توقيت القاهرة المحلي 18:23:43 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اختبار تاريخ الكون

  مصر اليوم -

اختبار تاريخ الكون

بقلم - عمرو الزنط

بعد أقل من أسبوعين من بداية تشغيل تليسكوب جيمس ويب ونَشْر الصور الأولى، ظهرت أولى الأوراق العلمية المستخدمة لنتائج هذا المرصد. هذه الأوراق ليست مُحكّمة بعد بالطبع، لأن عملية التحكيم تأخذ على الأقل بضعة أسابيع، وفى معظم الأوقات عدة شهور أو أكثر، بل هى أوراق أولية (تسمى «بريبينت») توضع على مواقع أرشيفية على الإنترنت معروفة لدى المجتمع العلمى العالمى.

تحكيم الأوراق فى الظروف التى تظهر فيها مثل هذه الأبحاث ليست له أهمية كبيرة، لعدة أسباب، من بينها أن كُتاب الأبحاث والقراء على هذا المستوى يعرفون بعضهم شخصيًا فى كثير من الأحيان، ولديهم فى معظم الأحوال احترام متبادل كبير؛ ومثل هذه الأوراق تخضع لتحكيم داخلى صارم، من خلال مناقشات حادة بين الطاقم البحثى ذاته (ومن خلال تحكيم داخلى رسمى فى حالة الفرق البحثية الكبيرة)، لأن الفريق عادة ما يضم أسماء مرموقة تريد الإبقاء على سمعتها، ومعها باحثون معاونون يريدون تكوين أسامى مماثلة لأنفسهم.. ثم إنه فى مثل هذه المواضيع يكون التحكيم والتقييم علنيا؛ فى نقاشات وندوات ومؤتمرات، وأبحاث متلاحقة تدعم أو تنفى النتائج وتضيف إليها أو تسد الفجوات.

فى هذا السياق، يتضح أن عملية التحكيم والنشر التقليدى فى دوريات علمية تكون أهم بكثير فى ظروف يصعب فيها تقييم الإنتاج العلمى نتيجة غياب مجتمع علمى ذى حيوية وثقل ومعايير معتبرة.. وهذا هو الحال فى مجالات كثيرة فى مصر.

مثلًا معظم الأبحاث المبنية على نتائج جيمس ويب، التى ظهرت خلال الأسبوع الماضى، تتعلق بنشأة أول مجرات فى الكون، هذا مجال علمى شبه منعدم فى مصر، خاصة من الناحية النظرية. وكذلك بالنسبة للإطار العلمى العام المؤسس له.

مثلا نعرف أن الكون كان فى مراحل أولية فى صورة حساء شبه متجانس، لأننا نرصد الأشعة المتبقية من تلك المرحلة المسماة بـ«أشعة الظل الكونية»، هذه الأشعة تم اكتشافها منذ أكثر من نصف قرن (1964)، وحصل مكتشفوها على جائزة نوبل عام 1978.. ثم تم اكتشاف تذبذبات طفيفة فيها منذ ثلاثين عاما بالضبط (صيف 1992) وتم توزيع جوائز نوبل بهذه المناسبة سنة 2006. مع ذلك، ليس هناك أحد فى مصر متخصص فى فهم وتحليل تلك الأشعة.

ودون خلفية فى هذا الإطار العلمى العام الحاكم يصعب فهم معنى الأبحاث الأخيرة المتعلقة بنشأة المجرات الأولية، ناهيك عن المشاركة فيها، كما أرجو أنه يتضح مما يلى..

ثلاثة من الأبحاث التى ظهرت (على الأقل) تتعلق بتعداد المجرات الكبيرة (التى تحتوى على مائة مليار نجمة فيما فوق) فى أزمان قليلة نسبيا بعد بداية تمدد الكون؛ أى بعد بضع مئات ملايين من السنين فى كون عمره الآن ما يقرب من 14 مليار سنة.. هذا موضوع مهم، لأنه يمكن من خلاله امتحان نظرياتنا عن تطور الكون: فمِن رصد وتحليل وفهم الذبذبات الصغيرة فى أشعة الظل الكونية (نوبل 2006) نعرف حجم البذور التى نشأت منها التكتلات التى نبتت منها المجرات تحت تأثير الجاذبية، لذا يمكننا بناء نموذج متكامل لنشأة المجرات وتطورها مع الزمن واختبارها فى ظل أرصاد «ويب» وغيره.

الكثير من تنبؤات الحسابات الرياضية والمحاكاة الرقمية العملاقة الناتجة عن ذلك المنهج قد تم اختبارها بالفعل، والكثير منها أثبت جدارته فى مواجهة أدلة الواقع.. لكن حتى قبل إطلاق جيمس ويب كانت هناك تكهنات بأن عدد المجرات الأولية الكبرى أكبر مما تتوقعه نظريات نشأة المجرات، فى إطار النموذج القياسى لتطور الكون.. مع ذلك كانت دائما هناك شكوك بخصوص دقة الأرصاد التى تشير إلى ذلك، خاصة أنها كانت ترصد الضوء الآتى من تلك المجرات فى نطاق الأشعة فوق البنفسجية، مما يعقّد مهمة استنتاج الكتلة منها.

أما جيمس ويب، فيرصد الأشعة المنبعثة منها فى الضوء المرئى وبدقة فائقة تقلل من إمكانية اللبس.. والأوراق البحثية الثلاث المشار إليها تتضمن نتائج أولية تشير إلى أن عدد المجرات الكبرى عند أزمنة بعيدة قد يكون فعلا أكبر بكثير من توقعات نظرياتنا. وإذا تأكد ذلك فستكون له تداعيات واسعة النطاق تخص نماذج نشأة المجرات فى إطار تطور الكون.. بل ربما تلمس جوانب من تصوراتنا للعالم الطبيعى أبعد من ذلك بكثير.

وللحديث بقية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اختبار تاريخ الكون اختبار تاريخ الكون



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 15:30 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025
  مصر اليوم - ميتا تعتزم إضافة الإعلانات إلى ثردز في 2025

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon