بقلم: محمد سعد عبدالحفيظ
فى مقابلة مع قناة «بى بى سى» أذيعت قبل أيام، أبدى رئيس الوزراء الإسرئيلى بنيامين نتنياهو سعادته بتطور العلاقات مع العديد من الدول العربية، وبالتحول فى توجهات حكومات وشعوب عربية عدة تجاه بلاده.
رئيس وزراء الكيان الصهيونى تباهى بأن التطبيع مع إسرائيل يتزايد «لا أعتقد أنه من الممكن التوصل لاتفاقات سلام أخرى، لكن الجديد هو أن دولا عربية باتت تدرك أن بإمكاننا المضى قدما فى أمور عدة خاصة فى المجال الأمنى وأنا سعيد بذلك للغاية».
تعمد نتنياهو توريط قادة عرب، كاشفا عدم اكتراث العديد منهم بتعثر مسار السلام الفلسطينى الإسرائيلى، «العديد من القادة العرب يدركون الآن أنه لا بد من دفع العلاقات مع إسرائيل فى مجالات التجارة والتكنولوجيا والطاقة والمياه والأمن وغيرها، بصرف النظر عن التعثر على المسار الفلسطينى».
أرجع نتنياهو سبب التحول فى نظرة العالم العربى لبلاده، رغم عدم التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية، إلى إدراك كثيرين فى العالم العربى على مستوى القادة والشعوب أن إسرائيل لم تعد عدوا لهم وإنما حليف فى مواجهة عدوان إيران، على حد تعبيره.
قدم نتنياهو نفسه خلال تلك المقابلة باعتباره الحليف الذى يسعى للدفاع عن أمن المنطقة ضد الخطر الإيرانى، «إسرائيل لا تدافع فقط عن نفسها ضد إيران وإنما تدافع أيضا عن دول أخرى فى المنطقة إزاء العدوان الإيرانى المستمر».
تطبيع الحكومات العربية مع العدو الصهيونى كان يتم على قدم وساق منذ أن مهد الرئيس أنور السادات الطريق بين القاهرة وتل أبيب، فقررت عواصم عربية أخرى مد طرق علنية أو سرية إلى عاصمة الكيان، فلحقت بالقاهرة، عمان ونواكشوط والدوحة وتونس ومسقط، وامتد الحبل على الجرار ليشمل معظم العواصم العربية، ووصل الأمر أخيرا إلى أن اللقاءات التى كانت تتم فى الخفاء صارت مقابلات علنية وزيارات رسمية وقبلات حارة حتى تجرأ نتنياهو على تقديم نفسه كحليف لدول المنطقة ومدافع عنها ضد تهديدات طهران.
معهد أبحاث الأمن القومى بجامعة تل أبيب نشر دراسة فى يوليو 2018، أشارت إلى أن التطورات التى شهدتها المنطقة خلال العقد الأخير غيرت أولويات الدول العربية «المعتدلة»، ونظرتها إلى إسرائيل، فباتت تنظر إليها كشريك لمواجهة التحديات الإقليمية المتزايدة، والمتمثلة فى صعود النفوذ الإيرانى، والجماعات الإسلامية المسلحة.
وأضافت الدراسة التى شارك فى إعدادها رئيس أركان الجيش الإسرائيلى الأسبق موشيه يعلون، أن هذه التحديات أدت إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، لصالح الاعتراف بوجود مصالح استراتيجية مشتركة مع تل أبيب.
إذن هرولة الحكومات العربية إلى التطبيع مع الكيان الصهيونى طمعا فى الرضا الأمريكى أو محاولاتها شراء حليف قوى لمواجهة تهديد الجارة الفارسية وتراجع اهتمامها بقضية العرب المركزية ليس أمرا مفاجئا، لكن الغريب فى حديث رئيس الوزراء الإسرئيلى الذى سيواجه اختبارا مصيريا فى الانتخابات التى ستجرى فى السابع عشر من الشهر الجارى أنه حاول طرح نفسه باعتباره حليفا ليس لحكومات المنطقة فقط بل لشعوبها أيضا، معتبرا زيارة عدد من خوارج العرب من صحفيين ومدونين ورجال أعمال لتل أبيب تعبيرا عن المزاج الشعبى العربى.
ما يعلمه نتنياهو جيدا أن الشارع العربى لا يزال يرفض أى شكل من أشكال التطبيع مع العدو الصهيونى، وأن الوجدان العربى يرفض بالفطرة قبول هذا الكيان السرطانى فى قلب الجسد العربى، حتى ولو غابت الاحتجاجات وأشكال الرفض، نتيجة لحصار المعارضة وتغييب السياسة وفتح السجون على مصراعيها لكل من يبدى رأيا مخالفا، فكراهية إسرائيل واعتبار التطبيع معها أقرب إلى التحريم ينتقل من جيل إلى جيل بالوراثة.
إسرائيل تعلم تماما مشاعر الشعوب العربية تجاهها وتدرك أنها تسبح فى بحر من الكراهية صنعته جرائمها فى حق الشعوب العربية، وتسعى بكل ما تملك من قوة أن تمحو ذاكرة الدم وتدفن الحقوق الفلسطينية فى صحراء العرب، تلك المحاولات أجزم أنها لن تنجح، فأدعياء التطبيع فى العواصم العربية منبوذون ولا يستطيعون الجهر بعلاقاتهم مع العدو، ومحاولات شيطنة الفلسطينيين لن تقنع الشعوب ولن تمحو من ذاكرتها أن إسرائيل كيان غاصب وما بيننا وبينه دم وأرض.