توقيت القاهرة المحلي 02:08:05 آخر تحديث
الثلاثاء 29 نيسان / أبريل 2025
  مصر اليوم -
أخبار عاجلة

رسائل من الأرض

  مصر اليوم -

رسائل من الأرض

بقلم - عمرو الزنط

فى صيف 1977، منذ 45 عامًا، أطلقت وكالة ناسا مركبتى فضاء «فوياجر»، أى المسافر. أولًا المسافر 2 فى أغسطس، ثم المسافر 1 فى بداية سبتمبر من ذلك العام. كانت هذه أولى المركبات التى تصور كواكب المجموعة الشمسية الخارجية بدقة، عندما مرت بالقرب من المشترى وزحل ومجاميع أقمارها.

الصور المبهرة، التى أرسلتها مركبات المسافرات فى نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات، تزامنت فى مصر مع أوضاع متقلبة؛ زيارة السادات للقدس، اشتداد بدايات الصحوة الدينية، اغتيال السادات.. لكنى كنت فى ذلك الوقت طفلًا مصاحبًا لوالدى الدبلوماسى بسفارتنا بالعاصمة الأمريكية واشنطن. صور السادات وبيجن وكارتر تصدرت الأخبار هناك أيضًا بالطبع.

وكذلك مظاهر الصحوة، خاصة مع صعود الخومينى وخطف رهائن السفارة الأمريكية فى طهران، لكن صور «فوياجر»، التى تصدرت الأخبار كذلك، هى التى شدّت انتباه وفضول هذا الطفل المقبل على المراهقة، خاصة أنها تزامنت تقريبًا مع برنامج «كوزموس»، لعالِم ومعمم العلم الفذ، كارل ساجان، الذى شرح المعنى الأعمق للصور الجذابة ووضعها فى إطارها الحضارى الأعَمّ.

حتى قبل «فوياجر»، كان من المعلوم أن كوكب المشترى تدور حوله أقمار؛ بل كان اكتشاف جاليليو لهذه الأجسام السماوية، التى تدور بوضوح حول كواكب غير الأرض، من أسباب صدامه الشهير مع السلطات الدينية.. أما مركبات فوياجر فقد فتحت عالمًا جديدًا بالكشف عن عشرات الأقمار التى تدور حول كواكب المجموعة الشمسية الخارجية، بالمقارنة بقمر واحد فقط يدور حول كوكب الأرض.. من بين تلك الأقمار ما يستضيف براكين متفجرة، وما فيه محيطات من غاز الميثان المثلج، أو غلاف جوى معتم، ربما قابل لاستضافة أنماط الحياة. ورصدت بدقة فائقة بؤرة كوكب المشترى الحمراء الكبرى؛ عبارة عن عاصفة عملاقة، أكبر من كوكب الأرض بأكمله، قائمة منذ مئات السنين على الأقل. ورصدت الحلقات التى تحيط بكوكب زحل، والتى كان قد اكتشفها كذلك جاليليو من خلال المنظار الذى صممه فى أول القرن السابع عشر، والذى كشف عن كون تسوده قوانين حركة موحدة تحكم كل أجسامه، مما مهد لاكتشافات نيوتن، ومن ثَمَّ الثورة العلمية وبداية العالم الحديث، مع نهاية نفس القرن. بعد زيارة المشترى وزحل، بدأت «المسافر 1» الخروج من المجموعة الشمسية، سالكة مسارًا عموديًّا على المستوى الذى يجمع كواكبها. أما مركبة فوياجر 2 فأكملت رحلتها الشمسية بزيارة كوكب أورانوس (فى 1986) ونبتون (1989)، وهما الكوكبان اللذان- بالمناسبة- ليس لهما لقبان عربيان نظرًا لاكتشافهما بعد اندلاع الثورة العلمية وانفصال العالم العربى عن ركب الحضارة الحديثة.

