توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع وجود وليس صراع حدود

  مصر اليوم -

صراع وجود وليس صراع حدود

بقلم - عمرو الزنط

عندما نتحدث عن الصراع الدائر منذ عقود مع الإسلام السياسى- والذى ربما اقترب من الذروة مؤخرًا- نتحدث عن صراع وجود. لأنه يدور مع مَن يريد بسط قراءة معتمدة لمعنى الوجود ذاته، ويرمى إلى محو وجود أى فكر مغاير. كان هذا الطرح الأساسى للمقال السابق: الصراع لا يتعلق بتطبيق حدود شرعية، إنما بحدود فكرية تلغى وجود أى طرح مغاير، فيجد مَن يتبنى ذلك الفكر نفسه فى صراع وجودى.
لكن أليس حقيقيًّا أن كل مجتمع، مهما كان تحرره وانفتاحه، يفرض حدودًا ما قد تبدو مُكبِّلة؟. بالقطع، بل إن الحرية نفسها تحتاج وجود نظام. لأنه فى بلد بلا حدود قانونية مَن له الحرية فى التحرك والتفكير وفرض أفكاره هو فقط مَن يمتلك أداة السيطرة بقوة السلاح وليس حجة العقل، أى سيادة قانون البلطجة، ولن أقول الغابة لأنه أسوأ بكثير، نظرًا لقدرة الإنسان على تنظيم العنف وتركيزه لمضاعفة آثاره المدمرة، ثم تعليله باسم أسمى المفاهيم المثالية.

إذن فالحرية تحتاج نظامًا متوافَقًا عليه، فلا يمكن فرض أى شىء على الإنسان الحر إلا بالإقناع والتعليل فى ظل النظام المتوافَق عليه. لكن ماذا إذا تبلور التوافق، فى مرحلة ما، على نظام الإسلام السياسى؟. ألم ينتخب المصريون مثلًا الكثير من من نوابهم من الأحزاب الدينية فى «برلمان الثورة»؟، ما المشكلة فى هذا التوافق؟.

السؤال الأول الذى يجب الرد عليه هو: لماذا يا تُرى تجد سيادة قانون البلطجة منتشرة فى مجتمعات حاولت تطبيق «الحدود»، مثل السودان والصومال وأفغانستان، بالمقارنة بمجتمعات من المفترض أنها أكثر انفلاتًا بكثير: السويد أو هولندا مثلًا، أو حتى أماكن أفقر مثل تايلاند وفيتنام؟.

حتى إذا تغاضينا عن كيفية معاملة الحكم باسم المطلق لمَن يرفض حيثياته العقائدية من أساسه، يكفى أن نلاحظ كارثية الصراع بين مَن يدَّعِى أنه الأحق بفهم مقاصد الله على الأرض فى ظل سيطرة ذلك «التوافق» عليه، والذى سرعان ما يتحول إلى حرب ضروس بين الفئات المختلفة التى تعتقد أنها مُفوَّضة من قِبَل خالق الكون لتطبيق شرعه على الأرض، كما حدث مثلًا بين جماعات الصومال والمجاهدين وطالبان فى أفغانستان. الصراع بين أولياء الله فى الأرض أقرب إلى نظام قانون البلطجة عنه إلى الأنظمة العقلانية المانحة للحرية.

لكن حتى قبل الوصول إلى هذا الحد، هناك أزمات يصطدم بها أى نظام ليس فيه مرونة التطور؛ فصحيح أن الحرية تحتاج لوائح وأنظمة وقوانين متوافَقًا عليها، لكن أساس النظام الذى يصونها يجب أن يقبل أن تكون هذه قابلة للإصلاح والتعديل والتغيير، أو على الأقل إعادة التفسير والتأويل. أما المطلق، والحكم باسمه، فليس قابلًا «للإصلاح»: من الصعب جدًّا قبول إلغاء الحكم باسم خالق الكون وحذف شرعه من القوانين.

حاكمية الله، فى نظر مَن يحكم باسمها، لا يمكن أن تكون، فى التحليل النهائى، قابلة للإلغاء نتيجة مجرد تغيرات فى أهواء البشر.. حتى إذا انقلب التوافق بالكامل نتيجة تحولات عميقة فى العلوم والتكنولوجيا والثقافة تفرض أنماطًا جديدة من الحياة والفكر، يظل المطلق ثابتًا مطلقًا فى نظر مَن يتبناه ويتسلط باسمه.

قارن ذلك بالنظام السياسى المبنى على الدستور الأمريكى مثلًا، والذى كان يمكن تفسيره فى البداية على أنه يسمح بالعبودية وعدم إعطاء النساء أو حتى الفقراء حق التصويت، وبأشياء أخرى كثيرة تُعتبر مُكبِّلة للحقوق والحريات فى زماننا الحالى. لكن ذلك النظام، نتاج الثورة العلمية وعصر التنوير، سمح أيضًا بالإصلاح الذاتى والتأقلم مع تغير ظروف وفكر الإنسان.

حتى وصل رئيس أسود فى البيت الأبيض وحصل النساء، وكذلك المثليون وغيرهم كثيرون، على حقوق واسعة النطاق. فى نفس الوقت، مع تفاقم الصراع الذى احتدَّ حول التغيرات المسرعة والمسائل الخلافية، حمى الدستور والنظام الأمريكى حقوق الأقليات السياسية المعارضة، حتى عندما حاول «ترامب» محوها لأنه يقر بأن خسارتها للأغلبية لا تعنى محو وجودها.. فالصراع السياسى فى ظله ليس صراع وجود أساسًا لأنه سمح منذ البداية بمساحة شاسعة من الحرية الفكرية، التى بدونها لا إمكانية أو معنى للتعددية السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع وجود وليس صراع حدود صراع وجود وليس صراع حدود



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف

GMT 04:47 2018 السبت ,06 كانون الثاني / يناير

تعرف على أسعار السمك في الأسواق المصرية السبت

GMT 14:38 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

جاكيتات "جلد النمر" الرائعة موضة العام المقبل

GMT 10:24 2015 الإثنين ,16 آذار/ مارس

"كلام من القلب" يقدم طرق علاج كسور الفخذ

GMT 04:18 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

منال جعفر بإطلالة "رجالي" في آخر ظهور لها
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon