توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أن تأتى متأخرا عليك ألا تأتى أبدا

  مصر اليوم -

أن تأتى متأخرا عليك ألا تأتى أبدا

بقلم: محمد سعد عبدالحفيظ

«إن تأتى متأخرا خير من أن لا تأتى أبدا».. هذه الحكمة غير مقبولة لدى الشعوب الغاضبة المحتقنة عندما تصم الأنظمة آذانها عن مطالبها فى البداية، خاصة إذا تمخض الغضب عن احتجاجات وتجمعات كبيرة فى الشوارع والميادين، فالأنظمة التى تعنتت طويلا فى تحقيق مطالب شعوبها لا ينفعها الحضور المتأخر.
بعد أن يبلغ الاحتقان من استبداد السلطة وفشلها ومراوغتها، تنزل الشعوب إلى الشوارع لتعبر عن رفضها وغضبها حينها تصبح استجابة أنظمة الحكم لبعض المطالب غير كافية، فالتفكير الجمعى للجماهير المحتشدة يذهب بعيدا ليطالب برحيل تلك الأنظمة وإسقاطها عقابا لها على إغلاقها كل المنافذ واستهانتها بمطالب الناس.
فى تشيلى قررت الحكومة قبل أيام رفع تذاكر قطارات مترو سانتياجو من 800 بيزوس إلى 830 بيزوس «1,04 يورو» أى بنسبة 4% تقريبا فقط، فاندلعت الاحتجاجات فى العاصمة لمدة 5 أيام، مخلفة 15 قتيلا ومئات المصابين إثر اشتباكات بين قوات الأمن والمتظاهرين الذين أحرقوا أكثر من 78 محطة مترو، ليخرج الرئيس سباستيان بينيرا على شاشات التلفزيون الرسمى معلنا حالة الطوارئ ويتحدث بعصبية لافتة عن المؤامرة التى تحاك ضد بلاده، ويصف المتظاهرين بأنهم خونة يحاولون جر البلاد إلى الفوضى، واعتبر أن البلد فى حالة حرب.
بعد اتساع رقعة المظاهرات وارتفاع سقف المطالب إلى «رحيل الرئيس»، تراجع بينيرا عن رفع أسعار التذاكر، فلم تهدأ ثورة الناس، فخرج فى خطاب متلفز آخر يعلن تفهمه لمطالب المحتجين ويعتذر عن نقص رؤيته، وقدم حزمة من التدابير الاجتماعية والاقتصادية شملت زيادة المعاش الأساسى الشامل حوالى 20%، وتجميد أسعار الكهرباء، واقترح قانونا يتيح للحكومة تحمل تكاليف العلاج الطبى باهظ الثمن.
وصل الرئيس التشيلى متأخرا، قدم ما كان يفترض أن يقدمه قبل شهور، لم يصغ إلى مطالب شعبه وتعامل معها بعنجهية وصلف فأصبح المطلب الأساسى للشعب الشيلى المطالبة برحيل الرئيس.
فى لبنان خرج المحتجون لرفض ضريبة كانت الحكومة تنوى فرضها على الاتصالات، ولما اجتمع اللبنانيون فى الساحات والميادين عبروا عما يجيش فى صدورهم تجاه تركيبة الحكم الفاسدة، ورفعوا شعار «كلن يعنى كلن»، لتجتمع كل مكونات الشعب اللبنانى على ضرورة رحيل النخبة الحاكمة التى فرضها نظام المحاصصة الطائفية.
جمعت ساحات الشهداء ورياض الصلح والنبطية وصيدا والبقاع وغيرها كل أطياف الشعب اللبنانى، ولم تفلح محاولات رئيس الوزراء المسلم السنى سعد الحريرى فى امتصاص غضب الجماهير التى رفضت تعهدات الرئيس المسيحى المارونى ميشيل عون ولم تلتفت لتهديدات حسن نصر الله زعيم «حزب الله» الشيعى الذى حذا حذو الطغاة فحذر من مؤامرة تحاك ضد بلاده قد تدفعها نحو «الفوضى والانهيار والحرب الأهلية»، فردت الجماهير عليهم جميعا بهتاف «كلن يعنى كلن.. ونصر الله واحد منن (منهم)».
بعد أسابيع قليلة من «يا راجل كبر مخك.. وخليهم يتسلوا» والاستهزاء بمطالب المعارضة وغضب الشارع من تزوير انتخابات مجلس الشعب 2010 وتجاوزات الشرطة فى حق المواطنين، خرج الرئيس الأسبق حسنى مبارك ليلة جمعة الغضب 28 يناير 2011 مطأطأ الرأس يخاطب شعبه بـ«الأخوة المواطنون» معلنا استقالة حكومة أحمد نظيف ومبديا أسفه على سقوط ضحايا أثناء المظاهرات التى عمت البلاد، رفض الشعب محاولات نظام مبارك للالتفاف على ثورته وامتصاص غضبه، ورفع شعار «ارحل ينعى ارحل».
بعدها بأيام قليلة ومع تصاعد حدة الاحتجاجات وتمسك الشعب بمطالبه، ظهر مبارك فى خطاب آخر يعلن فيه عدم ترشحه فى الانتخابات الرئاسية التى كان مقررا لها منتصف 2011 «لم أكن أنتوى الترشح لفترة رئاسية جديدة»، وأكد فى لقاء تلفزيونى أن ابنه جمال لن يقدم على هذه الخطوة.
لو كان مبارك اختار التوقيت المناسب لإعلان عزمه الرحيل وعدم ترشيح ابنه وإقالة الحكومة وحل مجلس الشعب وأفرج عن المعتقلين السياسيين ليلة 26 يناير لما وصلنا إلى جمعة الغضب ولما وصلنا إلى 11 فبراير وما ترتب عليها من آثار امتدت حتى هذه اللحظة.
إن لم تضبط الأنظمة بوصلتها على مطالب الشعوب وحقوقها المشروعة وتسعى إلى تحقيقها فى الوقت المناسب، ستذهب مطالب الناس بفعل تصاعد الغضب والاحتقان إلى أبعد مما تتوقع الأنظمة، ساعتها لن ينفعها أن تأتى متأخرة، فحين تأتى متأخرا فى هذه الحالة عليك ألا تأتى أبدا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أن تأتى متأخرا عليك ألا تأتى أبدا أن تأتى متأخرا عليك ألا تأتى أبدا



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon