بقلم: محمد سعد عبدالحفيظ
فى نهاية يوليو 2018، انتقد صاحب هذه السطور عدم استخدام مجلس النواب «الاستجوابات»، كإحدى الأدوات الرقابية التى كفلها الدستور للمجلس النيابى لمحاسبة الحكومة، وذلك بعد أن مر على انعقاد المجلس ما يقرب من 4 سنوات لم يطرح فيها استجواب واحد.
حينها برر الدكتور على عبدالعال رئيس المجلس عدم استخدام البرلمان لـ«الاستجوابات» بقوله: بعضها لم تتوافر فيها الشروط الشكلية، وبعضها لم تتوافر فيها الموضوعية، وبالتالى تم حفظها، مضيفا: «الاستجواب إجراء خشن يترتب عليه سحب الثقة من الحكومة»، مضيفا «الاستجوابات اتلغت من بعض الدساتير ومنها الدستور الفرنسى».
وذكر الدكتور عبدالعال بأن الدستور الفرنسى منح الجمعية الوطنية الحق فى طرح الثقة بالحكومة بآلية تسمى «اقتراح اللوم»، وهى الوسيلة التى يستطيع نواب البرلمان من خلالها التصويت على قرار بإسقاط الحكومة، وذلك بعد ثبوت اتهامها بالتقصير، وهو إجراء مشابه للاستجواب. واستعرضت فى مقالى الذى حمل عنوان «درس فرنسى خشن» آخر الاستجوابات التى جرت داخل الجمعية الوطنية الفرنسية بمثول وزير الداخلية جيرار كولومب، أمام لجنة تحقيق برلمانية.
بعدها بأيام أرسل البرلمان على لسان متحدثه الرسمى ردا على مقالى يبرر فيه تعطيل مجلسهم الموقر لإداة الاستجواب، وقال النائب صلاح حسب الله: إن تجارب الدول أثبتت أن كثرة استخدام الاستجوابات يمكن أن يتحول لوسيلة لتصفية الحسابات السياسية والمنافسة بين الأحزاب والكتل البرلمانية.. وكل ذلك لا يحقق مصالح الدولة فى مثل هذه المراحل الدقيقة من عمرها بما يهدر وقت البرلمان المحدود دائما.
وأشار حسب الله إلى أن البرلمان المصرى قادر على استخدام أدوات الرقابة البرلمانية لكنه يدرك أن طبيعة المراحل التالية للثورات يسهل فيها إسقاط الحكومات وتصيّد الأخطاء، «لكن المجلس أدرك بالحس الوطنى لنوابه أن الأولى هو عملية البناء والتطوير دون الإخلال بأحكام الرقابة والمحاسبة».
الآن وخلال افتتاح أحد المشروعات فى الأسبوع الماضى طالب الرئيس السيسى النواب بالتصدى لأى أمر محل تشكك «اعملوا لجان وفتشوا واعملوا تقارير واعلنوها للناس، ولو كان فيه قصور من الدولة اعلنوا، ولو كان فيه غير كده اعلنوا».
وشدد السيسى على أهمية تفعيل الاستجواب كأداة رقابية للبرلمان، داعيا النواب لعدم الالتفات لـ«زعله أو زعل الحكومة»، مضيفا: «أقول هذا الكلام علشان مؤسسات الدولة لا تتألم من هذا الاستجواب بالبرلمان، ولا يجب أن يتعامل أى مسئول مع استجوابه أو سؤاله فى البرلمان عن أوجه القصور بحساسية.. نحن نتعامل فى إطار الدولة، نخطئ ونصيب، وميجراش حاجة إننا نوضح بموضوعية وحقائق».
بعد ساعات، خرج المستشار بهاءالدين أبوشقة رئيس اللجنة التشريعية والدستورية فى مجلس النواب، ورئيس حزب الوفد، فى تصريح تليفزيونى ليؤكد أن ما قاله السيسى عن البرلمان «تكليف وليس حديثا»، مؤكدا أنهم سيستخدمون جميع أدوات المساءلة البرلمانية بما فيها الاستجواب على الدولة.
فى ذات اليوم أيضا تقدم النائب فرج عامر رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب بأول استجواب ضد وزير الرى محمد عبدالعاطى، بدعوى «تنصله من تحمل مسئولية ما يحدث بشأن نقص المياه، تاركا رئيس الجمهورية يواجه الأزمة منفردًا دون أن يقوم الوزير بأى إجراءات».
وأضاف عامر فى استجوابه، أن «الوزير كان يعلم ــ علم اليقين ــ أن المصيبة التى ستحل بنا بشأن نقص المياه آتية لا محالة، ورغم وجوده على رأس الوزارة منذ أكثر من 3 سنوات لم يقدم أى حلول عملية سوى الادعاء بما يسمى الخطة القومية، وهى خطة وهمية أسند إعدادها لمكاتب استشارية بتكلفة تتجاوز 50 مليون جنيه ممولة من منح وقروض برعاية قطاع التخطيط».
غابت الاستجوابات عن البرلمان لأكثر من 4 أدوار انعقاد وظهرت أخيرا بعد تكليف رئيس السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية للسلطة التشريعية بمراقبة حكومته والتحقيق مع المقصرين فيها وسحب الثقة منهم.
فى الديمقراطيات المستقرة تنتخب الشعوب السلطة التنفيذية لتمارس دورها فى تنفيذ برنامج طرحته قبل وصولها للسلطة، وتنتخب ذات الشعوب من يراقب أعمال السلطة التنفيذية ويحاسبها، وتحترم كل سلطة دورها فيما عرف اصطلاحا بمبدأ «الفصل بين السلطات».