بقلم : محمد سعد عبدالحفيظ
صباح أمس الأول، الجمعة، استمعت نيابة مدينة بيرجامو بشمال إيطاليا لرئيس الوزراء جوزيبى كونتى، فى إطار تحقيق حول فشل حكومته فى إدارة أزمة تفشى وباء كورونا الذى تسبب فى وفاة أكثر من 34 ألف شخص، منذ بداية انتشاره فى فبراير الماضى.
المدعية العامة ماريا كريستينا روتا توجهت إلى مقر كونتى صباح الجمعة وأمرت بفتح التحقيق، لتستمع إلى المسئول التنفيذى الأول فى إيطاليا الذى رحب بالأمر وأقر بحق القضاء فى ممارسة واجبه، «الأمور التى لدى سأقولها للمدعى العام.. سأعرض كل الوقائع التى أنا على علم بها بضمير حى.. ولست قلقا على الإطلاق»، قال كونتى للصحفيين، مضيفا: «التحقيق أمر مرحب به.. المواطنون لهم الحق فى المعرفة ولدينا حق الرد».
ومن المنتظر أن تستدعى المدعى العام وزيرى الصحة والداخلية، للاستماع إلى أقوالهما فى التحقيق الذى فتح بناء على تقدم أفراد من أسر ضحايا كورونا بنحو 50 دعوى اتهموا فيها الحكومة بالتقصير فى عزل بلدتين فى شمال إيطاليا مما حول الأمر إلى كارثة.
بدأت القصة بتدشين عدد من أقارب ضحايا كورونا مجموعة على موقع «فيسبوك» باسم «لجنة الحقيقة والعدالة لضحايا كوفيدــ19»، عرضوا فيها المآسى التى تعرض لها أقاربهم من تضارب فى المعلومات وإهمال طبى ونقص أسرَّة الرعاية ما أدى إلى سقوط آلاف الضحايا.
اتفق أعضاء المجموعة على رفع 50 دعوى قضائية ضد الحكومة «المقصرة والمضللة» من وجهة نظرهم، وبدأ الادعاء العام التحقيق، واستمع إلى أصحاب الدعاوى ثم شرع فى الاستماع إلى المشكو فى حقهم «رئيس الحكومة ووزيرى الصحة والداخلية».
لم تنته القصة بعد فى البلد الذى تمكن فيه المواطن من مقاضاة المسئول التنفيذى الأول واتهمه بالتقصير والتضليل، فالدعاوى لا تزال قيد التحقيق ولا يعرف أحد إلى ما ستؤول، فليس من المستبعد أن يُسأل كونتى ووزيريه وقد ينتهى الأمر بعزلهم.
هذه هى الديمقراطية التى تضع الكل تحت طائلة القانون، فى دولة تحترم مواطنيها ويلتزم نظامها بسيادة القانون، لذا تم تصنيفها فى المركز الـ27 على مؤشر «سيادة القانون» لعام 2020 الصادر عن مؤسسة العدالة العالمية (WJP).
يعكس مؤشر «العدالة العالمية» 44 فئة لتقييم سيادة القانون فى 128 دولة، وتتجمع الفئات فى 8 قوائم هى «التحرر من الفساد، والحكومة المفتوحة، والقيود على السلطة الحكومية، والحقوق الأساسية، والنظام والأمن، وإنفاذ القانون، والعدالة الجنائية، والعدالة المدنية».
ويستند التقرير السنوى لمؤسسة العدالة العالمية إلى استبيانات وطنية لأكثر من 130,000 أسرة و4,000 ممارس وخبير قانونى فى جميع أنحاء العالم. وتصدرت الدنمارك القائمة باعتبارها الأولى فى سيادة القانون على مستوى العالم وتذيلتها فنزويلا فى المركز 128.
فى المقابل فإن أول دولة عربية على هذا المؤشر كانت الإمارات فى المركز الـ 30 ثم الأردن فى المركز الـ 50 وتونس فى المركز الـ 56 والمغرب فى المركز الـ 79 والجزائر فى المركز 83، أما باقى الدول العربية فإنها إما جاءت خارج التصنيف أو فى مراكز متأخرة بعد ذلك.
يستهدف المؤشر «تشجيع سياسة الإصلاح، وتعزيز سيادة القانون» فى دول العالم، ويدل فى الوقت نفسه على الأزمة التى تمر بها أغلب بلادنا العربية فيما يتعلق بسيادة القانون، حيث لا يكاد يملك المواطن حق انتقاد مسئول أيا كان موقعه، فما بالك بمقاضاته واتهامه بالتقصير أو التضليل، ولو تجرأ وفعلها سيجد نفسه ملاحقا بتهم «نشر أخبار كاذبة، وإثارة البلبلة» إلى آخر تلك الاتهامات، لينزلق غير مأسوف عليه إلى الثقب الأسود، ويصبح رقما يضاف إلى أرقام المحبوسين احتياطيا بذات التهم.