بقلم: محمد سعد عبدالحفيظ
فى كل مرة ينزل فيها شعب من شعوب المنطقة إلى الشوارع والميادين للاحتجاج على تردى أوضاع سياسية واقتصادية، وللمطالبة بالحق فى حياة كريمة ومستقبل أفضل، نجد من يخرج علينا محذرا من سقوط الأوطان، ويذكرنا بمصائر بلدان ضاعت بسبب محاولات شعوبها الثورة على الأوضاع القاتمة، وكأنهم يخيرونا بين استمرار الاستبداد والقمع والفشل أو تفكك الدول وسقوطها.
بالقطع هذه المعادلة ليست صحيحة، فالمعطيات على الأرض لا تؤدى الإ إلى نتيجة واحدة وهى ثورة الشعوب، فأبواب التغيير لو كانت مفتوحة عبر الآليات الديمقراطية المتعارف عليها لما خرج الناس إلى الشوارع طلبا للتغيير.
فى بعض الدول تقايض الأنظمة الناس على حرياتها السياسية مقابل توفير احتياجاتها الاقتصادية، فى هذه الحالة تؤجل الشعوب المطالبة بالحقوق السياسية، مقابل فرص العمل والسكن والتعليم والعلاج، أما عندما تقمع الأنظمة شعوبها وتغلق أبواب التغيير ولا توفر لها احتياجات الحياة الأساسية فلا نلوم الشعوب على ثورتها.
الأولى أن يبادر من يحذرونا من مصائر الدول التى ضاعت بمطالبة الأنظمة بالاستماع لصوت شعوبها بدلا من كتمها وخنقها وتخويفها من عواقب أى حراك، فما يطالب به الناس جهرا أو سرا فى منطقتنا سيعفى الأوطان من مصير سوريا والعراق واليمن وليبيا.
أجمعت التعريفات على أن الدولة، هى «مجموعة من الأفراد (مواطنين) يمارسون نشاطهم على إقليم جغرافى محدد ويخضعون لنظام سياسى معين متفق عليه فيما بينهم يتولى شئون الدولة»، إذن المواطن هو قوام الدولة وركنها الأصيل وبدونه تتحول الأرض التى هى الركن الثانى إلى خراب، وبدونه لا ينشأ نظام سياسى، وبالتالى فإن التحكم فى مقدرات هذا المواطن رغما عنه وإرغامه على ما لا يطيق وكتم صوته وتهميش رأيه بدعوى الحفاظ على الدولة هو ضرب لأساس الدولة وقواعدها وهو الذى يعرض تلك الدولة للضياع.
التقرير السنوى الصادر عن «صندوق السلام» الأمريكى التى تنشره مجلة «فورين بوليسى» وضع عددا من المعايير لتصنيف الدول من حيث «الأكثر استقرارا» و«الأقل استقرارا» وعرف الأخيرة بأنها «الدول الهشة»، ويقيس المؤشر الذى كان يطلق عليه سابقا «مؤشر الدول الفاشلة» الضغوط والتحديات المختلفة التى تواجه 178 دولة حول العالم، من خلال تحليل 12 عاملا أساسيا وأخرى فرعية فى المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
ومن ضمن المؤشرات الاجتماعية التى يتضمنها التقرير لتنصيف الدول «الضغوط الديموجرافية، وحركة اللاجئين، وهجرة الأدمغة»، أما المؤشرات الاقتصادية فتقيس «التنمية الاقتصادية غير المتوازنة، والتدهور الاقتصادى»، ووضع التقرير مجموعة من النقاط ضمن المؤشرات السياسية منها «التدهور التدريجى للخدمات العامة، والانتهاك الواسع لحقوق الإنسان، وظهور الأجهزة الأمنية كدولة داخل دولة، وصعود النخب المنقسمة، وأخيرا تدخل الدول الأجنبية بالدولة».
فى تقرير 2019 الذى صدر فى أبريل الماضى، احتلت معظم الدول العربية مراكز متقدمة على قائمة «الدول الهشة» بمعنى أنها ضمن الدول الأشد فشلا أو هشاشة فى العالم، فجاءت اليمن الأولى بين دول العالم، تلتها الصومال ثم سوريا فالسودان فالعراق وليبيا وموريتانيا وهى الدول التى استوجب سوء الأوضاع فيها «الإنذار بدرجة عالية جدا».
أما مصر فقد جاءت فى المرتبة 34 على مؤشر التقرير ووُضعت ضمن الدول الأشد هشاشة فى العالم لهذا العام متراجعة عن العام السابق بدرجتين على المؤشر، لأسباب معظمها سياسية، حيث كانت تقع ضمن دول «التحذير العالى» على مؤشر عام 2018 وانتقلت إلى دول «الإنذار العالى» هذا العام، لتقترب من دول مثل موريتانيا وليبيا والعراق.
خلال الأسابيع الماضية خرج عدد من شعوب المنطقة لرفض الإجراءات الاقتصادية والسياسية التى تفرضها الأنظمة وللمطالبة بالحق فى حياة أفضل، حدث ذلك فى لبنان والعراق وبشكل ما فى دول أخرى لن تتوقف فيها الهزات الشعبية إلا بعد أن يشعر أهلها أن السلطة وضعتهم على طريق الدول المستقرة، ومنحتهم الأمل فى حياة أفضل، وذلك لن يتم إلا بإيمان الأنظمة بحق هذه الشعوب فى الديمقراطية والحرية والمساواة.
لا تستقر الدول بالتأبيد فى السلطة وفرض السياسات على الناس بقوة القمع والاستبداد، وإنما تستقر بإقناع المواطن أنه يملك قرار اختيار الحكام ومن ينوب عنه فى مراقبتهم، ويملك الحق فى عزلهم، وعندما ييأس المواطن ويدرك أن باب التغيير عبر الصندوق أُغلق فلن يكون أمامه سوى الشوارع والميادين.