بقلم - توماس جورجيسيان
الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فى المؤتمر الصحفى لقمة هلسنكى، لم يأخذ فقط بتفسير وتبرير بوتين فيما يخص التدخل الروسى فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام ٢٠١٦، وإنما انحاز تماما لرواية الرئيس الروسى وانتقد أيضا الأجهزة الأمنية والاستخباراتية الأمريكية لأنها تسببت فى إحداث التباعد والجفوة فى العلاقات ما بين واشنطن وموسكو. لذا بدا موقف الرئيس الأمريكى ترامب صادما، وفى رأى البعض مهينا، لم يحدث من قبل مثله من جانب أى رئيس أمريكى.
هكذا تعالت ردود الأفعال الغاضبة والانتقادات الحادة فى أرجاء واشنطن، وتحديدا من قيادات الكونجرس من الجمهوريين. هؤلاء الذين دافعوا من قبل بلا تردد عن كل مواقف ترامب. زعيم الأغلبية فى مجلس الشيوخ السيناتور ميتش ماكونيل قال فى تصريحات للصحفيين: لقد قلت أكثر من مرة وأقوله من جديد إن الروس ليسوا أصدقاءنا. وأنا أصدق بالكامل تقييم أجهزتنا الاستخباراتية. وجاء السيناتور الجمهورى البارز جون ماكين ليدين «موقف ترامب المخزى» فى المؤتمر الصحفى، وأنه «حقر نفسه أمام طاغية» (حسب تعبير ماكين). أما نيوت جنجريتش، القيادى الجمهورى السابق، والمدافع المستميت عن ترامب، فقال، «لقد ارتكب ترامب أكبر خطأ فى رئاسته». ولم ينتظر دان كوتس، مدير الاستخبارات الوطنية، طويلا للرد على تشكيك الرئيس الأمريكى فى أداء الاستخبارات، وذكر فى بيان صدر عنه عقب المؤتمر الصحفى فى هلسنكى: «نحن واضحون فى تقييمنا للتدخل الروسى فى انتخابات ٢٠١٦ وجهودهم المستمرة من أجل تقويض ديمقراطيتنا. ونحن سوف نستمر فى الإمداد بمعلومات استخباراتية صريحة وموضوعية من أجل دعم أمننا القومى».
صحيفة «وول ستريت جورنال» ذات التوجه اليمينى قالت فى افتتاحية لها، أمس، إن بوتين يحترم القوة وترامب أظهر له الضعف. وإذا كانت هذه الصحيفة فى أغلب الأحوال تدافع عن سياسات ترامب وقراراته فقد فندت هذه المرة تردده وأيضا رضوخه للتبرير البوتينى فى التصدى للأزمات الدولية. ما لفت انتباه أهل واشنطن وأثار غضبهم أن ترامب لم يتحدّ بوتين- كما يفعل مع القادة الآخرين- ولم يجادله فيما قاله وصرح به. لذلك بعد أن تمت إذاعة الحوار التليفزيونى الذى أجراه كريس والاس مع بوتين على شبكة فوكس نيوز لم يتردد بعض المعلقين فى القول إن والاس تحدى بأسئلته بوتين أكثر مما كان الحال مع ترامب!!.
الرئيس الأمريكى ترامب ذكر فى المؤتمر الصحفى، وهو يتناول الوضع فى سوريا، أنه وبوتين يعملان معا ومع بيبى (نتنياهو) من أجل أمن إسرائيل. بوتين فى حواره التليفزيونى شدد على ضرورة تصفية أجواء العلاقة بين البلدين، وأيضا رفع العقوبات الاقتصادية وإحياء التبادل التجارى بين موسكو وواشنطن. وبالتأكيد لقاء بوتين مع ترامب فى هلسنكى وطرحه للقضايا ورؤيته للأزمات- فى رأى العديد من الخبراء- يعد خروجا من عزلة بوتين أو أنه حقق انتصارا على العزلة التى تم فرضها عليه وعلى موسكو فى السنوات الأخيرة من جانب العواصم الغربية، خاصة بعد ضم القرم. بالنسبة لبوتين- كما تقول ألينا بولياكوفا من معهد بروكنجنز فى واشنطن- «فإن ترامب هو الرئيس الأمريكى الرابع وقمة هلسنكى هى القمة التى حلم بها على مدى ١٨ عاما» (حسب قولها)، و«․․. أن بوتين استطاع أخيرا أن يقدم نفسه كرجل دولة عالمى، وأيضا يقدم معه روسيا كوسيط كبير للسلام والإغاثة الإنسانية». لاشك أن ما تم الاتفاق حوله، وأيضا ما تم الاختلاف حوله فى قمة هلسنكى، سوف يتكشف أكثر خلال الأيام والأسابيع المقبلة. ترى ماذا ستعلن عنه واشنطن؟ وماذا ستفعله موسكو فى المستقبل القريب؟!.
نقلا عن المصري اليوم
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع