف القتال، ثم الانتقال إلى سحب القوات وتشكيل حكومة وحدة وطنية، والهدف الأخير قد يكون الأكثر صعوبة. وقد تكون هناك ثلاثة ملامح، هي أبرز ما تحمله خطة غريفيث، تتمثل في سحب السلاح، ومرحلة انتقالية تشمل مشاركة الحوثيين في الحكومة، وتنتهي بانتخابات.
تكمن المشكلة هنا، في أن السلام صعب على الحوثيين بما أنهم لا يستطيعون البقاء من دون الحرب واختلاق أعداء لتحشيد الناس معهم. هم لا يمتلكون مشاريع بناء، ذلك أن تفكيرهم ينصب دوماً على أن ما حصلوا عليه بالقوة لن يتخلوا عنه إلا بالقوة، وأن السلام لن يكتب لهم أي حياة أو تطور، فمنذ الحروب الأولى كانوا مجرد عصابة، والآن سيطروا على موارد دولة.
الواقع أن هناك أمرين لا ثالث لهما في اليمن، إما هزيمة الحوثيين، وإما أن يتحول الحوثيون إلى نموذج مقلق وإرهابي، كـ (حزب الله) في لبنان. فهذه الجماعة ما زالت تستمد وجودها من بقاء السلاح وتجنيد مقاتلين، وليس من برنامجها السياسي، والتجربة التي خاضتها الجماعة في الحوار الوطني لم تنضجها سياسياً، حيث شنت حربها على اليمنيين بعد الحوار مباشرة. ففي آخر خطاب لصالح الصمّاد أمام جمع من أنصار الحوثي في ميدان السبعين لم يذكر السلام أو العملية السياسية ولو لمرة واحدة، لأن الجماعة لا ترى أنها تستمد شرعيتها من هذه المفردات.
الواقع على الأرض هو أن جماعة الحوثي تعيش أسوأ وأضعف لحظاتها على الإطلاق، وذلك لأنها منذ غلطة قتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح مروراً بالانكسارات العسكرية والفشل الاقتصادي وخساراتها المتلاحقة لقيادات مهمة على المستوى العسكري، وأخيراً مقتل الصماد، خسرت الكثير من خياراتها. وتقديري، أن مقتله جاء مؤشراً على ارتفاع السقف أكثر من أي وقت مضى للعمليات العسكرية التي قد تنتهي إلى الحسم، خصوصاً بعد أن اطمأن التحالف أنه يمكن أن ينجز هذا الهدف عبر مسار عسكري مستقل عن الشرعية.
نعم نحن أمام جماعة تحاول تكريس واقع سيطرتها وتفردها في بقية مناطق سيطرتها، وإبقاء المجلس السياسي بعد فقده لمعناه بعد فك الارتباط مع صالح، واحدة من محاولات التماسك الداخلي والخارجي. فالمجلس السياسي يكتسب أي معنى واقعي، باعتبار أن القرار هو قرار الجماعة لكنه يظل المظلّة السياسية الممكنة لتسويق أن الجماعة تتشارك مع آخرين الحكم.
هنا يجب على الحوثيين الاعتراف بأن السلاح لا يمكن أن يكون بيدهم خارج سيطرة الدولة وتسليم مؤسساتها، وفِي المقابل على الحكومة المعترف بها دولياً إبداء الاستعداد لمراجعة كافة القضايا التي أدخلت البلد والإقليم في هذا المستنقع، وأن يتم ذلك بحضور السعودية كوسيط وشاهد وضامن. فالحسم العسكري لا بد أن يكون هدفه الحل السياسي ولا أتصور أن أحداً يظن أن الحلول العسكرية الغرض منها تصفية الآخرين واستئصالهم لأن هذا منطق عدمي وتفكير عبثي مدمر.
الحقيقة أن أغلب المحللين لا يعتقدون أن الحوثيين نضجوا سياسياً، إذا ما اعتبرنا أنهم بدأوا من الصفر، لكن مع ذلك، فإنهم يظلون ضعفاء في السياسة، وهو أمر يمكن ربطه بمقتل كثير من القادة السياسيين الأكثر تعليماً مثل عبدالكريم جدبان وأحمد شرف الدين. فحكمهم غير متوازن إلى حد كبير، ومرجع ذلك إلى اعتمادهم على حليفهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح، وهو أمر لم يعد بإمكانهم القيام به منذ انهيار هذا التحالف.
قد يكون المبعوث الأممي الجديد حريصاً على دفع محادثات السلام إلى الأمام، وفي نهاية المطاف يصعب تصور أي حل للنزاع قد يحدث نوعاً من التسوية السلمية... هنا يبقى أن التسوية السلمية من دون التزامات حقيقية لا تستحق ثمن الورقة التي طُبعت عليها. فقضية تسليم الأسلحة تعد واحدة من أكثر المسائل الحاسمة والشائكة، حتى لو لم يتم ذكر هذه المسألة الآن، فمن المرجح أن تسيطر على أي جولة من محادثات السلام.
يجب التركيز من التحالف، على أن ميليشيات الحوثي بدت هذه المرة أكثر جدية، في تعاطيها مع المبعوث الأممي، فهذا التغير في مواقف الحوثيين مؤشر على الضغوط الكبيرة التي تواجهها ميليشياتهم في مختلف الجبهات، خاصة في الحديدة بالساحل الغربي، حيث كانت الجماعة في السابق متعنتة ولا تتعاطى بجدية مع مبادرات التسوية السياسية.
نقلا عن الحياة اللندنية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع