بقلم - محمد سعد عبدالحفيظ
لا يمكن الحديث عن «توسيع المشاركة السياسية وتفعيل دور الأحزاب» فى ظل إعلام مُقيد وصحافة مُحاصرة، فبدون وسائل إعلام تتمتع بهامش حرية يسمح لها بنقد قرارات وتوجهات السلطة وعرض الأفكار المخالفة وإتاحة الرؤى والبرامج البديلة، بما يُمكن الجمهور من تكوين رأى يدعم اختياره الحر فى الاستحقاقات الانتخابية، لن تكون هناك حياة ديمقراطية سليمة وسيظل الحال كما هو «محلك سر».
فى الجلسة الأولى لمجلس أمناء الحوار الوطنى والتى أُذيعت على الهواء مباشرة مطلع الشهر الحالى، دعا أكثر من مشارك إلى «أكبر قدر من الحرية لوسائل الإعلام»، باعتبار الإعلام القاطرة التى تدعم التنوع والتعدد، وهو ما يقنع الناس وبشكل سريع بأن ثمة حركة دبت فى نهر السياسة الراكد خلال الفترة الأخيرة.
القاعدة الأولى التى يجب أن ينطلق منها أى حوار فى بلد عانى لفترة ليست بقصيرة من انسداد فى الأفق السياسى هى فتح المجال العام، وإعلان القطيعة مع حالة الجمود والاستئثار بالرأى والقرار، وتداول كل الرؤى والأفكار دون مصادرة أو رقابة، فـ«الاختلاف فى الرأى لا يفسد للوطن قضية»، بتعبير الرئيس عبدالفتاح السيسى.
بعد تلك الجلسة ظن البعض وــ منهم كاتب تلك السطور ــ أن الحريات الصحفية والإعلامية ستتصدر المحاور الرئيسية لجلسات الحوار الوطنى الذى دعا إليه رئيس الجمهورية كل القوى السياسية «دون استثناء أو تمييز»، متعهدا بإعادة النظر فى بعض السياسات الخاصة بملف حقوق الإنسان والحريات.
خلال المؤتمر الصحفى الذى أعقب الاجتماع الثانى لمجلس أمناء الحوار الوطنى والذى عقد الأسبوع الماضى، فوجئ المتابعون بغياب ملف الحريات الصحفية والإعلامية عن المحاور الرئيسية للحوار الوطنى والتى تم حصرها فى 3 محاور «السياسى والاقتصادى والمجتمعى»، بحسب ما أعلن ضياء رشوان المنسق العام لمجلس الأمناء ونقيب الصحفيين.
انتهى مجلس الأمناء من مناقشة المحور السياسى كبداية، وفق ما أعلنه رشوان، لافتا إلى أنهم وصلوا بعد مناقشات مستفيضة إلى أن هناك 3 قضايا فرعية داخل المحور السياسى، وهى «مباشرة الحقوق السياسية والتمثيل النيابى والأحزاب السياسية، والمحليات، وحقوق الإنسان والحريات العامة»، مؤكدا أن المحور السياسى بموضوعاته ولجانه الفرعية جاهز، وسيتم تحديد موعد جلساته فى الاجتماع القادم.
ما يعنى أن قضية الحريات الصحفية والإعلامية غابت حتى عن اللجان الفرعية، وهو ما اعتبره البعض «تهميشًا» لقضية هامة، ويحتاج الأمر إلى إعادة نظر من السادة أعضاء مجلس الأمناء الذى يتصادف أن تشكيله يضم 8 صحفيين فضلا عن أن منسقه العام نقيب الصحفيين، وبالطبع عانى هؤلاء كما غيرهم من المناخ الخانق الذى حاصر الصحافة والإعلام خلال السنوات الأخيرة ومن الضغوط والتدخلات المُقننة أحيانا والتى تمارس خارج إطار القانون فى أحايين أخرى.
الحريات الصحفية لصيقة بالحريات السياسية، كما أسلفنا، وعليه فإذا كانت الجهة الداعية للحوار والسادة أعضاء مجلس الأمناء يرغبون بالفعل فى توسيع المشاركة السياسية وفتح المجال العام، فيجب إعادة ترتيب أولويات محاور الحوار الوطنى بما يسمح بترقية ملف الإعلام كمحور أساسى موازٍ للمحور السياسى، وليس كملف جزئى سيتم مناقشته ضمن لجنة فرعية منبثقة عن المحور الأساسى، كما أوضح لكاتب السطور بعض أعضاء مجلس الأمناء.
أيًّا كان وضع ملف الحريات الصحفية والإعلامية على أجندة محاور الحوار الوطنى، فهناك عدد من النقاط الجديرة بالمناقشة على طاولة المتحاورين:
• إطلاق سراح ما تبقى من صحفيين محبوسين على ذمة قضايا رأى.
• تعديل بعض مواد قوانين تنظيم الصحافة والإعلام التى صدرت عام 2018، والتى وضعت قيودا غير مسبوقة على حرية العمل الصحفى، مخالفة لمواد الدستور التى حظرت الرقابة والمصادرة والحجب إلا فى زمن الحرب والتعبئة العامة.
• إحياء مشروع قانون تعديل المواد الخاصة بالجرائم التى ترتكب بطريق النشر والعلانية فى قانون العقوبات والقوانين بما يتوافق مع النص الدستورى الذى حظر توقيع عقوبات سالبة للحرية فى قضايا النشر.
• إنهاء الممارسات التى تسمح لبعض الجهات بالتدخل فى صناعة المحتوى الصحفى، بما حول المنصات الإعلامية إلى صدى صوت للسلطة، وهو ما أدى إلى هجرة الجمهور لتلك المنصات باحثا عن أخرى تشبع شغفه فى المعرفة.
• رفع الحجب عن المواقع الصحفية التى وفقت أوضاعها وتقدمت بأوراق ترخيصها إلى الجهات المختصة، فلا يجوز ونحن نتحدث عن توسيع المشاركة أن تُحجب وسيلة إعلامية فقط لأنها تخالف توجهات السلطة.
«كل تقييد على حق المواطنين وحق وسائل الإعلام فى الوصول إلى المعلومات الصحيحة والأخبار الصادقة دون سند من القانون يُعد سيرا على غير مسار الدستور وإهدارا للحقوق التى صانها»، هذا ما قضت به محكمة القضاء الإدارى فى حكم شهير لها عام 2017.
الحكم أكد أنه لن تتحقق مشاركة الأفراد فى كل أمور الشأن العام بشكل فعال، إلا إذا كان المواطنون على بصيرة بما يحدث فى وطنهم، وهذا لن يحدث إلا بوجود وسائل إعلام صادقة، حينها سيدرك الرأى العام حقيقة ما يجرى إدركا سليما، وهو ما يمكنه من الاختيار.