المركبتان تكملان الآن رحلتهما خارج المجموعة الشمسية، على مسافة 16 و22 ساعة ضوئية من الأرض، أى أن الإشارات المنبعثة منهما تأخذ ما يقرب من يوم كامل للوصول إلينا. القمر بالمقارنة يبعد عنّا حوالى ثانية ضوئية فقط، مع ذلك هذه ليست مسافات كبيرة بالمعايير الفلكية، التى تقدر المسافات الكبرى فيها بملايين ومليارات السنوات الضوئية، لكنها تشكل خطوة أولية فى طريق استكشاف الإنسانية لمأواها الكونى الأكبر.

بدأت «ناسا» مؤخرًا فى تخفيض عمل أجهزة المركبتين، فى محاولة لحفظ ما تبقى من طاقة فيهما لبضع سنوات إضافية، وذلك بعد تشغيل استمر ما يقرب من نصف القرن ودام أكثر من عمرهما الافتراضى بعشر مرات. لكن حتى بعد انطفاء أجهزتهما بالكامل، ستسبح المسافرتان 1 و2 فى الفراغ السائد ما بين النجوم، ربما لمليارات السنين، بعد ترك المجال الجاذبى للشمس بالكامل.. وربما بعد أن تفنى الإنسانية وتنطفئ الشمس نفسها، فى أعقاب نفاد وقودها من الهيدروجين.

وفى رحلتهما الملحمية تلك، ستحملان أسطوانات تسجل رسالة من الإنسانية إلى الكون، لعل وعسى هناك مَن يهمه الأمر: كلمة من أمين عام الأمم المتحدة عام 1977؛ تحيات بمختلف اللغات السائدة على الأرض، بما فى ذلك العربية؛ آية قرآنية؛ موسيقى لبيتهوفن وباخ ولقبائل إفريقية؛ أصواتًا وصورًا تعكس طبيعة وأنماط الحياة على الأرض، فى محاولة لشرحها.. والتعبير عن رغبة دفينة لدى الإنسان فى فك شفرة وجوده فى كون شاسع، فيه عدد من المجرات أكبر بمراحل من تعداد كل البنى آدمين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسائل من الأرض رسائل من الأرض



GMT 04:52 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

عودة إلى الفردوس المفقود: سوق العبودية

GMT 04:51 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

إيران... واقعية ما بعد «الطوفان»

GMT 04:49 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

«تجليّات» رامي مخلوف

GMT 04:48 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

ثقافة ما تحت الدولة

GMT 04:47 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

المشرق... السيادة والرهانات على الدولة الوطنية

GMT 04:46 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

عباس بين معضلة الانقسام وتعقيدات التسوية

GMT 04:44 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

سناء جميل خارج الخريطة!!

GMT 04:42 2025 الإثنين ,28 إبريل / نيسان

الأوقافُ والأزهرُ فى وداع البابا «فرنسيس»

ميريام فارس تتألق بإطلالات ربيعية مبهجة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 13:43 2021 السبت ,06 شباط / فبراير

يتيح أمامك هذا اليوم فرصاً مهنية جديدة

GMT 04:18 2019 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أبرز الأعمال الدرامية التي عُرضت خلال عام٢٠١٩

GMT 04:54 2024 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

سيارة كهربائية خارقة جديدة من دودج بمدى سير يتجاوز 500 كم

GMT 03:09 2021 الثلاثاء ,06 إبريل / نيسان

تحصيل 135 ألف جنيه مستحقات 3 عمال مصريين في جدة

GMT 19:29 2021 الأحد ,21 آذار/ مارس

مؤشر سوق مسقط يغلق منخفضًا بنسبة 0.52%

GMT 09:15 2021 الخميس ,04 آذار/ مارس

احتفالية خاصة لشيكابالا قبل مواجهة الترجي

GMT 04:06 2020 الإثنين ,30 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث مروع لغروجان يتسبب في توقف سباق البحرين
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2025 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon