توقيت القاهرة المحلي 05:51:42 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع وجود وليس صراع حدود

  مصر اليوم -

صراع وجود وليس صراع حدود

بقلم - عمرو الزنط

عندما نتحدث عن الصراع الدائر منذ عقود مع الإسلام السياسى- والذى ربما اقترب من الذروة مؤخرًا- نتحدث عن صراع وجود. لأنه يدور مع مَن يريد بسط قراءة معتمدة لمعنى الوجود ذاته، ويرمى إلى محو وجود أى فكر مغاير. كان هذا الطرح الأساسى للمقال السابق: الصراع لا يتعلق بتطبيق حدود شرعية، إنما بحدود فكرية تلغى وجود أى طرح مغاير، فيجد مَن يتبنى ذلك الفكر نفسه فى صراع وجودى.
لكن أليس حقيقيًّا أن كل مجتمع، مهما كان تحرره وانفتاحه، يفرض حدودًا ما قد تبدو مُكبِّلة؟. بالقطع، بل إن الحرية نفسها تحتاج وجود نظام. لأنه فى بلد بلا حدود قانونية مَن له الحرية فى التحرك والتفكير وفرض أفكاره هو فقط مَن يمتلك أداة السيطرة بقوة السلاح وليس حجة العقل، أى سيادة قانون البلطجة، ولن أقول الغابة لأنه أسوأ بكثير، نظرًا لقدرة الإنسان على تنظيم العنف وتركيزه لمضاعفة آثاره المدمرة، ثم تعليله باسم أسمى المفاهيم المثالية.

إذن فالحرية تحتاج نظامًا متوافَقًا عليه، فلا يمكن فرض أى شىء على الإنسان الحر إلا بالإقناع والتعليل فى ظل النظام المتوافَق عليه. لكن ماذا إذا تبلور التوافق، فى مرحلة ما، على نظام الإسلام السياسى؟. ألم ينتخب المصريون مثلًا الكثير من من نوابهم من الأحزاب الدينية فى «برلمان الثورة»؟، ما المشكلة فى هذا التوافق؟.

السؤال الأول الذى يجب الرد عليه هو: لماذا يا تُرى تجد سيادة قانون البلطجة منتشرة فى مجتمعات حاولت تطبيق «الحدود»، مثل السودان والصومال وأفغانستان، بالمقارنة بمجتمعات من المفترض أنها أكثر انفلاتًا بكثير: السويد أو هولندا مثلًا، أو حتى أماكن أفقر مثل تايلاند وفيتنام؟.

حتى إذا تغاضينا عن كيفية معاملة الحكم باسم المطلق لمَن يرفض حيثياته العقائدية من أساسه، يكفى أن نلاحظ كارثية الصراع بين مَن يدَّعِى أنه الأحق بفهم مقاصد الله على الأرض فى ظل سيطرة ذلك «التوافق» عليه، والذى سرعان ما يتحول إلى حرب ضروس بين الفئات المختلفة التى تعتقد أنها مُفوَّضة من قِبَل خالق الكون لتطبيق شرعه على الأرض، كما حدث مثلًا بين جماعات الصومال والمجاهدين وطالبان فى أفغانستان. الصراع بين أولياء الله فى الأرض أقرب إلى نظام قانون البلطجة عنه إلى الأنظمة العقلانية المانحة للحرية.

لكن حتى قبل الوصول إلى هذا الحد، هناك أزمات يصطدم بها أى نظام ليس فيه مرونة التطور؛ فصحيح أن الحرية تحتاج لوائح وأنظمة وقوانين متوافَقًا عليها، لكن أساس النظام الذى يصونها يجب أن يقبل أن تكون هذه قابلة للإصلاح والتعديل والتغيير، أو على الأقل إعادة التفسير والتأويل. أما المطلق، والحكم باسمه، فليس قابلًا «للإصلاح»: من الصعب جدًّا قبول إلغاء الحكم باسم خالق الكون وحذف شرعه من القوانين.

حاكمية الله، فى نظر مَن يحكم باسمها، لا يمكن أن تكون، فى التحليل النهائى، قابلة للإلغاء نتيجة مجرد تغيرات فى أهواء البشر.. حتى إذا انقلب التوافق بالكامل نتيجة تحولات عميقة فى العلوم والتكنولوجيا والثقافة تفرض أنماطًا جديدة من الحياة والفكر، يظل المطلق ثابتًا مطلقًا فى نظر مَن يتبناه ويتسلط باسمه.

قارن ذلك بالنظام السياسى المبنى على الدستور الأمريكى مثلًا، والذى كان يمكن تفسيره فى البداية على أنه يسمح بالعبودية وعدم إعطاء النساء أو حتى الفقراء حق التصويت، وبأشياء أخرى كثيرة تُعتبر مُكبِّلة للحقوق والحريات فى زماننا الحالى. لكن ذلك النظام، نتاج الثورة العلمية وعصر التنوير، سمح أيضًا بالإصلاح الذاتى والتأقلم مع تغير ظروف وفكر الإنسان.

حتى وصل رئيس أسود فى البيت الأبيض وحصل النساء، وكذلك المثليون وغيرهم كثيرون، على حقوق واسعة النطاق. فى نفس الوقت، مع تفاقم الصراع الذى احتدَّ حول التغيرات المسرعة والمسائل الخلافية، حمى الدستور والنظام الأمريكى حقوق الأقليات السياسية المعارضة، حتى عندما حاول «ترامب» محوها لأنه يقر بأن خسارتها للأغلبية لا تعنى محو وجودها.. فالصراع السياسى فى ظله ليس صراع وجود أساسًا لأنه سمح منذ البداية بمساحة شاسعة من الحرية الفكرية، التى بدونها لا إمكانية أو معنى للتعددية السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع وجود وليس صراع حدود صراع وجود وليس صراع حدود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon