توقيت القاهرة المحلي 05:32:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع وجود وليس (فقط) صراع حدود

  مصر اليوم -

صراع وجود وليس فقط صراع حدود

بقلم - عمرو الزنط

العنوان مستوحى من مقولة استخدمها معارضو التسوية السلمية مع إسرائيل، للإيحاء بأن تواجدها، سواء داخل أو خارج حدود 1967، مرفوض، ويشكل تهديدا وجوديا للعرب. لكن يمكن إيجاد عدة معان أخرى لنفس المقولة فى سياق الصراع الدائر منذ عقود- والذى ربما وصل لذروته الآن- مع تيارات الأصولية الإسلامية.
فى الكثير من الأحيان تم التركيز فى هذا السياق على مسائل شرعية، مثل العزم على التطبيق الصارم لـ«الحدود»، كنوع من الاختبار لنوايا تيارات الإسلام السياسى. لكن الحقيقة أن الصراع بين الأصولية الدينية والتعددية الفكرية يدور حول «الوجود»؛ حول إمكانية وجود أفكار وثقافات ومعتقدات «مخالفة» فى ظل حكم الإسلام السياسى. وحول وجود البشر الذين يتبنون مثل هذه الأفكار.

وإن كانت الأزمة فى الأساس هى الحدود، فهى ليست الحدود الشرعية إنما، على مستوى أعمق، الحدود الفكرية التى يحاصر من خلالها الأصوليون عقول البشر؛ فهذه هى التى تؤدى إلى العجز والإفلاس المعرفى على المدى الطويل، نتيجة كبت الفكر والإبداع، حتى إذا كان تطبيق الحدود الشرعية له أثر يسهل ملاحظته على المدى القصير (انظر أفغانستان).

لا أتحدث هنا فقط عن الأثر الكارثى فى مجالات كالفن والأدب، فحتى الإبداع العلمى يتأثر. مثلا، يتخيل الكثيرون فى المجتمعات التى يسودها الفكر الأصولى أنه يمكن الفصل بين الأسئلة الأعمق فى العلوم الأساسية، والتصور العلمى للعالم، وبين استيعاب تطورات التكنولوجيا على أعلى مستوى. هكذا شرح مثلا سيد قطب فى كتابه الأشهر بين المتطرفين (معالم فى الطريق).

لكن هذه رؤية قاصرة، تريد فصل الإنتاج التطبيقى عن اللغة التى نتج عنها. ترى هل يمكن كتابة النصوص «العملية»، كدفتر إرشاد جهاز منزلى مثلا، دون أى معرفة بأبجديات اللغة وقواعدها؟، وتعلم اللغة العلمية يعنى الانغماس فى منهج يسوده التساؤل والنقض والتشكك على كل مستوى وفى كل شىء وكل طرح: أى لا يقبل فرض الحدود الفكرية.

والإفلاس الفكرى الناتج عن فرضها يأتى مصاحبا بإفلاس أخلاقى. ومن أعراضه المفارقة التى نجدها واضحة كل الوضوح (لمن يريد أن يرى) فى بلد مثل مصر، انتشار الانتهازية والمادية الشديدة فى مجتمع يبدو ظاهريا، من حيث كثرة مظاهر التدين، مكونا من الصالحين الروحانيين الزاهدين. وذلك فى نفس الوقت الذى تجد فيه مجتمعات علمانية تسود فيها الثقة النسبية والاحترام المتبادل بين البشر رغم «ماديتها». من أين تأتى تلك الأخلاقيات فى غياب الروحانية المفترض أنها منتشرة فى مصر؟.

تأتى من المنهج العلمى نفسه، الذى يسطر ضمنيا على الثقافة العامة ونظام التعليم.. لقد اعتقد قطب، كغيره كثيرين، أن المنهج «المادى»، البانى للعلم الحديث، مؤسس بالضرورة على مبادئ لا أخلاقية مناوئة لتراثنا الروحانى (ولذلك لا يجب استخدامه خارج التطبيقات العملية المباشرة). لكن المنهج المادى المكروه هذا له أسسه الأخلاقية المهمة، والتى نفتقدها عند نبذ أساسياته المعرفية: كتقدير قيمة البحث عن الحقيقة وقبولها، حتى إن كانت مزعجة لأنها تتناقض مع اتجاهاتنا ومعتقداتنا وانطباعاتنا المسبقة؛ والتسليم بأن كل شىء وكل شخص قابل للنقد، مهما كانت الهيبة والمكانة؛ وقبل كل ذلك قبول مبدأ حرية طرح الأفكار، وصيانة استقلالية وكرامة كل عقل إنسانى يقوم بالطرح أو النقد.

هذا هو التصور الأخلاقى المؤسس لعملية البحث فى أساسيات المعرفة العلمية، والذى مع تسربه للمجال السياسى كان تاريخيا فى أساس بناء مجتمعات تعددية، تتنافس فيها الأفكار والتيارات العقلانية دون إقصاء أو لجوء للعنف للفصل بينها. وهو منهج يبدو أفضل بكثير من التسلق الاجتماعى والتسلط السياسى باسم المطلق، الذى يبدو أكثر «مادية»، أو على الأقل انتهازية. وهو منهج لا يتناقض مع الإيمان إلا عند من أدمن فرض محاذير على الفكر، ليحصره داخل حدود تسمح بالسيطرة على عقول البشر، ثم على حياتهم.

الصراع هو صراع وجود لأنه يدور مع من يريد بسط قراءة معتمدة لمعنى الوجود ذاته، ويرمى إلى محو وجود أى طرح مغاير. وصراع حدود، لأن الحدود التى يريد فرضها تعتبر من النوع الذى يزيل أى أمل فى تواجد التعددية الفكرية، التى بدونها لا إمكانية أو معنى للتعددية السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع وجود وليس فقط صراع حدود صراع وجود وليس فقط صراع حدود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon