بقلم - أحمد أبو المعاطى
تقدم صفحة إسرائيل تتحدث العربية وتبثها وزارة الخارجية الإسرائيلية عبر موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك، نموذجًا شديد العصرية والدهاء، فى استخدام موقع التواصل الاجتماعى الأبرز فى العالم، لإظهار دولة الاحتلال، فى صورة الدولة الحديثة العصرية، التى تنتهج مبدأ التعايش السلمى بين جميع مكوناتها العرقية والدينية، على نحو تبدو معه، وكأنها أرض الأحلام بالنسبة لقطاعات واسعة من الشباب، خاصة فى المنطقة العربية التى يزيد عدد مستخدمى تلك المواقع بها، على نحو 156 مليون شخص على أقل تقدير.
تخضع جميع المواد التى تبثها تلك الصفحة، على مدار الساعة، لإشراف مباشر من قبل فريق متخصص يتبع الخارجية الإسرائيلية، لكنها رغم ذلك تفسح مجالا للتعليقات من قبل الزوار، لا تخلو من انتقادات عنيفة، وعلى نحو يبدو متعمدًا، وفى تجاوز واضح للاشتراطات التى حددتها مسبقا لإجازة النشر، ومن بينها حذف المضامين العنيفة، وما تصفه بـالكلام الحاقد والمضامين العنصرية، إذ دأبت الصفحة على استخدام مثل هذه التجاوزات، للتعبير عن مدى ما تتمتع به من حرية وأريحية، فى نشر آراء المختلفين معها، حتى لو تضمنت هذه التعليقات، تعريضًا مباشرًا بـدولة الكيان، وإبراز تاريخها الإجرامى فى المنطقة بشكل عام، وبحق الشعب الفلسطينى على وجه الخصوص.
غير أن ما يلفت الانتباه بحق، فى تلك الصفحة المسممة، بخلاف استخدامها الأمثل لأسلوب ما يعرف فى السنوات الأخيرة، بـصحافة المواطن، هو تعرضها للعديد من القضايا والإشكاليات الكبرى، التى تمثل نقاط ارتكاز أصلية فى قضية الصراع العربى- الإسرائيلى، بأسلوب شديد البساطة والدهاء فى آن، وهو أسلوب من المؤكد أنه سوف يجد صدى عالميا واسعا، فى صفحات مشابهة ربما تقوم ببثها إسرائيل بلغات أخرى، لتبدو خلالها فى صورة الدولة المسالمة التى لا تتحرك فقط إلا للدفاع عن شعبها، فى مواجهة منطقة تموج بتيارات إرهابية مختلفة، لا فرق فى ذلك بين إرهاب يتستر بالدين، أو آخر يتستر بالدفاع عن الأرض أو الحقوق التاريخية من أجل استرداد ما تم احتلاله من أراض، أو اغتصابه من أوطان ضائعة!
على مدى شهر رمضان، قدمت صفحة إسرائيل تتحدث العربية عبر سلسلة من اللقطات المصورة القصيرة، صورة بانورامية لما تصفه بـالتعايش السلمى بين المسلمين واليهود خلال شهر الصوم، وكيف تحرص أسر مسلمة من عرب 48 على استضافة جيرانها من اليهود على موائد الإفطار، على نحو يشى بأن كل ما تضمنته حقائق التاريخ فى قضية الصراع العربى الإسرائيلى، لم تكن سوى تخرصات أطلقها متشنجون عرب فى الزمان الغابر، لن تسقط ـ حسبما ترى الصفحة ـ حقا ثابتا ومكتوبا بخيوط من ذهب، للشعب اليهودى فى تلك الأرض، وأنه سيظل فيها حتى قيام الساعة، باعتباره ابنًا شرعيًا لهذه المنطقة، عاش فيها فى الوقت الذى كان العرب رعاة الجمال فى شبه الجزيرة العربية! إن قراءة مدققة لما تنشره مثل هذه الصفحة من أكاذيب، وما تدسه من أخبار بين الثنايا، تشى ببدء مرحلة من التطبيع الدافئ بين إسرائيل وعدد كبير من الدول العربية، يدفع بالضرورة إلى التساؤل وبجدية، حول الدور المنتظر الذى يمكن أن تلعبه الهيئة العامة للاستعلامات، تحت رئاسة الصديق ضياء رشوان، وهو باحث قدير وصحفى متمرس، عبر مكاتبها المنتشرة فى العديد من عواصم العالم، بطريقة حديثة وعصرية، ليس فحسب فى الرد على مثل تلك التخرصات والأكاذيب، وإنما أيضًا فى التعاطى مع العديد من القضايا التى تلامس الأمن القومى المصرى، وفى مقدمتها قضيتا المياه والإرهاب.
نقلا عن المصري اليوم القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع