توقيت القاهرة المحلي 11:13:16 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صراع وجود وليس (فقط) صراع حدود

  مصر اليوم -

صراع وجود وليس فقط صراع حدود

بقلم - عمرو الزنط

العنوان مستوحى من مقولة استخدمها معارضو التسوية السلمية مع إسرائيل، للإيحاء بأن تواجدها، سواء داخل أو خارج حدود 1967، مرفوض، ويشكل تهديدا وجوديا للعرب. لكن يمكن إيجاد عدة معان أخرى لنفس المقولة فى سياق الصراع الدائر منذ عقود- والذى ربما وصل لذروته الآن- مع تيارات الأصولية الإسلامية.
فى الكثير من الأحيان تم التركيز فى هذا السياق على مسائل شرعية، مثل العزم على التطبيق الصارم لـ«الحدود»، كنوع من الاختبار لنوايا تيارات الإسلام السياسى. لكن الحقيقة أن الصراع بين الأصولية الدينية والتعددية الفكرية يدور حول «الوجود»؛ حول إمكانية وجود أفكار وثقافات ومعتقدات «مخالفة» فى ظل حكم الإسلام السياسى. وحول وجود البشر الذين يتبنون مثل هذه الأفكار.

وإن كانت الأزمة فى الأساس هى الحدود، فهى ليست الحدود الشرعية إنما، على مستوى أعمق، الحدود الفكرية التى يحاصر من خلالها الأصوليون عقول البشر؛ فهذه هى التى تؤدى إلى العجز والإفلاس المعرفى على المدى الطويل، نتيجة كبت الفكر والإبداع، حتى إذا كان تطبيق الحدود الشرعية له أثر يسهل ملاحظته على المدى القصير (انظر أفغانستان).

لا أتحدث هنا فقط عن الأثر الكارثى فى مجالات كالفن والأدب، فحتى الإبداع العلمى يتأثر. مثلا، يتخيل الكثيرون فى المجتمعات التى يسودها الفكر الأصولى أنه يمكن الفصل بين الأسئلة الأعمق فى العلوم الأساسية، والتصور العلمى للعالم، وبين استيعاب تطورات التكنولوجيا على أعلى مستوى. هكذا شرح مثلا سيد قطب فى كتابه الأشهر بين المتطرفين (معالم فى الطريق).

لكن هذه رؤية قاصرة، تريد فصل الإنتاج التطبيقى عن اللغة التى نتج عنها. ترى هل يمكن كتابة النصوص «العملية»، كدفتر إرشاد جهاز منزلى مثلا، دون أى معرفة بأبجديات اللغة وقواعدها؟، وتعلم اللغة العلمية يعنى الانغماس فى منهج يسوده التساؤل والنقض والتشكك على كل مستوى وفى كل شىء وكل طرح: أى لا يقبل فرض الحدود الفكرية.

والإفلاس الفكرى الناتج عن فرضها يأتى مصاحبا بإفلاس أخلاقى. ومن أعراضه المفارقة التى نجدها واضحة كل الوضوح (لمن يريد أن يرى) فى بلد مثل مصر، انتشار الانتهازية والمادية الشديدة فى مجتمع يبدو ظاهريا، من حيث كثرة مظاهر التدين، مكونا من الصالحين الروحانيين الزاهدين. وذلك فى نفس الوقت الذى تجد فيه مجتمعات علمانية تسود فيها الثقة النسبية والاحترام المتبادل بين البشر رغم «ماديتها». من أين تأتى تلك الأخلاقيات فى غياب الروحانية المفترض أنها منتشرة فى مصر؟.

تأتى من المنهج العلمى نفسه، الذى يسطر ضمنيا على الثقافة العامة ونظام التعليم.. لقد اعتقد قطب، كغيره كثيرين، أن المنهج «المادى»، البانى للعلم الحديث، مؤسس بالضرورة على مبادئ لا أخلاقية مناوئة لتراثنا الروحانى (ولذلك لا يجب استخدامه خارج التطبيقات العملية المباشرة). لكن المنهج المادى المكروه هذا له أسسه الأخلاقية المهمة، والتى نفتقدها عند نبذ أساسياته المعرفية: كتقدير قيمة البحث عن الحقيقة وقبولها، حتى إن كانت مزعجة لأنها تتناقض مع اتجاهاتنا ومعتقداتنا وانطباعاتنا المسبقة؛ والتسليم بأن كل شىء وكل شخص قابل للنقد، مهما كانت الهيبة والمكانة؛ وقبل كل ذلك قبول مبدأ حرية طرح الأفكار، وصيانة استقلالية وكرامة كل عقل إنسانى يقوم بالطرح أو النقد.

هذا هو التصور الأخلاقى المؤسس لعملية البحث فى أساسيات المعرفة العلمية، والذى مع تسربه للمجال السياسى كان تاريخيا فى أساس بناء مجتمعات تعددية، تتنافس فيها الأفكار والتيارات العقلانية دون إقصاء أو لجوء للعنف للفصل بينها. وهو منهج يبدو أفضل بكثير من التسلق الاجتماعى والتسلط السياسى باسم المطلق، الذى يبدو أكثر «مادية»، أو على الأقل انتهازية. وهو منهج لا يتناقض مع الإيمان إلا عند من أدمن فرض محاذير على الفكر، ليحصره داخل حدود تسمح بالسيطرة على عقول البشر، ثم على حياتهم.

الصراع هو صراع وجود لأنه يدور مع من يريد بسط قراءة معتمدة لمعنى الوجود ذاته، ويرمى إلى محو وجود أى طرح مغاير. وصراع حدود، لأن الحدود التى يريد فرضها تعتبر من النوع الذى يزيل أى أمل فى تواجد التعددية الفكرية، التى بدونها لا إمكانية أو معنى للتعددية السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صراع وجود وليس فقط صراع حدود صراع وجود وليس فقط صراع حدود



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon