بقلم - محمد سعد عبدالحفيظ
بعد أيام من إعلان مجلة التايم الأمريكية اختيارها لـ4 صحفيين ومؤسسة صحفية ليكونوا معا شخصية العام ويتصدروا غلاف المجلة السنوى الذى ينتظره العالم نهاية كل عام تحت عنوان «الحراس والحرب على الحقيقة»، صدر نهاية الأسبوع الماضى التقرير السنوى للجنة الدولية لحماية الصحفيين معلنا احتجاز نحو 251 صحفيا حول العالم، بسبب عملهم، وذلك للسنة الثالثة على التوالى، «إذ لجأت الأنظمة الاستبدادية على نحو متزايد إلى سجن الصحفيين لإسكات المعارضة».
اختيار «التايم» الصحفى السعودى جمال خاشقجى الذى قتل فى قنصلية بلاده بمدينة اسطنبول التركية، ومراسلى وكالة رويترز للأنباء المحتجزين فى ميانمار بتهمة تغطية مذابح الجيش ضد أقلية الروهينجا «وا لونى»، و«كياو سوى أوو»، والصحفية الفلبينية، ماريا ريسا، المعارضة لسياسات الرئيس رودريجو دوتيرتى، ثم صحيفة «كابيتال جازيت» الأمريكية التى تعرضت لهجوم مسلح من جانب مجرم أمريكى خسر دعوى قضائية ضدها، لم يكن ذلك الاختيار من باب الاحتفاء، على قدر ما كان من باب التذكير بدور هؤلاء فى إجلاء الحقائق وتقديمها للشعوب باعتبارهم «حراسا» فى ميدان «الحرب على الحقيقة»، بحسب ما جاء فى عنوان غلاف المجلة.
أما تقرير لجنة حماية الصحفيين السنوى، فقد صدرته اللجنة تحت عنوان «وجود مئات الصحفيين السجناء فى العالم بات أمرا اعتياديا»، وأشارت إلى أن النهج الاستبدادى فى التعامل مع التغطية الصحفية الناقدة هو أكثر من مجرد تراجع طارئ.
ولفت التقرير إلى أن عام 2108، شهد موجات قمع جديدة فى كل من الصين والسعودية ومصر، فضلا عن تركيا التى تحتجز أكبر عدد من الصحفيين فى العالم، تليها الصين ثم مصر.
وأشار التقرير إلى أن غالبية الصحفيين السجناء فى العالم يواجهون اتهامات بمناهضة الدولة، والانتماء إلى جماعات تعتبرها السلطات منظمات إرهابية، مضيفا أن عدد الصحفيين السجناء بسبب تهمة نشر أخبار كاذبة وصل إلى 28 صحفيا، تسجن مصر منهم «19 صحفيا».
وانتقد التقرير موقف الرئيس التركى رجب طيب أردوغان الذى يوجه أقسى الانتقادات إلى السعودية بسبب قتل الصحفى جمال خاشقجى، بينما تواصل حكومته سجن الصحفيين أكثر من أى بلد فى العالم، إذ تحتجز أنقرة ما لا يقل عن 68 صحفيا سجينا بسبب عملهم.
وتوقف التقرير عند القمع التى تمارسه السلطات السعودية ضد الصحفيين فى المملكة بسبب عملهم أو مواقفهم، والذى وصل إلى حد قتل الصحفى خاشقجى وسجن 16 صحفيا، بينهم 4 صحفيات كتبن حول حقوق المرأة فى المملكة.
وتلت تركيا والصين ومصر والسعودية فى قائمة الدول الأكثر سجنا للصحفيين، دول أخرى مثل إريتريا والكاميرون وفيتنام وأذربيجان وسوريا وأمريكا وفنزويلا.
ما بين اختيار «التايم» للصحفيين ليتصدروا غلاف المجلة بسبب دورهم فى إجلاء الحقائق، وتقرير اللجنة الدولية الذى اعتبر عام 2108، من أسوأ الأعوام التى مرت على أهل المهنة بسبب تصاعد عمليات القمع ضد الصحفيين فى عدد من البلاد، يظل «حراس الحقيقة» هم الرقم الأهم فى المعادلة، سواء فى الدول الديمقراطية التى تحترم الصحافة واستقلالها وتتعامل معها باعتبارها «الحارس العام» على المجتمعات وعين الشعوب لمراقبة أهل الحكم، أو فى الدول المستبدة التى تكره الصحافة وتحاول إسكاتها ووضعها خلف الأسوار، لتحجب الحقائق عن مواطنيها.
عبر تاريخ يمتد لأكثر من قرن ونصف، قدم «حراس الحقيقة» فى مصر تضحيات كبيرة فى سبيل تأسيس الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، وسجل تاريخ الصحافة نماذج للمئات من أبناء «صاحبة الجلالة» الذين ضحوا بحرياتهم وأقواتهم للدفاع عن الاستقلال والدستور وحق المواطن فى المعرفة، فلم تخل زنازين السلطة ملكية كانت أم جمهورية من صاحب قلم تمسك باستقلاله فى مواجهة استبداد الحكم.
تذهب الحكومات وتسقط الأنظمة، وتظل الصحافة باقية، مادام فى بلاطها من يقبض على جمر الحقيقة، غير عابئ ببطش أو حصار، «فهؤلاء هم الوكلاء الطبيعيون عن ضمير الأمم»، بتعبير شيخ الصحفيين ونقيبنا الراحل حافظ محمود.
نقلا عن الشروق
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع