بقلم - رجب أبو سرية
بقدر ما يبدو مثيرا للغرابة الحديث عن وجود «خلاف» داخل فريق دونالد ترامب الخاص بإعداد ما سمي بصفقة العصر، والمقصود الخطة الدائمة للسلام في الشرق الأوسط، بقدر ما يثير ذلك الفضول للوقوف عند التفاصيل أو البواعث إلى نقاط الخلاف بين أعضاء الفريق الذي يبدو أنه متجانس، خاصة فيما يخص إسرائيل والتوافق فيما بينهم على أن يقوموا بعمل كل ما من شأنه الدفاع عنها، كما لو كانوا إسرائيليين أكثر من الإسرائيليين أنفسهم.
التقديرات تشير إلى أنه بعد أن صارت «الصفقة» جاهزة، فإن قائد الفريق جاريد كوشنير يريد التعجيل بطرح الصفقة، فيما يضغط ديفيد فريدمان من أجل التأجيل، ويبدو أن تفسير ذلك يعني أن كوشنير الذي يرى ما هو عام بالمنطقة، ويأخذ بعين الاعتبار ما يرغب به حلفاء واشنطن في المنطقة، خاصة دول الخليج وفي مقدمتهم السعودية، ويرى في طرح الصفقة ما يساهم في ترتيب أوراق بلاده بالمنطقة، ويعزز من حضورها ونفوذها، فيما ينحاز فريدمان لما هو خاص بإسرائيل، حيث يرى في الصفقة الشق الخاص بالملف الفلسطيني/الإسرائيلي، ويفضل أن يتم طرح أو إعلان الصفقة في اللحظة المناسبة ارتباطا بهذا الملف، وفي اللحظة التي تسمح بتنفيذها على الأرض. ربما أن فريدمان يرى أن الوضع الداخلي الفلسطيني خاصة لم يرفع الراية البيضاء بعد، وأن طرح الخطة الآن سيمكّن الجانب الفلسطيني من مواجهتها وحتى إفشالها وصدها؛ لذا لا بد من التريث، حتى تنضج عدة أمور خاصة بواقع الحال الفلسطينية، حيث إن الوضع الداخلي الفلسطيني مرشح لأن يزداد سوءا عما كانت عليه الحال قبل 6 أشهر مضت، حين أعلن ترامب عن قراره بنقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، وكانت هناك تفاهمات القاهرة لإنهاء الانقسام، الأمر الذي أدى إلى مواجهة القرار الأمريكي بقوة ميدانياً وسياسياً، لكن منذ 3 أشهر، وبعد محاولة تفجير موكب رئيس الحكومة، رامي الحمد الله في غزة، عاد الوضع الداخلي الفلسطيني للتشتت والتناحر، الأمر الذي انعكس سلباً في مواجهة تنفيذ القرار، بل ربما كان سبباً في تعجيل واشنطن بتنفيذه، بعد بضعة أشهر من اتخاذه، وبعد أن كانت أعلنت أنها لن تنفذه خلال هذا العام.
في كل الأحوال فإنه إن طرحت صفقة العصر قريباً أو بعد حين، وخلال ما يمكن توقعه من عقد لمؤتمر أو اجتماع إقليمي، فإن السؤال الجوهري سيتعلق بالحضور الفلسطيني، أي بمقعد فلسطين في ذلك الاجتماع، وفيما إذا ما كانت واشنطن ستمضي قدماً في طرح الخطة، رغم عدم المشاركة الفلسطينية؛ ذلك أنه في حال قاطعت فلسطين الاجتماع والخطة، فإن ذلك على أقل تقدير سيجعل من البند الخاص بتصور حل ملف الصراع الفلسطيني/الإسرائيلي أقل أهمية أو حتى أنه سيخرجه من الخطة، وهذا أمر بالتأكيد لا تريده إسرائيل ولا يفضله فريدمان؛ ذلك أن العرب مجتمعين أو فرادى لن يقدموا على التصدي لحل هذا الملف بالنيابة عن الفلسطينيين، كما حدث في كامب ديفيد بين الرئيس المصري الراحل أنور السادات ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق مناحيم بيجين برعاية الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر الذي رغم أنه نص على حكم ذاتي فلسطيني، إلا أن عدم مشاركة الفلسطينيين في اتفاقية كامب ديفيد لم يلزمهم بشيء، ولم يغلق الباب أمام هذا الملف حتى عند الإسرائيليين الذين اضطروا لاحقاً للاتفاق مع الجانب الفلسطيني في أوسلو على شيء آخر.
من يريد التعجيل بطرح الصفقة من فريق ترامب يسعى خاصة بعد أن حققت واشنطن الانفراجة في الملف الكوري، إلى أن تنطلق أمريكا في مواجهة الملفات الأخرى: ملف الشرق الأوسط وملف التجارة الخارجية بحيوية أعلى، على طريق تنفيذ شعارات ترامب الانتخابية باستعادة مكانة أمريكا العالمية، فيما يريد من يقول بالتأجيل، أن تنضج الظروف أكثر لاستقبال المولود الشيطاني الذي يراد به أن يغلق ملف الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية كما هو حال تبييض الأموال المزورة، أي بتطهيره وتحويله إلى شرعي وإخراجه من محفظة الأمم المتحدة التي تسمه بالصفة غير الشرعية، أي من خلال حل يتم فرضه على أنه حل نهائي.
السؤال هنا هو: هل هناك أحد في إسرائيل وفي طاقم الإدارة الأمريكية من يراهن على أن يشارك وفد فلسطيني ما في مؤتمر كهذا أو من يضع بصمته على حل كهذا؟ ربما كان فعلا وحقا هناك من يعتقد بأنه يمكن مع بعض الوقت ظهور من يقوم بهذا الدور، خاصة بعد أن ظهرت حالة من التدهور والتآكل في الوضع الداخلي الفلسطيني، في ظل هذه اللحظة حالكة السواد.
يظن فريدمان أن عهد ما بعد الرئيس محمود عباس قد يشهد من «يتوافق» مع حالة عربية متردية ومتراجعة تماما عن ثوابت الحل الفلسطيني المقبول، أو على الأقل، تعويض ملف بملف، ونقصد بذلك ملف احتلال الضفة السياسي بملف غزة الإنساني.
إن ما يحدث حاليا من توتر داخلي فلسطيني ليس بين غزة والضفة أو بين «حماس» و«فتح» وحسب، بل ما يحدث داخل الضفة وداخل غزة من عودة لأجواء العام الأول من حدوث الانقسام، ما يزيد من تفاؤل العدو، ومن تشاؤم الصديق، فمن الواضح أنه بعد انعقاد المجلس الوطني وبعد ازدياد الهوة اتساعا بين جناحي الوطن، أن أمل إنهاء الانقسام يتلاشى، وأن مسيرة العودة، في غزة قد سجلت باسم «حماس» التي حشرتها في الممر الإجباري لكسر الحصار، بحيث يكون الحديث عن معاناة غزة والحل الإنساني حديثاً أثيراً لدى إسرائيل للدخول منه، ولتحقيق الهدف الرئيس من الانسحاب من غزة من جانب واحد عام 2005، وهو الاحتفاظ بالضفة الغربية، حيث بات نتانياهو الآن يقول علنا بعد الإنجاز في ملف القدس: إن إسرائيل ستحتفظ بالضفة الغربية في أي اتفاقيات قادمة.
نقلا- عن عمان العمانيه
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع