بقلم - فتحــى محمــود
يكتسب الحديث عن الاستعداد لمرحلة مابعد النفط في منطقة الخليج العربي أهمية خاصة، نظرا للدور الكبير الذي لعبته الحقبة النفطية في إبراز الموقع الإستراتيجي الجيوسياسي لهذه المنطقة، وصراع القوي الكبري، وارتباط ذلك بعمليات التنمية هناك. كما أن تراجع عائدات النفط خلال السنوات الأخيرة، نتيجة انخفاض سعر برميل البترول عالميا، وتأثير ذلك علي ميزانيات دول الخليج أدي إلى تسارع الاهتمام بالرؤية الاقتصادية المستقبلية لهذه الدول، والخطط والآليات اللازمة لتنفيذ هذه الرؤي.
لكن بعض الدول مثل سلطنة عُمان كانت سباقة في التخطيط لمستقبل اقتصادي وتنموي يراعي تنويع قاعدة الإنتاج الاقتصادي، وعدم التركيز علي عائدات النفط فقط، فأطلقت سلسلة من الخطط الخمسية منذ عام 1976، والتي علي أساسها أعلنت عام 1995 رؤيتها الاقتصادية (عُمان 2020)، التي تقوم علي تنفيذ مشاريع مختلفة في المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وإيجاد مصادر دخل جديدة بجانب الموارد المالية التي تحصل عليها من مشاريع النفط والغاز.
وهو مايمثل ترجمة دقيقة لتصريحات السلطان قابوس بن سعيد المتعددة منذ سنوات طويلة، والتي كان يؤكد فيها السعي الدؤوب لبناء القدرات الذاتية والاهتمام بتنمية الموارد الاقتصادية بما يخفف الاعتماد على النفط ويسهم في مواجهة تقلبات السوق النفطية وسلبيات الركود الاقتصادي العالمي، لتتوافر للاقتصاد الوطني وباستمرار القدرة على إنجاز مشاريع جديدة. وفي هذا السياق تطلق السلطنة فى يومي 27 و28 يناير الحالي المؤتمر الوطني للرؤية المستقبلية عُمان 2040، التي تتضمن تحديد الفرص المتاحة والاستغلال الأمثل للمزايا النسبية وأهمها الموقع الجغرافي المهم، بجانب استغلال كل قطاع اقتصادي آخر يمكن أن يسهم في تنويع مصادر الدخل القومي، مع تأكيد أهمية التوزيع المتوازن للتنمية في المحافظات العمانية بما يتناسب مع حجم واحتياجات كل محافظة.
وهنا لابد من الإشارة إلي نقطة مهمة لاحظتها خلال متابعتي للخطط والرؤي التي أطلقتها معظم دول الخليج العربي، لتنويع مصادر الدخل وقاعدة الإنتاج الاقتصادي، وتقليص الاعتماد علي عائدات النفط وحده، فالرؤية العمانية الجديدة لم تنفرد الحكومة بإطلاقها وصياغة تفاصيلها كاملة، وطرحها للتطبيق بعيدا عن آراء مختلف فئات المجتمع. ولكن عملت منذ عام 2013 علي استطلاع رؤي جميع شرائح المجتمع العُماني لتقييم الخطط السابقة، ورسم خطة للنمو الاقتصادي خلال المرحلة المقبلة لتحديد المشاريع التي من المهم تنفيذها خلال العقدين المقبلين (2020-2040)، من خلال وضع الإستراتيجيات والخطوط العريضة والأهداف المستقبلية والخطة الزمنية لتنفيذ مشاريع كل قطاع اقتصادي، بالتعاون مع القطاع الخاص الذي يمثل محورا رئيسيا في أي تخطيط مستقبلي في ظل الظروف والتحولات والمتغيرات الكبرى التي يشهدها العالم على كل الأصعدة. وتم تشكيل لجان بالمحافظات والقطاعات المختلفة للإعداد للرؤية الجديدة، انتهت إلي عقد ملتقى استشراف المستقبل منذ شهور، الذي ناقش السياق المستقبلي للرؤية، خلال المرحلة المقبلة، بجانب إعداد السيناريوهات المستقبلية لأي أمر محتمل يمكن أن تتعرض لها، وكان بمنزلة تجمع وطني شارك فيه مختلف أطياف المجتمع العُماني، يمثلون الشباب والأكاديميين والإعلاميين والطلاب، والقطاعات الحكومية والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني. أما المؤتمر الوطني الذي سيعقد الأسبوع المقبل فسيهتم بتحليل الإستراتيجيات المختلفة للقطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وتحديد التوجهات الإستراتيجية والأهداف للقضايا الرئيسية وجوانب القوة والضعف لكل محور، وصياغتها ومراجعتها.
لكن مما لاشك فيه أن محور الاقتصاد والتنمية سيكون هو الأبرز لا سيما في ظل التذبذب الذي تشهده أسعار النفط العالمية، وانعكاسات ذلك على الوضع الاقتصادي، وكيفية التكيف مع الواقع الجديد الذي ينتج عن ذلك، الأمر الذي يتطلب بناء اقتصاد متنوع قوي وديناميكي، قادر على التفاعل بمرونة مع الأوضاع والتغيرات المقبلة. خاصة أن التقارير الاقتصادية الدولية تتوقع أن يحصل الاقتصاد غير النفطي على المزيد من الدعم من قطاع السياحة، وبالتالي فإنه من المحتمل أن يبلغ متوسّط معدل نمو القطاع غير النفطي نسبة 3.5% في 2019 و2020، بينما معدل النمو في القطاع النفطي 3.3% سنويا، لذلك فإن السلطنة تسعي لاستغلال موقعها الجغرافي الفريد في جذب مزيد من السياح، ليكون هذا القطاع إحدى الركائز الأساسية في اقتصاد مابعد النفط.
نقلا عن الاهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع